المقاعد الخشبيه والمقاعد الاسفنجيه
المهندس معن الغلامي
قبل ايام قلائل كنت اقود سيارتي في مدينتنا التي غُلَّتْ ايديها بالاسلاك الشائكه وقُطِّعَتْ احشاؤها بالكتل الكونكريتيه وصفدت ارجلها باكوام من نفايات جعلت متاريس وسواتر ترابيه تجعل منها اشبه ما تكون بثكنة عسكريه او ربما خطا متقدما من خطوط المواجهة مع الاعداء في جبهة ملتهبه، وكان ان وصل بي الطريق- ولا اقول وصلت لان الوصول الى منطقة تريدها هذا الزمان يحدد مساره في كثير من الاحيان الطريق لا صاحبه -
اقول وصلت الى تقاطع من تقاطعات مدينتي الحبيبه ولله الحمد فقد كان منظما بالاشارات الضوئيه التي فقدناها منذ سنوات طوال، رغم انها كانت موجودة في بلدنا قبل كثير من الدول المجاورة لنا، وهي تبدو لي الان ضوءا خافتا في نهاية نفق مظلم واملا في بيداء من الهموم، ارجو الله تعالى ان تنزاح عن كاهل امتنا وعراقنا الغالي.
على كل حال الاشارة كانت حمراء وهي تعني في لغة المرور الاشاريه التوقف والانتظار فاوقفت سيارتي منتظرا الضوء الاخضر للعبور ورغم اني كنت وحيدا في هذا التقاطع فقد اصررت على الامتثال للاشارة الضوئيه، مع كون التقاطع خاليا من السابلة والعربات المارة ، وجاء بعدي اهلي واحبتي من اهل مدينتنا العزيزة وبدأوا ينظرون اليّ، ولماذا اتوقف رغم خلو التقاطع وربما استهزأ بي بعضهم واطلق العنان لمنبه سيارته ليوقظني من غفوتي او يعلمني الاسلوب الامثل في تطبيق قواعد السير والمرور !!! وبعد ثوان معدوده هي الوقت المحدد للاشارة الضوئيه او كما نسميه في لغتنا الهندسيه ( ) اذن لي الضوء الاخضر بالمسير فانطلقت واذا بي اتفاجأ بسيارات اخرى تقطع الطريق وتخلق حالة من الفوضى والارباك الذي جعل الجميع يقف انتظارا للفرج ومع تعالي اصوات المنبهات من السيارات وصراخ اصحابها بعبارات بعضها غير لائق، وقفت ارقب الانفراج او ياتي رجل المرور الذي اصبح حاله حال بلدنا، وحدث الفرج وانطلقت اكمل مشواري، وهنا اخذتني الذكريات بعيدا لسنين خوال حيث كان هناك مؤسسة خدميه في بلدنا تسمىى مصلحة نقل الركاب وتعمل لدى تلك المؤسسه حافلات حمراء تجوب شوارع مدينتنا وتدلف الى احيائها وازقتها باوقات محدده وتواريخ منتظمه نسميها بلغتنا الموصليه المصلحة او الامانة ينظم عملها جاب وسائق ومفتش وكلنا نتذكر الجابي موفق ومُلَحَهُ الظريفه، وكلنا نتذكر ايضا ان الحافلات كانت تحوي صنفين من المقاعد، صنف كراسيه مغطاة بالاسفنج والجلد واخر خشبي مصبوغ ليس الا، ويفصل بين الصنفين من المقاعد انبوب معدني حيث كان سعر الجلوس على المقعد الاسفنجي في الحافله هو 15 فلسا والخشبي هو 10 فلوس، واذكر انا عندما كنا صغارا وعندما نستخدم الحافلة صحبة ابي او امي وارى التدافع والازدحام في القسم الخشبي من المقاعد اقول لوالدي ولامي لماذا تزدحم المقاعد الخشبيه ولا اكاد اجد احدا يجلس او يتجرأ العبور الى المقاعد الاسفنجيه وكانت اجابتهما ان الناس بحاجة، وان كثيرا منهم لا يملك ثمن المقعد الاسفنجي مما يظطره الى الجلوس على الخشبي رغم الزحام والتدافع وكنت اتساءل معهما لماذا لا يتجاوز الناس مقاعدهم المزدحمه ويلجأون الى المقاعد الوفيره ويتخلصون من وطأة الزحام والتدافع ولا احد يراهم او يعرف بحالهم ويعودون الى اماكنهم عند صعود المفتش للبحث عن التذاكر، فكانت اجابتهما : يا ولدي ان هذا الفعل حرام ويخالف القانون، وفعلا لا تجد احدا يقترف هذا الفعل او يحاوله رغم المعاناة وما ينتجه الزحام من مشاكل وازمات.
