الدكتور حكمت الحلو
منتصف العمر، أو الكهولة، أو خريف العمر، هو المرحلة الواقعة بين الشباب والشيخوخة، هذه المرحلة قد تعني لبعض الناس قمة الحياة العملية وذروة العطاء، وغاية النجاح الشخصي، و حافزاً وتحدياً مهماً لإعادة روح الحياة وتصميمها واسترجاع النشاط بحيث تصبح بحق فترة إحساس بالكيان وتحقيق للأهداف والغايات، وهي بالنسبة لغير هؤلاء جرسٌ يذكر بقرب الشيخوخة والهرم وفقدان كل آمال الشباب، فهناك من بلغوا الخمسينات أو ممن يصغرونهم بكثير تبدو عليهم مظاهر الكبر مبكراً ويتصرفون بشئ من الجمود الذي يتصف به بعض كبار السن . والواقع ان التغيرات البدنية التي تحدث اثناء مرحلة الكهولة هي نتاج لماكنة العمر التي تتقدم باتجاه الزيادة على الدوام بمعنى انها عملية متصلة تستمر طول الحياة ، وهذا التقدم في العمر أمر لا يبدأ في منتصف العمر وإن كنا نشعر به أول الامر في هذه المرحلة ، وعلى ذلك فنحن نبالغ في وصفه وتقديره ، فالعظام تفقد بعض محتوياتها من الكالسيوم وتصبح اكثر قابلية للكسر ، والغضاريف بين فقرات العمود الفقري تصبح أرق مما يسبب بعض الانحناء في الظهر ، ويفقد الجلد نضارته ومرونته ، وتبدأ التجاعيد في الظهور ، ويغزو الشيب شعر الرأس وقد يخف الشعر وربما يصله الصلع الذي يبدأ عادة بين 20 – 30 سنة وينتهي في الخامسة والاربعين ، ويضعف السمع والبصر بعض الشئ ولكن لا يظهرأثر الضعف تماماً إلا في الستينات أو حتى بعد ذلك ، وإذا لم تكن الاسنان موضع عناية فإن الانسان يفقدها في هذه المرحلة، مما يجعل الوجه منكمشاً، وهذا العيب لا تتغلب عليه الاسنان الاصطناعية كلية ، ويصبح الجسم أكثر تعرضاً للأمراض والآلام العامة . ومن حسن الحظ أن نقص كفاءة الجسم تتغير بدرجة هائلة من شخص لآخر ، فمن الناس من يبدو عليهم الهرم قبل الأوان بوقت طويل ، ومنهم من يحتفظ بنضرة الشباب الى مرحلة متأخرة من العمر ، ولسنا نعرف السبب في ذلك وإن كنا نعرف أن العناية بالصحة ونظام الاكل والرياضة كلها تساعد على الحد من آثار الشيخوخة ، ولكنها لا تضمن الشباب الى الابد . والناس يتصرفون حيال أحداث الحياة وهم في منتصف العمر بصورة شخصية بحتة ، فما أراه أنا همّاً ثقيلاً قد تراه انت تحدياً يحفزك على العمل ، ومن الناس من تؤهلهم معتقداتهم واتجاهاتهم للتغلب على مشاكل قد تؤدي الى نقل غيرهم الى مستشفيات العلاج النفساني ، فخريف العمر هو في الواقع الوقت الذي يرى فيه الانسان نفسه على حقيقتها ، ويتمكن من إستغلال عناصر قوته ومعالجة مواطن ضعفه بصورة بالغة الأهمية بالنسبة لمستقبله ، فإ ذا تزعزعت ثقة الانسان في نفسه وداخلته الشكوك والوساوس ، ودهمته أعراض تقدم السن ، فإنه سيواجه عادة ما يسمى بأزمة ( منتصف العمر) ومن ناحية أُخرى فهذه الفترة بالنسبة للبعض هي أخصب فترات الحياة إنتاجاً ، فهي الفترة التي تطلق يد الانسان وتعطيه حرية تغيير نمط حياته إن شاء . اما بالنسبة للنساء فإن ربة البيت في هذه المرحلة تتمتع بقسط أكبر من الحرية ، وتتخلص من جزء كبير من عبء تربية الصغار الذين يكونون قد تعدوا مرحلة الطفولة ، وقد تبدأ لنفسها حياة عمل جديدة أودراسة أو عمل إجتماعي ، رغم أن مطالب الاسرة تزداد بدورها في هذه الفترة ، فمطالب الاولاد والبيت والمأكل والملبس والحياة كلها تثقل وترهق دخل الأسرة . وفي هذه المرحلة تطرأ تغيرات معينة على القدرات العقلية ، وعلى الشخصية مما يستتبع أن تقل القدرة والسرعة التي نستوعب بها المعلومات والمهارات الجديدة ، وتتأثر الذاكرة الى حد ما وإن كان الاثر طفيفا ، ومع ذلك فإن الذكاء لا يتأثر إلا بدرجة ضئيلة لأن الشطر الأكبر مما نعتبره ذكاءاً ينطوي على مهارات ومعلومات إكتسبناها من سنين سابقة ولا يتأثر من هذه الا القليل في أواخر العمر ، وقلما نلحظ القسط الضئيل الذي نفقده من قدرتنا على التعلم لأن الخبرة والتكيف الذي تعلمناه من قبل يعيننا على مواجهة التحديات الجديدة . أما الصفات التي تحدد كنه الكهل وكيانه فإنها لا تتأثر الا قليلا بما نصادفه من حياتنا اليومية ، فصلابتنا وصمودنا تجاه ما نصادف في الحياة وتجاه الآخرين ، وتحفظنا وخجلنا ، وحساسيتنا وشعورنا بوجوب مراعاة الاصول الاجتماعية هي أمثلة لتلك الصفات ، وهذه تتغير قليلاً ونحن نمر بمرحلة خريف العمر ، والمحتمل أن يصبح الرجال والنساء أقل تعنتاً وأكثر تحفظاً وانطواءاً على النفس وأكثر إمتثالاً لمتطلبات المجتمع كلما تقدمت بهم السن . وفضلا عن ذلك فإن خريف العمر يتبعه زيادة مؤقتة في الحساسية العاطفية والقلق الذي يبلغ ذروته في منتصف الاربعينات عند النساء ، وبعد ذلك بسنوات عند الرجال ، ورغم أن الذكور أكثر ميلاً للإتصال بالناس في مرحلة الشباب من الاناث على وجه العموم إلا أن الجنسين يتساويان في ذلك عند بلوغ منتصف الاربعينات كذلك فإن النساء يصبحن أكثر ميلاً للإختلاط من الرجال في السن المتقدمة ، ومما يلاحظ في هذه المرحلة أيضاً أن الرجل والمرأة يصبحان أكثر تسامحاً عندما تتقدم بهم السن وربما يصبح البعض منهم أضيق صدراً عندما تتقدم بهم السن أكثر من ذلك .
