محمد سعيد الصكار.... غربة وابداع ورحيل
.. ينعي بيت الموصل رمز ا من رموز الفن والادب العراقي، شيخ الخطاطين الشاعر الكبير محمد سعيد الصكار ، فقد توفاه الله في مهجره ومغتربه في باريس يوم /24/3/2014
الفقيد الكريم هو احد اعمدة الثقافة العراقية المعاصرة وهو شخصية لها باعها الكبير في ميدان الادب والشعر والخط العربي . اتسم بروح انسانية عالية و ظل العراق عشقه ورفيقه في حله وترحاله وكان آخر لقاء معه يوم تكريمه قبل ايام في باريس من قبل معهد العالم العربي كما يظهر في هذا الفيديو الذي يظهر فيه الفنان الكبير وهو يقدم اخر كلماته الى الجيل الجديد
القرطاس نيوز / بغداد
رحل، اليوم الاثنين، محمد سعيد الصكار، فنان وشاعر ومسرحي وقاص عراقي عن عمر يناهز ثمانين عاماً بعد صراع طويل مع المرض.
في أحد الأيام كان الشاعر والأديب والخطاط والرسام، محمد سعيد الصكار، الذي برع في مختلف مجالات الفن والآداب ، يرقد في فراشه بسبب مرض السكري،وصلته رسالة من صديقه الدكتور مجيد الراضي، يسلم عليه ويطمئن الى صحته، فأجابه محمد سعيد الصكار ببيتين ظريفين قال فيهما:
يا من أتى يسأل عن حالتي
حكايتي غريبة غامضة
تُمرّ أيامي ويحلو دمي
والنفس ما بينهما حامضة
يصور في البيتين أيامه المُرة، مقابل الدم الذي أصبح حلوا بفعل مرض السكري أما النفس فحامضة، وهكذا جمع الشاعر في بيت واحد كل ما يعرفه اللسان من ألوان الذوق.
أثار الصكار ، ضجة كبيرة ودهشة في الاوساط العلمية والفنية والطباعية من خلال مشروعه "الابجدية العربية المركزة"، حيث وجد أن الابجدية العربية تتخذ أشكالا مختلفة وكثيرة في الخط وفي الطباعة، وتوصل إلى إن للكتابة حروفها وللخط حروفه فما تكتب به ليس ما تخط به، وهو أول تمييز في التعامل مع الابجدية العربية عندما يراد تطويرها تقنيا في عصر المعلوماتية. فوجد أن جذور الأبجدية هو 21 جذرا يشكل تكوين وتشكيل الحروف وهو ما يغطي حاجة المطبعة من الحروف العربية، وتوصل إلى أن الابجدية لم تعد لها حروف أولية أو وسطية أو متطرفة، ومزايا ابجدية الصكار هي سهولة التدريب على استعمال ماكنة التنضيد مع اختصار الوقت اللازم لذلك، وبسرعة اكبر، وتخفيض نسبة الخطأ المطبعي، وزيادة ما تستوعبه الصفحة الواحدة، وحل مشكلة التصنيع الالكتروني للحرف العربي.
وأجاد الصكار في الشعر والرسم والتصميم والاخراج الفني، فهو من جيل الخطاطين المحدثين الذين استثمروا الشعر في الخط حيث لرشاقته ودقته والاختصار ميزات شعرية، فالصكار في القصيدة مكثف للصور مختزل للمعنى وقد عاش في البصرة مع ان ولادته كانت في محافظة ديالى، وتزوج في البصرة وسجن فيها أيضا، ولما ضاقت به السبل والمطاردة غادر إلى بغداد ليفتح له مرسما في شارع الجمهورية اسماه "ناب" ومن داخل هذا المكتب الأنيق بدأت رحلة الصكار مع الفن فطلب للعمل في جريدة الثورة مصمما وخطاطا ومن هناك بدأ مشروعه في الابجدية يأخذ شكلا تنفيذياً، لكن الخطاطين ورجال الامن قد وقفوا سوية في محاربة المشروع، فحوصر مرات عدة اضطر بعدها الى مغادرة العراق ليعيش في باريس مغترباً.