قلت وانا اقود مركبتي متذكرا تلك الايام الخوالي ماذا حدث لاهلي وقومي ؟؟؟ ترى هل هؤلاء احفاد اولئك ام انا اتحدث عن اناس من كوكب اخر وحاضرة غريبة عني ؟؟؟؟ أكان ابي مخطأ وامي غير مصيبة عندما قالا لي ان هذا الفعل حرام ويخالف القانون ؟؟؟؟؟ ام هي المفاهيم المجتمعيه الجديده التي اتانا بها الاحتلال وما افرزه من ثقافة ومفاهيم جديده باسم التحرر والديمقراطيه ؟؟؟؟ أتعني الديمقراطية الانفلات والتسيب والعبث وعدم احترام القيم والقوانين ؟؟؟؟ اين يكمن الخلل اذن ؟؟ أفي الانسان ام تربيته ام ما يعيشه من ظروف وارهاصات وانفعالات ؟؟؟ احقا اننا نعيش حياة اقل ما يقال عنها انها مدنيه ام هي انتكاس ونكوص وتقهقر وعودة الى عصور التخلف والهمجيه ؟؟؟ترى هل الانبوب المعدني الفاصل بين الصنفين ذاك الزمان هو اشد تاثيرا وحزما من سلسلة طويله من التشريعات والقوانين التي توقف هذا السلوك وتقومه ؟؟؟ ام هي تربية وثقافة واسلوب في الحياة والتعامل مع الاخرين يجعل من المجتمع انسانيا بما تعنيه الكلمة من معان ساميه وقيم نبيله...
وفجأة رن هاتفي الجوال ليوقظني من هذه الجدلية المرهقه واذا بي اجد نفسي اسير في طريق اخر غير الذي يوصلني الى موقع العمل الذي كنت ذاهبا اليه، واذا بحداد التسليح الذي كان ينتظرني لأعطيه تعليمات يسير على ضوئها في العمل الذي طلبته منه يسألني عن سبب تأخري وهو لما يزل لم يقم باي عمل من الذي كلفته به، فقلت له معتذرا اني قد سرت في طريق آخر، وساحاول ان اعود اليك مسرعا قدر الامكان لانجز ما طلبته مني فاقبل معذرتي ...
عدت ادراجي الى موقع العمل الذي كنت ذاهبا اليه اولا، فانطلقت مسرعا مبتعدا عن ذكريات الزمن الجميل، وانا اردد قول الحبيب المصطفى عندما آذاه قومه: اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون ، اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
المهندس معن الغلامي
قبل ايام قلائل كنت اقود سيارتي في مدينتنا التي غُلَّتْ ايديها بالاسلاك الشائكه وقُطِّعَتْ احشاؤها بالكتل الكونكريتيه وصفدت ارجلها باكوام من نفايات جعلت متاريس وسواتر ترابيه تجعل منها اشبه ما تكون بثكنة عسكريه او ربما خطا متقدما من خطوط المواجهة مع الاعداء في جبهة ملتهبه، وكان ان وصل بي الطريق- ولا اقول وصلت لان الوصول الى منطقة تريدها هذا الزمان يحدد مساره في كثير من الاحيان الطريق لا صاحبه -
اقول وصلت الى تقاطع من تقاطعات مدينتي الحبيبه ولله الحمد فقد كان منظما بالاشارات الضوئيه التي فقدناها منذ سنوات طوال، رغم انها كانت موجودة في بلدنا قبل كثير من الدول المجاورة لنا، وهي تبدو لي الان ضوءا خافتا في نهاية نفق مظلم واملا في بيداء من الهموم، ارجو الله تعالى ان تنزاح عن كاهل امتنا وعراقنا الغالي.
