تشـامـــــــــــــــــبان
الدكتور حكمت الحلو
مقدمة هيئة التحرير: الموضوعات التي تتناولها أدبيات الباراسايكولوجي حمالة اوجه، وهي تثير الذهن وتفرض التعامل معها بحسب قواعد المنهج العلمي النقدي، بحثا عن تفسير علمي لما تتضمنه... ويسرنا أن نضع بين أيدي قراء بيت الموصل ضمن هذا المجال المقال التالي الذي تحدث فيه الدكتور حكمت الحلو عن قصة غريبة متداولة عرضها باسلوب ممتع ونص ادبي رفيع.ـ
تشامبان رجل إنجليزي من قرية تدعى (سوافهام) يملك دكانا صغيرا قرب بيته، إستيقظ ذات صباح من نومه وأخبر زوجته (جيني) بأنه رأى في منامه من طلب أليه أن يذهب الى جسر لندن من جهة البرج، وينتظر هناك، وسوف يعود بثروة طائلة لا يتخيلها، ورغم أن تشامبان كان سعيدا ومتفائلا وهو يحكي لزوجته أحداث هذا الحلم، إلا أنه لم يكن يمتلك الدافع الكافي للذهاب الى لندن التي تبعد عن قريته سوافهام قرابة 300كم، لكنه عندما وجد أسارير وجه زوجته قد إنفرجت وتهللت سألها: ما رأيك يا جيني؟ فأجابته على الفور: فلتذهب يا تشامبان فلعل المعجزة تحصل ويتحقق هذا الحلم، إذهب يا عزيزي، إذهب؛ وتناول تشامبان فطوره بسرعة وودع الزوجة المتفائلة على عجل قاصدا جسر لندن.ـ
ولم يكن لديه أي عمل آخر يتطلب إنجازه في لندن فلقد كان الهدف واحدا ومحددا في ذهنه، أن يذهب الى الجسر ويتجول بين الناس والمقاعد، كان متفائلا وعيونه تتنقل بين الناس والأشياء وكأنه ينتظر من يقول له: أين أنت يا تشامبان، لقد انتظرتك طويلا ؟ لكن ذلك لم يحصل وبدأ ضوء النهار يهرب معلنا إنتهاءه ، فما كان منه الا أن يغادر المكان متوجها الى محطة القطار القريبة ليعود الى بيته والى زوجته جيني التي إستقبلته بفتور وكأنه قد إرتكب خطأً أو فرط في أمر ما .ـ
في الليلة التالية جاءه نفس النداء ولكن بوقع أبلغ وبتأكيد أشد أن : يا تشامبان عليك العودة الى الجسر فإنها ثروة طائلة تستحق منك الصبر والتحمل ، خذ الأمر بجدية واهتمام ، فلقد واتتك الفرصة وعليك أن لا تضيعها ، إياك إياك أن تفرط في هذا الامر يا تشامبان؛ وهبّ الرجل مذعورا من نومه وراح يقص على زوجته هذا الحلم بارتباك وحيرة ، فراحت جيني تهدئه وتخفف من روعه وهي تقول له : أرأيت يا تشامبان ؟ إن وراء حلمك هذا سراً بالتأكيد ، فالذي تقوله ما هو إلا نداء يعني شيئا ما ، فقال لها وهو مايزال في حيرته وارتباكه : ماذا تعنين يا جيني؟ أنا أقول يا تشامبان إن عليك الإمتثال لهذا النداء ومعاودة الذهاب الى الجسر حتى وإن إستقرضت ثمن التذكرة من الآخرين ، إنني أتكهن بإمر ما يا رجل ، أستحلفك يا تشامبان أن تذهب ، هيا تهيأ وسأعدُ لك الفطور ، هيا .ـ
وصل تشامبان الى الجسر وكأنه على موعد مع من ينتظره ، وراح يجول بناظريه في المكان مستطلعا ومدققا في كل شئ ، نظرات الناس وحركاتهم ، والأشخاص الذين كانوا يجالسونه لفترة قصيرة على المقعد الذي كان يستريح عليه ، وعقله منشغل بالحلم وتفاصيله ، لكن شيئا غريبا لم يحدث وإنقضى النهار دون أي أمر يثير فضوله ، أو يمكّنه من أن يربط بينه وبين حلمه ؛ ثم عاد كما في اليوم السابق خائبا يائسا ، حانقا على زوجته العجوز التي لا يدري لماذا يستجيب لرغبتها رغم أن الأمر واضح ، فهو مجرد أضغاث تحدث للكثير من الناس أثناء النوم فلماذا يستجيب لإلحاحها وهي تدفعه كل صباح للذهاب الى الجسر اللعين؟ وشعرت جيني بإحباط زوجها ويأسه لذلك فإنها لم تناقشه كثيرا وحاولت تهدئته وطلبت منه أن ينسى الأمر تماما ، فقد تكون كوابيساً، أو أضغاث أحلام كما قال عنها تشامبان ، فلماذا تطلب منه المجهول واللامعقول ؟ .