ويختلف موقف النساء عن موقف الرجال قليلاً عند بلوغ منتصف العمر حيال الصحة العامة فتنشغل المرأة اكثر من في صحتها البدنية كما انها تبذل قدراً أكبر من الالتفات والاهتمام بوزنها ، فالمعروف ان النساء والرجال يزيد وزنهم في هذه المرحلة من العمر، الا ان المرأة يبقى يراودها الشعور بالاحتفاظ بقوام رشيق، فيما يسمح للرجل بالوصول الى أي وزن يشاء، فضلاً عن أن ملابس الرجال لا تظهر عيوب أجسامهم بالقدر الذي تظهره ملابس النساء، ولهذا فمن السهولة ملاحظة أية زيادة تطرأ على وزن المرأة ، فيزداد احساسها بالهم إذا زاد وزنها ولا يعني ذلك ان وزن النساء يزيد بدرجة اكبر من وزن الرجال فهذا غير صحيح، ومن هنا نجد أن وسائل الإعلام توجه إهتماماً أكبر الى الحديث عن وسائل مكافحة زيادة الوزن عند النساء أكثر من تركيزها على الرجال .
أما من الناحية النفسية فيسمي بعض المهتمين بشؤون مرحلة الكهولة بأزمة منتصف العمر لأن هذه الازمة تبدأ بشعور من خيبة الامل تجاه مهمة الانسان في الحياة، فالانسان يسائل نفسه " ترى فيما قضيت سني عمري الاخيرة ؟ وما كان هدفي ؟ " ويشعر أنه قد وصل نقطة لا رجعة فيها فيشعر بالاحباط والفشل حتى وإن كان هذا الشعور خاطئاً فليس في الماضي غير حطام لفرص ضاعت، وليس في المستقبل أمل، وليس فيه غير الخوف والقلق من المجهول، وإحتمال التدهور البدني والعقلي، وهذا الموقف قد يصل اليه الكهل عندما تزداد أعباء العمل والاسرة وتزداد المشكلات المالية . وقد يصبح الموقف خطيراً إذا لم يتغير بعلاج أو بقرار ذاتي وذلك بمقاومة القنوط والتغلب على الموقف، فالشعور بهذا الخواء المقبض كلما ازداد كلما تأثرت به نواحٍ أخرى من حياة الفرد واصبحت حياته فارغة لا معنى لها. وتتفاوت ازمات مرحلة الكهولة النفسية بدرجات كبيرة بين افراد هذه الفئة فهناك من يفقد احترامه او ثقته بنفسه بسبب هموم المرض او الضغط المالي او فقدان الوظيفة بسبب التقاعد او بغيره او ترك الاولاد للبيت بعد الزواج و.. كل هذه الامور ليست مرهونة بوقت محدد، وهي ليست الاسباب الحقيقية لأزمة منتصف العمر ، ولكن اسبابها في أن قدرة الانسان على إعادة التفكير في تقييم حياته تقل نوعاً ما في منتصف العمر كما ان الاحداث التي تتسبب في الازمة تقع عادة في هذه المرحلة وما بعدها .
وعلى الرغم من من ظهور حالة إنقباض نفسي مؤقت لدى الكثير من الكهول ومن كلا الجنسين ، إلا أن هذه الحالة يتبعها عادة فترة من النضوج النفسي والتكامل في الشخصية ، وقد يحدث العكس مما يستدعي زيارة المعالج النفساني ، او ببحث الحالة مع الشريك (الزوج أو الزوجة) أو مع صديق يكون قد مر بتلك التجربة ، وهدف هذا النوع من العلاج هو توسيع دائرة إهتمامات الفرد وإتصالاته الاجتماعية ، وتوجيه نظر المريض الى خارج نفسه بعيداً عن المشكلة التي يواجهها .
للعودة إلى الصفحة الرئيسة