على كل حال الاشارة كانت حمراء وهي تعني في لغة المرور الاشاريه التوقف والانتظار فاوقفت سيارتي منتظرا الضوء الاخضر للعبور ورغم اني كنت وحيدا في هذا التقاطع فقد اصررت على الامتثال للاشارة الضوئيه، مع كون التقاطع خاليا من السابلة والعربات المارة ، وجاء بعدي اهلي واحبتي من اهل مدينتنا العزيزة وبدأوا ينظرون اليّ، ولماذا اتوقف رغم خلو التقاطع وربما استهزأ بي بعضهم واطلق العنان لمنبه سيارته ليوقظني من غفوتي او يعلمني الاسلوب الامثل في تطبيق قواعد السير والمرور !!! وبعد ثوان معدوده هي الوقت المحدد للاشارة الضوئيه او كما نسميه في لغتنا الهندسيه ( ) اذن لي الضوء الاخضر بالمسير فانطلقت واذا بي اتفاجأ بسيارات اخرى تقطع الطريق وتخلق حالة من الفوضى والارباك الذي جعل الجميع يقف انتظارا للفرج ومع تعالي اصوات المنبهات من السيارات وصراخ اصحابها بعبارات بعضها غير لائق، وقفت ارقب الانفراج او ياتي رجل المرور الذي اصبح حاله حال بلدنا، وحدث الفرج وانطلقت اكمل مشواري، وهنا اخذتني الذكريات بعيدا لسنين خوال حيث كان هناك مؤسسة خدميه في بلدنا تسمىى مصلحة نقل الركاب وتعمل لدى تلك المؤسسه حافلات حمراء تجوب شوارع مدينتنا وتدلف الى احيائها وازقتها باوقات محدده وتواريخ منتظمه نسميها بلغتنا الموصليه المصلحة او الامانة ينظم عملها جاب وسائق ومفتش وكلنا نتذكر الجابي موفق ومُلَحَهُ الظريفه، وكلنا نتذكر ايضا ان الحافلات كانت تحوي صنفين من المقاعد، صنف كراسيه مغطاة بالاسفنج والجلد واخر خشبي مصبوغ ليس الا، ويفصل بين الصنفين من المقاعد انبوب معدني حيث كان سعر الجلوس على المقعد الاسفنجي في الحافله هو 15 فلسا والخشبي هو 10 فلوس، واذكر انا عندما كنا صغارا وعندما نستخدم الحافلة صحبة ابي او امي وارى التدافع والازدحام في القسم الخشبي من المقاعد اقول لوالدي ولامي لماذا تزدحم المقاعد الخشبيه ولا اكاد اجد احدا يجلس او يتجرأ العبور الى المقاعد الاسفنجيه وكانت اجابتهما ان الناس بحاجة، وان كثيرا منهم لا يملك ثمن المقعد الاسفنجي مما يظطره الى الجلوس على الخشبي رغم الزحام والتدافع وكنت اتساءل معهما لماذا لا يتجاوز الناس مقاعدهم المزدحمه ويلجأون الى المقاعد الوفيره ويتخلصون من وطأة الزحام والتدافع ولا احد يراهم او يعرف بحالهم ويعودون الى اماكنهم عند صعود المفتش للبحث عن التذاكر، فكانت اجابتهما : يا ولدي ان هذا الفعل حرام ويخالف القانون، وفعلا لا تجد احدا يقترف هذا الفعل او يحاوله رغم المعاناة وما ينتجه الزحام من مشاكل وازمات.
قلت وانا اقود مركبتي متذكرا تلك الايام الخوالي ماذا حدث لاهلي وقومي ؟؟؟ ترى هل هؤلاء احفاد اولئك ام انا اتحدث عن اناس من كوكب اخر وحاضرة غريبة عني ؟؟؟؟ أكان ابي مخطأ وامي غير مصيبة عندما قالا لي ان هذا الفعل حرام ويخالف القانون ؟؟؟؟؟ ام هي المفاهيم المجتمعيه الجديده التي اتانا بها الاحتلال وما افرزه من ثقافة ومفاهيم جديده باسم التحرر والديمقراطيه ؟؟؟؟ أتعني الديمقراطية الانفلات والتسيب والعبث وعدم احترام القيم والقوانين ؟؟؟؟ اين يكمن الخلل اذن ؟؟ أفي الانسان ام تربيته ام ما يعيشه من ظروف وارهاصات وانفعالات ؟؟؟ احقا اننا نعيش حياة اقل ما يقال عنها انها مدنيه ام هي انتكاس ونكوص وتقهقر وعودة الى عصور التخلف والهمجيه ؟؟؟ترى هل الانبوب المعدني الفاصل بين الصنفين ذاك الزمان هو اشد تاثيرا وحزما من سلسلة طويله من التشريعات والقوانين التي توقف هذا السلوك وتقومه ؟؟؟ ام هي تربية وثقافة واسلوب في الحياة والتعامل مع الاخرين يجعل من المجتمع انسانيا بما تعنيه الكلمة من معان ساميه وقيم نبيله...
وفجأة رن هاتفي الجوال ليوقظني من هذه الجدلية المرهقه واذا بي اجد نفسي اسير في طريق اخر غير الذي يوصلني الى موقع العمل الذي كنت ذاهبا اليه، واذا بحداد التسليح الذي كان ينتظرني لأعطيه تعليمات يسير على ضوئها في العمل الذي طلبته منه يسألني عن سبب تأخري وهو لما يزل لم يقم باي عمل من الذي كلفته به، فقلت له معتذرا اني قد سرت في طريق آخر، وساحاول ان اعود اليك مسرعا قدر الامكان لانجز ما طلبته مني فاقبل معذرتي ...
عدت ادراجي الى موقع العمل الذي كنت ذاهبا اليه اولا، فانطلقت مسرعا مبتعدا عن ذكريات الزمن الجميل، وانا اردد قول الحبيب المصطفى عندما آذاه قومه: اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون ، اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون
للعودة إلى الصفحة الرئيسة