كتب الصكار عن حنينه للعراق وهو في باريس واحدة من اجمل قصائده في الشعر العامودي حيث قال:
ألا ليت شعري هل ببغداد نخلةٌ
تجيبُ إذا أعيا المجيبُ ندائيا
فقد غابَ اصحابي واوحشني السرى
وضعضع آمالي اغترابٌ نبا بيا
أُقلبُ طرفي في الجرائدِ علنَّي
أرى ألقاً من فجرِ بغداد آتيا
إنِ اللهُ يُرجعني لبغدادَ أرتمي
على تٌربِها أستافُ فيه شبابيا
لعمري لئن طالتْ بباريسَ غُربتي
وآنستُ فيها كلَّ ما كنتُ هاويا
لأعلمُ أني في العراقِ مضيعٌ
ومغتبطٌ أنَّ للعراقِ مآليا
يكتب الصكار الشعر الحديث كما يكتب الشعر العمودي، وميزته في الاثنين أن صوت الذات هو الأعلى، فقد مر بتجارب مريرة حياتيا وعمليا فكان الشعر متنفسا وموقفا، هو شاعر من شعراء الحداثة عندما ارتبطت القصيدة عنده بموقف تجديدي من الحياة ومن الفكر فجعل الشعر نافذة متسعة على الفن، ومن يقرأ اشعاره يجد أنها لوحات فنية، وأنها كثافة تصميمية، ورؤية تشكيلية.
يكتب الصكار إلى جوار الشعر والعمل بالفن التشكيلي والخط، المسرحية أيضاً، وله فيها أعمال، فهو لم يكن كاتبا فقط بل كان ممثلا، وشهدت منصات المدارس في البصرة الصكار ممثلا إلى جوار توفيق البصري وغيره، ويكتب القصة القصيرة وله فيها مجموعة قصصية، والخاطرة والحواريات وله فيها باع في تحويل المواقف المفارقة إلى شعر، عن أشخاص وحالات ومواقف طريفة عدة.
ولد الصكار عام 1934 في بلدة المقدادية شرقي بغداد، وهو مقيم في فرنسا منذ عام 1978 ويعمل بها مديراً لمنشورات الصكَار، ومتفرغاً لعمله الفني في مرسمه، ومارس العمل الصحفي تحريراً وتصميماً وخطاً منذ 1955، كما أسس وأدار أربعة مكاتب للإعلان في البصرة وبغداد وباريس، وشارك في العديد من الندوات الشعرية والمؤتمرات الأدبية والفنية في العراق وخارجه، ونشر الكثير من المقالات في النقد الأدبي والمسرحي والسينمائي، قدم استشارات خطية وزخرفية لعدد من المؤسسات والمكاتب المعمارية في بلدان مختلفة، وله دواوين شعرية مثل أمطار 1962، وبرتقالة في سَوْرة الماء 1968، ومجموعة شعرية باللغة الفرنسية 1995، وله مؤلفين هما الخط العربي للناشئة، وأيام عبدالحق البغدادي، وحصل على جائزة وزارة الإعلام العراقية لتصميم أحسن غلاف 1972، وجائزة دار التراث المعماري لتصميم جداريات بوابة مكة 1988، وترجمت بعض قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والدنماركية والبلغارية.
ويتحدث الكاتب خالد القشطيني، عن الصكار، في مقال له، بجريدة "الشرق الأوسط" إن الصكار له لسان لاذع بارع، احسده عليه بصورة خاصة، فبينما فشلت في معالجة من يسيئون إلى مقالاتي وكتبي، استطاع هو أن يسخّر قريحته الشاعرية لتمزيق أوصالهم بكلماته، ووقع في الفخ الزميل مصطفى الزين في صفحة التراث، عندما تجرّأ على تغيير عنوان قصة له، فانبرى له الصكار برسالة قال فيها:
زميلكم مصطفى أساء لنا وما أسأنا له بحرف، وحوّل عنوان قصتي عبثا، فإن نشرتم عذرا بصفحته نقبله منكم، وإن تمادى الفتى بفعلته فليس بـ"المصطفى" ولا "الزين"، لكن ما تلقاه مصطفى الزين، أكثر حظاً من الزميل الآخر مسؤول صفحة التراث، الذي أساء في إخراج قصته، حيث قال الصكار فيه:
يا صاحبي يا مخرج التراثِ
أخرجت موضوعي بلا اكتراثِ
فأيُّنا أحق بالمراثي
مقالتي أم جهلك الوراثي؟
توفي الصكار اليوم، الاثنين 24 آذار 2014، في باريس بعد تدهور حالته الصحية ورقوده في أحد المستشفيات الباريسية، تاركاً للناس تاريخاً من الفن التشكيلي والشعر والقصة والخط، مخلداً أسمه واحداً من أهم الأسماء الفنية في العالم العربي والعالم.
