بين الامير وطوقان ....شجون وهموم
معن الغلامي
مع اقتراب الاول من ايار تبقى ذكرى عيد المعلم حلما جميلا يداعب الخيال ويعيد لنا أياما جميله مضت وسنين خوال كنا فيها على مقاعد الدراسة حيث الزمن غير الزمن والاستاذ غير الاستاذ والنشء لا يماثل ما نراه لدى جيل اليوم من مفردات ومفاهيم ليس اقلها الاحترام المفقود للاستاذ وعدم الاهتمام بالعلم واعتباره قنطرة للعبور الى فضاءات نريد ان تكون مملوءة بالماديات والمنافع الشخصيه وكأن التعلم اصبح سلعة معدة للتجارة تحكمها قوانين الربح والخسارة وتقيم مسارها حدود العرض والطلب التي تتحكم في الماديات والجمادات دونما روح او احساس
من منا لا يتذكر اساتذة اجلاء قدموا الكثير وبنوا جيلا فريدا متميزا اعطوه عصارة حياتهم ومنحوه من صحتهم وما حملوه من تجارب وخبرات متراكمه، ومع سيل الذكريات المتعاقبه وحركتها في المخزون من المخيلات عادت بي الذاكره الى قصيدة جميله كتبها الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان معارضا بها قصيدة امير الشعراء أحمد شوقي الشهيره
قم للمعلم وفِّهِ التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
حيث اشارالشاعر ابراهيم طوقان الى واقع ينطبق تماما على ما تعانيه مؤسساتنا التربويه ومنظومتنا التعليميه من نكوص وتراجع وسلبيات كثيره وما يعيشه الاستاذ من معاناة مع متلقين اقل ما يقال عن جلهم- حتى لا نجانب الحقيقة - انهم لا يستحقون ما يبذل لهم من جهود وما يمنحون من تراث فكري وثراء معرفي متراكم لاجيال كثيره يقول الشاعر ابراهيم طوقان
شوقي يقول وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفه التبجيلا
حيث جعل الشاعر معاناته مع النشء الجديد مصيبة خفيت على امير الشعراء وكأنه لو علمها لما قال ما قال وهو بهذا ينقلنا الى ما يلاقيه اساتذتنا الاجلاء من عناء ومشقه في تعليم ابنائنا مع ما يقابله من سلبية من جانب الابناء وعدم اكتراث من الاباء لتعليم ابنائهم او توجيهم الوجهة الصحيحة حيث جل اهتمام الاهل في هذا الزمان ان يدخل ابناؤهم كلية تؤمن لهم ربحا ماديا وفيرا بغض النظر عن ميول الابناء واهتماماتهم او حاجة المجتمع اجل هي مصيبة تستحق ان تناقش وتذكر وتسطر ولو علمها الامير لما قال ما قال ثم يمضي الشاعر مع امير الشعراء في قصيدته فيقول
ويكاد يفلقني الامير بقوله كاد المعلم ان يكون رسولا
وكأنه يشير بطرف خفي الى الجانب الاخر من العملية التعليميه والتربويه انه جانب الاستاذ والمعلم فمتى انحط الاستاذ من سموه وانحدر من كبريائه لاسباب شتى فانه يفقد بهاءه ورمزيته وبالتالي لا يستطيع ان يؤدي رسالته التي هي رسالة الرسل الكرام عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة واتم التسليم وهو واقع نعيشه اليوم في زمن تغيرت فيه المفاهيم وانقلبت الموزاين واصبح كثير من الاساتذة بحاجة الى اعادة تعليم واعادة نظر في مستواهم دون الرجوع الى تحصيلهم العلمي وما حصلوا عليه من شهادات جامعيه وهذا واقع نعيشه ونلحظه من خلال متابعتنا لابنائنا وما يقدمه لهم اساتذتهم، افلا يفلق شاعرنا واقع مر يحسه يجعله يتحسر مناديا امير الشعراء معرضا ببيته المشهور( كاد المعلم ان يكون رسولا )ـ
وينقل لنا الشاعر صورة رائعه عن حياة المعلم المهنيه وكيف يعيش يومه وليله بين طلاب هذا حالهم فيقول
حسب المعلم غُمّةً وكآبةً مرأى الدفاتر بُكرةً واصيلا
ولعل عميلة التصحيح للدفاترهي هم اخر يضاف الى هموم المعلم ذاك انه يجد مستوى متدنيا وعقولا لا تقبل التعلم وبلادة تعي باهلا مع كون التصحيح في الحقيقة قطفا لثمرة جهد الاستاذ وما بذله من جهود في ايصال العلم لمستحقيه كيف ان اصبح غما ونكدا واحباطا يجعل الاستاذ يعيش صراعا بين الواجب المقدس والواقع المرير للتعليم بين ما يمليه عليه دينه وتربيته ومسؤليته وبين واقع يحاول القفز على هذه المفاهيم وتغيرها وتطويعها لتكريس واقع جديد وثقافة دخيله يميزها النفع المادي وتكون سمتها الميكافلية المقيته التي لا تراعي حرمة او اخلاقا او قيما ومعايير وهنا ينقل لنا الشاعر صورة لتلك المعاناة اذ يقول