وكانت الليلة الثالثة ، وإذا بالمنادي يقول له : أرجوك يا تشامبان أن تمتثل لما سأقوله لك ، إنني إعرف أنك محبط ، ولم تعد تصدقني ، ولكنها ثروة خيالية بين يديك ، إذهب الى الجسر وسيأتيك من يقول لك أين هي ، ألا تستحق هذه الثروة منك بعض التضحية يا تشامبان ؟ إنك لغريب الأطوار حقا ، عليك أن تذهب ، إلا إذا كنت معتوها أو غبيا ولا يهمك أمر هذه الثروة الطائلة ، جرّب وإذهب يا تشامبان فإن الثروة أقرب إليك مما تتصور ، وستندم وتموت حزنا لو أنها وقعت بيد غيرك ، أنقل لجيني ما تسمعه مني فلعلها تشجعك على ذلك ، إنها طموحة أكثر منك هيا هيا ولا تضيع الفرصة فقد لا أعود إليك بعد الآن ولك أن تختار .ـ
وهبّ الرجل من نومه وهو في فزع شديد وحكى لزوجته الحلم بتفاصيله، لكن جيني لم تعلق على أية كلمة قالها بل كانت تمسح جبينه المتفصد عرقا ، وتدلك كفيه المثلجتين ، وهو يروي لها تفاصيل ما شاهده حتى إنتهى، فطلبت منه المكوث في فراشه ريثما تأتيه بنقيع دافء يساعده على الهدوء ، ويبعد عنه الذهول والإنفعال .
قال لها : ما بالك يا جيني ؟ لم تقولي شيئا منذ أن إستيقظت ولحد الآن ، لم أسمع منك تعليقا أو رأيا ، فبم تفكرين ؟
قالت له : لاشئ البتة بل ستقولين وأريد منك رأيا واضحا في هذا الشأن وهل ستقبل مني رأيي لو سمعته يا تشامبان حتى وإن لم يعجبك ؟
أجل ، فأنا أريد حلا لهذه الأحلام المزعجة التي تقلقني وتسرق مني هدأتي وراحتي. وأنا أتفق معك وسأساعدك لو أنك قبلت لي شرطي
ماهو يا جيني ؟ هيا قولي .ـ
أريد منك أن تذهب هذا الصباح وللمرة الأخيرة الى الجسر ، وبعدها سأعد لك خطة تخلصك من هذه الأحلام .ـ
كيف؟ لن أقول لك ، هل تلبي طلبي بالذهاب اليوم يا تشامبان ؟ إن لدي إحساسا شديدا وحدسا قويا بأن شيئا ما سيحدث هذا اليوم ، هيا إنهض يا تشامبان وإذهب ، وإن عدت كاليومين السابقين فسأعتذر لك وبما يخفف عنك وطأة ما تحملته مني ، أرجوك أن تذهب يا تشامبان .ـ
وهب الرجل من فراشه وراح يرتدي ملابسه وهي تلاطفه وتطلب منه أن يغادرها بإبتسامة ملؤها التفاؤل والأمل
وصل تشامبان جسر لندن فأحس بالنسمات الرطبة الباردة القادمة من نهر التايمس تتسلل الى عظامه فأغلق آخر زر في معطفه وقلب ياقته لتدفئ أذنيه ورقبته ، ثم أسدل أطراف قبعته ودس كفيه الباردتين في جيبي المعطف ، وفي لحظة ما إنتبه الى الصوت الذي كان يأتيه كل ليلة ، إنتبه إليه وهو يقول له : أحسنت يا تشامبان ، إن الثروة خلفك تماما ، والتفت من فوره فلم يجد سوى رجل يجلس على أحد المصاطب الخشبية وبيده صحيفة يقرؤها ، وأجال نظره في كل الإتجاهات لكنه لم يرَ ما يثير الفضول أو الإنتباه ، فقرر أن يجلس الى جوار الرجل على الطرف الثاني من المصطبة لكي لا يبتعد عن المكان الذي جاء منه النداء وهو يقول له إن الثروة خلفك تماما ، وما أن جلس حتى أحكم غلق أذنيه بضغط ياقة المعطف على أذنيه فلعل الصوت يأتيه ثانية ، لقد أدرك تشامبان أن هناك أمرا ما يجري من حوله وأن الأمر فيه سر وليس أحلاما زائفة كما كان يتصور ، لكنه لم يلحظ مايريبه ، فكل شئ هادئ تماما.ــ