رحيل محمد سعيد الصكار.. شاعر القصبة وعاشق الحرف
عبدالجبار العتابي
بغداد: نعت الاوساط الثقافية والفنية العراقية شيخ الخطاطين العراقيين والشاعر محمد سعيد الصكار الذي فارق الحياة في محل اقامته في العاصمة الفرنسية باريس بعد اسبوع من التكريم الكبير الذي اقامه له معهد العالم العربي في باريس.
اعلن في العاصمة الفرنسية باريس عن رحيل الشاعر والخطاط العراقي محمد سعيد الصكار عن عمر ناهز الثمانين عاما امضى سنوات طويلة منها في الغربة القسرية قبل ان يستقر في فرنسا التي احتضنته لمدة 36 عاما، وكان المرض هو السبب في وفاته بعد ان عانى خلال المدة الماضية منه، وكان معهد العالم العربي في باريس قد كرمه يوم الأحد الماضي 16 اذار / مارس وقد حضر على الرغم من آلامه وتحذيرات أطبائه من صعوبة ترك مشفاه الباريسي، على كرسيه المتحرك وهو يردد الجملة الاثيرة الى نفسه والمأثورة عنه: "حبري أسود فلا تطلبوا مني أن أرسم قوس قزح"، في إشارة منه لما جرى للعراق بعد الاحتلال، وبهذا الرحيل يكون الصكار قد اعلن عن غياب قمر عراقي اخر في الغربة.
والراحل مقيم في فرنسا منذ 1978 ويعمل بها مديراً لمنشورات الصكَار, ومتفرغاً لعمله الفني في مرسمه، مارس العمل الصحفي تحريراً وتصميماً وخطاً منذ 1955, كما أسس وأدار أربعة مكاتب للإعلان في البصرة وبغداد وباريس. شارك في العديد من الندوات الشعرية والمؤتمرات الأدبية والفنية في العراق وخارجه، ونشر الكثير من المقالات في النقد الأدبي والمسرحي والسينمائي، وقدم استشارات خطية وزخرفية للعديد من المؤسسات والمكاتب المعمارية في بلدان مختلفة، دواوينه الشعرية هي: أمطار 1962 ـ برتقالة في سَوْرة الماء 1968ــ الأعمال الشعرية, ومجموعة شعرية باللغة الفرنسية 199، ومؤلفاته: الخط العربي للناشئة ـ أيام عبدالحق البغدادي، وحصل على جائزة وزارة الإعلام العراقية لتصميم أحسن غلاف 1972, وجائزة دار التراث المعماري لتصميم جداريات بوابة مكة 1988،وترجمت بعض قصائده إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والدنماركية والبلغارية.
وعلى لسانه يقول في شيء من سيرته الشخصية: في عام 1934 ولدت في المقدادية، وبعد عام او عامين انتقلت الى الخالص حيث كانت مصبغة الوالد هناك في تلك المنطقة، في هذه المصبغة بدأت التحولات الحياتية بالنسبة لي، ذلك إنني تأخرت في دخول المدرسة أربع سنوات ولم أدخلها الا في العاشرة، حيث كانت مدرسة ابتدائية مقابل مصبغة والدي، وكان أبي يتركني لأحرس المصبغة ويذهب لقضاء شؤونه، فأهرب الى المدرسة واسمع ما يتلوه المعلمون واستمع لأحاديثهم جميعاً، وفي أحد مواسم الاشغال الكثيرة التي كانت تحفل بها المصبغة هربت فوراً الى المدرسة، وخلال هذه الفترة حفظت القراءة الخلدونية من الشباك !!، وفي أحد الأيام صفعني والدي لأنني خرجت من الدكان وتسبب ذلك في نكبة عائلية ومالية بقيت طوال الأيام اللاحقة، لكن والدي في الحقيقة كان مربياً جيداً فلم يعاقبني سوى بتلك الصفعة الخفيفة التي مازالت ترن في أذني.