لكن أُصَلِّحُ غلطةً نحَويةً مثلا و اتخذ ا لكتاب دليلا
مستشهدا بالغُرِّ من آياته او بالحديث مفصلا تفصيلا
واغوص في الشعر القديم فانتقي ما ليس ملتبسا ولا مبذولا
واكاد ابعث سيبويه من البلى وذويه من اهل القرون الاولى
فأرى (حمارا )1 بعد ذلك كله رفع المضاف اليه و المفعولا
صورة محزنه وممارسة مضنيه تلك التي تجعل من يقدم عملا كبيرا ويحاول جاهدا ان يتقن صنتعه ويرى بعد ذاك ثمرة جهده وعصارة فكره ضياعا وتشتتا ولا مبالاة اجل حال بائس وهم كبير يجعل الشاعر يقف مذهولا حائرا ليطلق صرخة تريد تغير الواقع واعادة الامور الى نصابها
وهكذا تمر الذكرى تحمل معها الشجون وتعيد الاحلام والاحزان ولكن ستبقى شعلة العلم وهاجة مضيئه برغم الواقع المرير بهمة المخلصين من الاساتذة والمعلمين الذين يواصلون الليل بالنهار لايصال النفع وتعليم ابنائنا وتوجيهم نحو السبيل القويم فلاشك ان من رحم المعاناة يولد النصر وان اشد ساعات الليل حلكة هي التي يعقبها الصباح ورغم ما يعيشه التعليم من واقع معلوم لكن هناك نقاط مضيئه تستحق من امير الشعراء ان يقول ويصرخ بملء فيه
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
تحية لكل الغيارى المخلصين من اساتذتنا الكرام في عيدهم الميمون هذا ورحم الله من قضى نحبه منهم وجزى الله خيرا من علمنا واخذ بيدنا الى طريق الحق ووضع خطواتنا في مسارها الصحيح وسنظل نلهج بالدعاء والثناء لمن جعلنا نعشق العلم والثقافة ونعيش همَّ العلم ولذة التعلم ولا يسعنا الا ان نذكر انفسنا ونبشر اساتذتنا بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
(اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جاريه او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له )
ولم يجمع هذه الثلاثه سوى المعلم والاستاذ فطوبى لهم تلك البشاره وبارك الله فيهم
1- مع الاعتذار عن استخدام هذه الكلمة للجميع
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
معن الغلامي
مع اقتراب الاول من ايار تبقى ذكرى عيد المعلم حلما جميلا يداعب الخيال ويعيد لنا أياما جميله مضت وسنين خوال كنا فيها على مقاعد الدراسة حيث الزمن غير الزمن والاستاذ غير الاستاذ والنشء لا يماثل ما نراه لدى جيل اليوم من مفردات ومفاهيم ليس اقلها الاحترام المفقود للاستاذ وعدم الاهتمام بالعلم واعتباره قنطرة للعبور الى فضاءات نريد ان تكون مملوءة بالماديات والمنافع الشخصيه وكأن التعلم اصبح سلعة معدة للتجارة تحكمها قوانين الربح والخسارة وتقيم مسارها حدود العرض والطلب التي تتحكم في الماديات والجمادات دونما روح او احساس
من منا لا يتذكر اساتذة اجلاء قدموا الكثير وبنوا جيلا فريدا متميزا اعطوه عصارة حياتهم ومنحوه من صحتهم وما حملوه من تجارب وخبرات متراكمه، ومع سيل الذكريات المتعاقبه وحركتها في المخزون من المخيلات عادت بي الذاكره الى قصيدة جميله كتبها الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان معارضا بها قصيدة امير الشعراء أحمد شوقي الشهيره
قم للمعلم وفِّهِ التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
حيث اشارالشاعر ابراهيم طوقان الى واقع ينطبق تماما على ما تعانيه مؤسساتنا التربويه ومنظومتنا التعليميه من نكوص وتراجع وسلبيات كثيره وما يعيشه الاستاذ من معاناة مع متلقين اقل ما يقال عن جلهم- حتى لا نجانب الحقيقة - انهم لا يستحقون ما يبذل لهم من جهود وما يمنحون من تراث فكري وثراء معرفي متراكم لاجيال كثيره يقول الشاعر ابراهيم طوقان
شوقي يقول وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفه التبجيلا
حيث جعل الشاعر معاناته مع النشء الجديد مصيبة خفيت على امير الشعراء وكأنه لو علمها لما قال ما قال وهو بهذا ينقلنا الى ما يلاقيه اساتذتنا الاجلاء من عناء ومشقه في تعليم ابنائنا مع ما يقابله من سلبية من جانب الابناء وعدم اكتراث من الاباء لتعليم ابنائهم او توجيهم الوجهة الصحيحة حيث جل اهتمام الاهل في هذا الزمان ان يدخل ابناؤهم كلية تؤمن لهم ربحا ماديا وفيرا بغض النظر عن ميول الابناء واهتماماتهم او حاجة المجتمع اجل هي مصيبة تستحق ان تناقش وتذكر وتسطر ولو علمها الامير لما قال ما قال ثم يمضي الشاعر مع امير الشعراء في قصيدته فيقول