التفت الى الرجل الذي يجالسه المصطبة فوجده مشغولا بقراءة الصحيفة وعلى وجهه بعض إبتسامة ، وكأنما قد علم الرجل بأن تشامبان ينظر اليه ، فالتقت نظراتهما، وإبتدر الرجل تشامبان وهو يشير الى صورة في الصحيفة : تصور أنه ما زال بعض الناس يؤمنون بالأعمال الخارقة ، والأحلام الصادقة ، والتنبؤ وغير ذلك من الخرافات التي لا يقرها عقل ولا منطق .ـ
فقال تشامبان وأنت ألا تصدقها ؟ فأجاب الرجل بثقة وهدوء : بالطبع لا ، تصور أنني ومنذ ثلاث ليال يأتيني هاتف في نومي فيقول لي: إذهب يا جاك الى قرية سوافهام وإسأل عن بقال إسمه تشمبن أو تشامبان ( لست متأكدا من إسمه تماما) واخبره أن شجرة الجميز الكبيرة في حديقة منزله مدفون تحتها كميات هائلة من السبائك الذهبية التي خلفها الجيش الروماني منذ مئات السنين ، ورغم ذلك فإنني لا يمكن أن أكون ساذجا أو أحمقا لكي أصدق الحلم ، وأذهب مسافة 300 كم لأخبرهذا الرجل المغفل بأمر غير مؤكد وكان الرجل يتكلم لكن رعدة شديدة هزت كيان تشامبان، وحاول أن يضبط أعصابه وهو يسأله : ماذا قلت يا سيدي ؟ ما إسم هذا الشخص وما إسم قريته؟
أظنه تشمبن أو تشامبان ، أما قريته فهي سوافهام كما أعتقد ؟ هل تعرفها ؟ وهل تتطوع بالذهاب اليه لتخبره بهذا الحلم المضحك ؟ وانتبه الرجل ليجد أن تشامبان الذي لا يعرف إسمه أو أي شئ عنه قد سقط مغشيا عليه .ـ
كان تشامبان رجلا طيبا الى حد كبير فقد إستخرج هذه الثروة وأنفق جزءا كبيرا منها على فقراء القرية ، وأنشأ مشاريع خيرية مفيدة ، ومن يسأل عن سوافهام الآن فإنه قد يصعب عليه أن يجد من يجيبه لأن مواطني قريته قرروا تسميتها ( قرية تشامبان) وتخليدا لذكراه أقاموا له نصبا وتمثالافي مكان شجرة الجميز الخالدة .ـ
للرجوع الى الصفحة الاولى
الدكتور حكمت الحلو
مقدمة هيئة التحرير: الموضوعات التي تتناولها أدبيات الباراسايكولوجي حمالة اوجه، وهي تثير الذهن وتفرض التعامل معها بحسب قواعد المنهج العلمي النقدي، بحثا عن تفسير علمي لما تتضمنه... ويسرنا أن نضع بين أيدي قراء بيت الموصل ضمن هذا المجال المقال التالي الذي تحدث فيه الدكتور حكمت الحلو عن قصة غريبة متداولة عرضها باسلوب ممتع ونص ادبي رفيع.ـ