واضاف: وفي عام 1947 انتقلنا من الخالص الى البصرة وبدأت أنثر الفكاهات والنكات في جريدة (أبو نواس) و(الخواطر) و(جفجير البلد ) و( الحصون)، وحينما ينشر أسمي في الجريدة أطير فرحاً، وبدأت أكتب القصة ثم كتبت أول قصيدة، وفي الخامس الابتدائي طمحت أن اؤلف كتاباً عن (طرفة بن العبد)، فرحت أجمع الكتب المتعلقة بهذا الموضوع في المكتبة العامة التي كان يديرها المرحوم محيي الدين الرفاعي، حيث كان يعطيني كتباً لا يسمح للغير باقتنائها، وعندما عرف أني مولع بالتأليف أهداني كتباً وقال لي: لمن تقرأ؟، قلت: للمنفلوطي وجرجي زيدان، فقال: خذ هذا الكتاب، وأعطاني رواية أجنبية.
وتابع أيام البصرة في ذاكرتي مشرقة ومثيرة للاهتمام وللحنين وللإنتاج أيضاً، ذلك لان البصرة لي هي مدينة الأوائل وسيدة الأوائل، فيها أول قصيدة وأول قصة وأول فكاهات انشرها، وأول عمل مسرحي وأول تمثيل لي على المسرح، وأول إخراج في المسرح وأول كتابٍ في الصحافة وأول حب وأول اعتقال وأول محاكمة سياسية، فهي سيدة الأوائل..، في البصرة كانت هناك في محلة (سوق الهرج) مكتبة صغيرة مليئة بالكتب التراثية عائدة للشيخ محمد هاشم الجواهري، الذي كان يكتب الأغاني للإذاعة، مررت يوماً بمحمد هاشم وقلت له: أريد ان تسعفني بكتاب يعلمني الشعر !!، قال لي: ليس هناك كتب تعلم الشعر، قلت: فكيف يكون الإنسان شاعراً بدون ان يتعلم؟، قال لي: عليك ان تحفظ العديد من القصائد، قلت: كم قصيدة؟، قال: الكثير، أيام كان يوزع في العراق تقويم يكتب فيه وراء كل صفحة حكمة او بيت شعر، فقلت كم أحفظ من الشعر، فقال: (5000) بيت من الشعر، ولم يصدمني كلامه، واشتريت دفتراً سجلت فيه ما أحفظ، وكتبت قصيدتي الأولى قبل ان أصل الى حفظ (5000) بيت.
يذكر ان الراحل الصكار عاش في مدن عديدة ففي عام 1957 كان لاجئا سياسيا في العاصمة السورية دمشق التي يتذكر بكل حب حيث عمل هناك كمعلم في حارة اسمها قرطانية, كما مر بمدن اوروبية وعربية وعراقية، وففي سبعينيات القرن الماضي أطلق الشاعر والفنان العراقي محمد سعيد الصكار مشروعه المثير للجدل " الأبجدية العربية المركزة" وهو أول محاولة لإدخال الحروف العربية في الكتابة الإلكترونية وكسر قيود الحرف العربي وتطويره بما يتلاءم مع معطيات التحديث في الطباعة القائمة على أسس علمية متطورة،وأبجدية الصكار اختصرت وكثّفت عدد الحروف العربية الطباعية معتمدة على جذورها المشتركة. لكن الصكار عانى الكثير على يد النظام العراقي السابق بسبب هذه الابجدية، وهربا من ممارسات النظام العراقي السابق اختار الصكار الهجرة مجبرا وترك العراق لتبدا رحلة الغربة، وحينما جاء الى بغداد عام 2009 احتفى به جمع غفير من مثقفي العراق في بيت المدى للثقافة والفنون في شارع المتنبي.
قال عنه جاك لانغ، رئيس معهد العالم العربي: هذا الرجل استثنائي استطاع أن ينقل لنا الثقافة العراقية والعربية من خلال خطوطه وأشعاره وكتبه التي تجاوزت 14 كتاباً، وهي تزين مكتبة المعهد وورشات العمل التي أراد بها أن ينقل هذه المهنة إلى جيل الشباب.
فيما قال عنه الشاعر اللبناني صلاح ستستيه:إن الصكار أعاد الروح لكتبنا التي اختفت، زينها بخطوطه وأضاف إليها جمالاً آخر ساعدنا على نشر دواويننا وتعرفنا من خلاله إلى ثقافات وكتب كادت تندثر، ونقل إلينا أشعار السياب، وخط لنا أشعار محمود درويش وسميح القاسم، وجميل جداً أن يحتفى به اليوم رغم آلامه ومرضه
-
عودة الى الصفحة الرئيسة