ويكاد يفلقني الامير بقوله كاد المعلم ان يكون رسولا
وكأنه يشير بطرف خفي الى الجانب الاخر من العملية التعليميه والتربويه انه جانب الاستاذ والمعلم فمتى انحط الاستاذ من سموه وانحدر من كبريائه لاسباب شتى فانه يفقد بهاءه ورمزيته وبالتالي لا يستطيع ان يؤدي رسالته التي هي رسالة الرسل الكرام عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة واتم التسليم وهو واقع نعيشه اليوم في زمن تغيرت فيه المفاهيم وانقلبت الموزاين واصبح كثير من الاساتذة بحاجة الى اعادة تعليم واعادة نظر في مستواهم دون الرجوع الى تحصيلهم العلمي وما حصلوا عليه من شهادات جامعيه وهذا واقع نعيشه ونلحظه من خلال متابعتنا لابنائنا وما يقدمه لهم اساتذتهم، افلا يفلق شاعرنا واقع مر يحسه يجعله يتحسر مناديا امير الشعراء معرضا ببيته المشهور( كاد المعلم ان يكون رسولا )ـ
وينقل لنا الشاعر صورة رائعه عن حياة المعلم المهنيه وكيف يعيش يومه وليله بين طلاب هذا حالهم فيقول
حسب المعلم غُمّةً وكآبةً مرأى الدفاتر بُكرةً واصيلا
ولعل عميلة التصحيح للدفاترهي هم اخر يضاف الى هموم المعلم ذاك انه يجد مستوى متدنيا وعقولا لا تقبل التعلم وبلادة تعي باهلا مع كون التصحيح في الحقيقة قطفا لثمرة جهد الاستاذ وما بذله من جهود في ايصال العلم لمستحقيه كيف ان اصبح غما ونكدا واحباطا يجعل الاستاذ يعيش صراعا بين الواجب المقدس والواقع المرير للتعليم بين ما يمليه عليه دينه وتربيته ومسؤليته وبين واقع يحاول القفز على هذه المفاهيم وتغيرها وتطويعها لتكريس واقع جديد وثقافة دخيله يميزها النفع المادي وتكون سمتها الميكافلية المقيته التي لا تراعي حرمة او اخلاقا او قيما ومعايير وهنا ينقل لنا الشاعر صورة لتلك المعاناة اذ يقول
لكن أُصَلِّحُ غلطةً نحَويةً مثلا و اتخذ ا لكتاب دليلا
مستشهدا بالغُرِّ من آياته او بالحديث مفصلا تفصيلا
واغوص في الشعر القديم فانتقي ما ليس ملتبسا ولا مبذولا
واكاد ابعث سيبويه من البلى وذويه من اهل القرون الاولى
فأرى (حمارا )1 بعد ذلك كله رفع المضاف اليه و المفعولا
صورة محزنه وممارسة مضنيه تلك التي تجعل من يقدم عملا كبيرا ويحاول جاهدا ان يتقن صنتعه ويرى بعد ذاك ثمرة جهده وعصارة فكره ضياعا وتشتتا ولا مبالاة اجل حال بائس وهم كبير يجعل الشاعر يقف مذهولا حائرا ليطلق صرخة تريد تغير الواقع واعادة الامور الى نصابها
وهكذا تمر الذكرى تحمل معها الشجون وتعيد الاحلام والاحزان ولكن ستبقى شعلة العلم وهاجة مضيئه برغم الواقع المرير بهمة المخلصين من الاساتذة والمعلمين الذين يواصلون الليل بالنهار لايصال النفع وتعليم ابنائنا وتوجيهم نحو السبيل القويم فلاشك ان من رحم المعاناة يولد النصر وان اشد ساعات الليل حلكة هي التي يعقبها الصباح ورغم ما يعيشه التعليم من واقع معلوم لكن هناك نقاط مضيئه تستحق من امير الشعراء ان يقول ويصرخ بملء فيه
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
تحية لكل الغيارى المخلصين من اساتذتنا الكرام في عيدهم الميمون هذا ورحم الله من قضى نحبه منهم وجزى الله خيرا من علمنا واخذ بيدنا الى طريق الحق ووضع خطواتنا في مسارها الصحيح وسنظل نلهج بالدعاء والثناء لمن جعلنا نعشق العلم والثقافة ونعيش همَّ العلم ولذة التعلم ولا يسعنا الا ان نذكر انفسنا ونبشر اساتذتنا بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
(اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جاريه او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له )
ولم يجمع هذه الثلاثه سوى المعلم والاستاذ فطوبى لهم تلك البشاره وبارك الله فيهم
1- مع الاعتذار عن استخدام هذه الكلمة للجميع
للعودة إلى الصفحة الرئيسة