تشامبان رجل إنجليزي من قرية تدعى (سوافهام) يملك دكانا صغيرا قرب بيته، إستيقظ ذات صباح من نومه وأخبر زوجته (جيني) بأنه رأى في منامه من طلب أليه أن يذهب الى جسر لندن من جهة البرج، وينتظر هناك، وسوف يعود بثروة طائلة لا يتخيلها، ورغم أن تشامبان كان سعيدا ومتفائلا وهو يحكي لزوجته أحداث هذا الحلم، إلا أنه لم يكن يمتلك الدافع الكافي للذهاب الى لندن التي تبعد عن قريته سوافهام قرابة 300كم، لكنه عندما وجد أسارير وجه زوجته قد إنفرجت وتهللت سألها: ما رأيك يا جيني؟ فأجابته على الفور: فلتذهب يا تشامبان فلعل المعجزة تحصل ويتحقق هذا الحلم، إذهب يا عزيزي، إذهب؛ وتناول تشامبان فطوره بسرعة وودع الزوجة المتفائلة على عجل قاصدا جسر لندن.ـ
ولم يكن لديه أي عمل آخر يتطلب إنجازه في لندن فلقد كان الهدف واحدا ومحددا في ذهنه، أن يذهب الى الجسر ويتجول بين الناس والمقاعد، كان متفائلا وعيونه تتنقل بين الناس والأشياء وكأنه ينتظر من يقول له: أين أنت يا تشامبان، لقد انتظرتك طويلا ؟ لكن ذلك لم يحصل وبدأ ضوء النهار يهرب معلنا إنتهاءه ، فما كان منه الا أن يغادر المكان متوجها الى محطة القطار القريبة ليعود الى بيته والى زوجته جيني التي إستقبلته بفتور وكأنه قد إرتكب خطأً أو فرط في أمر ما .ـ
في الليلة التالية جاءه نفس النداء ولكن بوقع أبلغ وبتأكيد أشد أن : يا تشامبان عليك العودة الى الجسر فإنها ثروة طائلة تستحق منك الصبر والتحمل ، خذ الأمر بجدية واهتمام ، فلقد واتتك الفرصة وعليك أن لا تضيعها ، إياك إياك أن تفرط في هذا الامر يا تشامبان؛ وهبّ الرجل مذعورا من نومه وراح يقص على زوجته هذا الحلم بارتباك وحيرة ، فراحت جيني تهدئه وتخفف من روعه وهي تقول له : أرأيت يا تشامبان ؟ إن وراء حلمك هذا سراً بالتأكيد ، فالذي تقوله ما هو إلا نداء يعني شيئا ما ، فقال لها وهو مايزال في حيرته وارتباكه : ماذا تعنين يا جيني؟ أنا أقول يا تشامبان إن عليك الإمتثال لهذا النداء ومعاودة الذهاب الى الجسر حتى وإن إستقرضت ثمن التذكرة من الآخرين ، إنني أتكهن بإمر ما يا رجل ، أستحلفك يا تشامبان أن تذهب ، هيا تهيأ وسأعدُ لك الفطور ، هيا .ـ
وصل تشامبان الى الجسر وكأنه على موعد مع من ينتظره ، وراح يجول بناظريه في المكان مستطلعا ومدققا في كل شئ ، نظرات الناس وحركاتهم ، والأشخاص الذين كانوا يجالسونه لفترة قصيرة على المقعد الذي كان يستريح عليه ، وعقله منشغل بالحلم وتفاصيله ، لكن شيئا غريبا لم يحدث وإنقضى النهار دون أي أمر يثير فضوله ، أو يمكّنه من أن يربط بينه وبين حلمه ؛ ثم عاد كما في اليوم السابق خائبا يائسا ، حانقا على زوجته العجوز التي لا يدري لماذا يستجيب لرغبتها رغم أن الأمر واضح ، فهو مجرد أضغاث تحدث للكثير من الناس أثناء النوم فلماذا يستجيب لإلحاحها وهي تدفعه كل صباح للذهاب الى الجسر اللعين؟ وشعرت جيني بإحباط زوجها ويأسه لذلك فإنها لم تناقشه كثيرا وحاولت تهدئته وطلبت منه أن ينسى الأمر تماما ، فقد تكون كوابيساً، أو أضغاث أحلام كما قال عنها تشامبان ، فلماذا تطلب منه المجهول واللامعقول ؟ .
وكانت الليلة الثالثة ، وإذا بالمنادي يقول له : أرجوك يا تشامبان أن تمتثل لما سأقوله لك ، إنني إعرف أنك محبط ، ولم تعد تصدقني ، ولكنها ثروة خيالية بين يديك ، إذهب الى الجسر وسيأتيك من يقول لك أين هي ، ألا تستحق هذه الثروة منك بعض التضحية يا تشامبان ؟ إنك لغريب الأطوار حقا ، عليك أن تذهب ، إلا إذا كنت معتوها أو غبيا ولا يهمك أمر هذه الثروة الطائلة ، جرّب وإذهب يا تشامبان فإن الثروة أقرب إليك مما تتصور ، وستندم وتموت حزنا لو أنها وقعت بيد غيرك ، أنقل لجيني ما تسمعه مني فلعلها تشجعك على ذلك ، إنها طموحة أكثر منك هيا هيا ولا تضيع الفرصة فقد لا أعود إليك بعد الآن ولك أن تختار .ـ
وهبّ الرجل من نومه وهو في فزع شديد وحكى لزوجته الحلم بتفاصيله، لكن جيني لم تعلق على أية كلمة قالها بل كانت تمسح جبينه المتفصد عرقا ، وتدلك كفيه المثلجتين ، وهو يروي لها تفاصيل ما شاهده حتى إنتهى، فطلبت منه المكوث في فراشه ريثما تأتيه بنقيع دافء يساعده على الهدوء ، ويبعد عنه الذهول والإنفعال .
قال لها : ما بالك يا جيني ؟ لم تقولي شيئا منذ أن إستيقظت ولحد الآن ، لم أسمع منك تعليقا أو رأيا ، فبم تفكرين ؟
قالت له : لاشئ البتة بل ستقولين وأريد منك رأيا واضحا في هذا الشأن وهل ستقبل مني رأيي لو سمعته يا تشامبان حتى وإن لم يعجبك ؟
أجل ، فأنا أريد حلا لهذه الأحلام المزعجة التي تقلقني وتسرق مني هدأتي وراحتي. وأنا أتفق معك وسأساعدك لو أنك قبلت لي شرطي
ماهو يا جيني ؟ هيا قولي .ـ
أريد منك أن تذهب هذا الصباح وللمرة الأخيرة الى الجسر ، وبعدها سأعد لك خطة تخلصك من هذه الأحلام .ـ
كيف؟ لن أقول لك ، هل تلبي طلبي بالذهاب اليوم يا تشامبان ؟ إن لدي إحساسا شديدا وحدسا قويا بأن شيئا ما سيحدث هذا اليوم ، هيا إنهض يا تشامبان وإذهب ، وإن عدت كاليومين السابقين فسأعتذر لك وبما يخفف عنك وطأة ما تحملته مني ، أرجوك أن تذهب يا تشامبان .ـ
وهب الرجل من فراشه وراح يرتدي ملابسه وهي تلاطفه وتطلب منه أن يغادرها بإبتسامة ملؤها التفاؤل والأمل
وصل تشامبان جسر لندن فأحس بالنسمات الرطبة الباردة القادمة من نهر التايمس تتسلل الى عظامه فأغلق آخر زر في معطفه وقلب ياقته لتدفئ أذنيه ورقبته ، ثم أسدل أطراف قبعته ودس كفيه الباردتين في جيبي المعطف ، وفي لحظة ما إنتبه الى الصوت الذي كان يأتيه كل ليلة ، إنتبه إليه وهو يقول له : أحسنت يا تشامبان ، إن الثروة خلفك تماما ، والتفت من فوره فلم يجد سوى رجل يجلس على أحد المصاطب الخشبية وبيده صحيفة يقرؤها ، وأجال نظره في كل الإتجاهات لكنه لم يرَ ما يثير الفضول أو الإنتباه ، فقرر أن يجلس الى جوار الرجل على الطرف الثاني من المصطبة لكي لا يبتعد عن المكان الذي جاء منه النداء وهو يقول له إن الثروة خلفك تماما ، وما أن جلس حتى أحكم غلق أذنيه بضغط ياقة المعطف على أذنيه فلعل الصوت يأتيه ثانية ، لقد أدرك تشامبان أن هناك أمرا ما يجري من حوله وأن الأمر فيه سر وليس أحلاما زائفة كما كان يتصور ، لكنه لم يلحظ مايريبه ، فكل شئ هادئ تماما.ــ
التفت الى الرجل الذي يجالسه المصطبة فوجده مشغولا بقراءة الصحيفة وعلى وجهه بعض إبتسامة ، وكأنما قد علم الرجل بأن تشامبان ينظر اليه ، فالتقت نظراتهما، وإبتدر الرجل تشامبان وهو يشير الى صورة في الصحيفة : تصور أنه ما زال بعض الناس يؤمنون بالأعمال الخارقة ، والأحلام الصادقة ، والتنبؤ وغير ذلك من الخرافات التي لا يقرها عقل ولا منطق .ـ
فقال تشامبان وأنت ألا تصدقها ؟ فأجاب الرجل بثقة وهدوء : بالطبع لا ، تصور أنني ومنذ ثلاث ليال يأتيني هاتف في نومي فيقول لي: إذهب يا جاك الى قرية سوافهام وإسأل عن بقال إسمه تشمبن أو تشامبان ( لست متأكدا من إسمه تماما) واخبره أن شجرة الجميز الكبيرة في حديقة منزله مدفون تحتها كميات هائلة من السبائك الذهبية التي خلفها الجيش الروماني منذ مئات السنين ، ورغم ذلك فإنني لا يمكن أن أكون ساذجا أو أحمقا لكي أصدق الحلم ، وأذهب مسافة 300 كم لأخبرهذا الرجل المغفل بأمر غير مؤكد وكان الرجل يتكلم لكن رعدة شديدة هزت كيان تشامبان، وحاول أن يضبط أعصابه وهو يسأله : ماذا قلت يا سيدي ؟ ما إسم هذا الشخص وما إسم قريته؟
أظنه تشمبن أو تشامبان ، أما قريته فهي سوافهام كما أعتقد ؟ هل تعرفها ؟ وهل تتطوع بالذهاب اليه لتخبره بهذا الحلم المضحك ؟ وانتبه الرجل ليجد أن تشامبان الذي لا يعرف إسمه أو أي شئ عنه قد سقط مغشيا عليه .ـ
كان تشامبان رجلا طيبا الى حد كبير فقد إستخرج هذه الثروة وأنفق جزءا كبيرا منها على فقراء القرية ، وأنشأ مشاريع خيرية مفيدة ، ومن يسأل عن سوافهام الآن فإنه قد يصعب عليه أن يجد من يجيبه لأن مواطني قريته قرروا تسميتها ( قرية تشامبان) وتخليدا لذكراه أقاموا له نصبا وتمثالافي مكان شجرة الجميز الخالدة .ـ
للرجوع الى الصفحة الاولى