الدكتور حكمت الحلو
يلذ للبعض من الناس التماحك والتعارض والانتقاد لعلّة نفسية داخلية تدفعهم لذلك ، ومشكلة الكثيرين من هؤلاء أنهم يندفعون بنقدهم حد التجريح والايذاء ، بل العدوانية السافرة في بعض الاحيان ، والسبب في ذلك إفتقادهم لثقافة النقد البنّاء والموضوعي والمجرد من الغرض الشخصي المبني على أساس التقويم والاصلاح ، وما دفعني للكتابة بهذا الخصوص الرسالة التي طالعتها على إحدى صفحات هذا الموقع والتي خلت من اللياقة والمنطق الرصين ، والحجة والبرهان ؛ وإني لألوم هيئة التحرير على نشرها لهذه الرسالة سيما وأنهم قد تحققوا من أن اسم الكاتب وعنوانه وهميان ، مما يعني أنه يبيّت غرضاً ما ولديه نيّة لا أحد يعرفها غيره ، وهذا النفر من الناس يقع في خانة الشخصيات التي ترزح تحت علّة نفسية ومرض سايكوباثي ،همّها الاول هو الكشف عن هنّات الآخرين ونقائصهم سواءٌ كانت حقيقية أو متوَهمة ، والعمل على تضخيمها بوسائل مفضوحة وملتوية من أجل إثبات هذا النقص المزعوم ، وعندما نقول أنها حالة مرضيّة فلأنها ودون وعي من صاحبها تقصد الاستهانة والاستصغار وتحقير الآخر وغمط حقوقه وطمس فضائله والاعتداء عليه بطريقة فظة وساذجة ، وهو سلوك سلبي مفضوح يمارسه الشخص المنتقد مع أصحاب العلم والفضل والابداع في محاولة بائسة منه لإخفاء حسناتهم وفضائلهم .
كذلك فإننا عندما نَسِمُ هذا السلوك بالعدوانية فلأن العدوان المباشر - سواءٌ كان بدنياً أو لفظياً - يعيه الانسان ويدركه ، ويحاول أن يدرأه عن نفسه ، اما أن يقع النقد في غياب الشخص المستهدف بالنقد فهو عدوان غير مباشر ، وهو انتقاص من قيمة الآخرين وثلم لكرامتهم . والمنتقدون هم ضحايا الشعور بالنقص لذلك فإنهم بانتقادهم للآخرين يجدون فرصتهم للدفاع عن أنفسهم في محاولة للتخفيف من ذلك الشعور المؤلم الذي يكتنف حياتهم وذواتهم المقهورة والمأزومة ؛ وهؤلاء النفر من خلق الله متطوعون جندوا أنفسهم لتبخيس الآخرين وإظهار ما يعتقدونه نواقص أو مثالب تعيبهم ، دون أن يسألهم أحد أو دون أن يحصدوا من هذا الفعل المشين غير التخلص من صراعاتهم المرضية الدفينة ومحاولة رد الاعتبار الى ذواتهم المهانة الناقصة
وهؤلاء المنتقدون ينتشرون على مساحة المجتمع الواسعة وفي مختلف شرائحه وألوانه لكن أخطرهم أدعياء العلم والمعرفة، فهؤلاء مثابرون على حضور أي منشط علمي أو ثقافي لكنهم لا يحضرونه من أجل الفائدة بل لرصد توافه الامور وصغائرها ولا يهمهم من حضورهم جوهر الموضوع المطروح بل التركيز على الامور التي لا تقلل من شأن الباحث أو الموضوع المبحوث كالهنات اللغوية أو زلات اللسان أو اسلوب العرض ، ومنهم من يتبجح ويتنطع عارضاً ما لديه من بضاعة راكدة يحاول ترويجها امام الاخرين لا بقصد فائدتهم بل لتبخيس المتحدث وفي ذات الوقت يجدها فرصة مواتية يوحي بها للآخرين بأنه ذا علم ودراية بمثل هذه المواضيع .
ونسأل .. لماذا لا يرتاح البعض منّا الا عندما ينتقص الآخرين ويعظم من شأن نفسه؟؟ ولا جواب على ذلك الا مشاعر الحقد والحسد ومحاولة النيل من الآخرين وتشويه نجاحاتهم وعرقلة تقدمهم والتشكيك بهم ، وهو من جانب آخر محاولة بائسة لتعويض ذواتهم المهانة ، ولو سألت هذا المنتقد عن هفواته وأخطاءه فإنه سيوجد لك آلاف التبريرات والتعليلات لإقناعك بصواب منهجه وصحة تفكيره وان أخطاءه عفوية وبريئة لا تستدعي التلميح اليها وأن نقده خالٍ من أي غرض شخصي وانما هو بنيّة الاصلاح والتوجيه .وبعد فإننا علينا ان ننتبه الى ان احتلال بلدنا لم يكن هدفه تدمير البنى التحتية او المعالم الحضارية فيه وحسب فهم يعلمون جيدا ان العقل العراقي بإمكانه ان يعيد كل مادمروه بوقت قياسي وبشكل أفضل مما كانت عليه ، لقد كان هدفهم هو تدمير الشخصية العراقية وما تحمله من قيم وأعراف اجتماعية وسلوكية وإشاعة قيم سلبية ممقوتة منها هو الاسلوب الذي تحدثنا عنه ، ومعلوم ان كل شئ مادي يمكن اصلاحه الا سلوك البشر فإنه إن فسد فإن صلاحه سيكون صعباً ويحتاج الى وقت طويل، وقبل أن نختم مقالنا هذا فإن على هؤلاء ومن على شاكلتهم أن يعرفوا أن (من غربل الناس نخلوه ) وليسمعوا قول الشاعر:
إذا أنت عِبتَ الناسَ عابوا وأكثروا عليك ، وأبدوا منك ما كان يُستَرُ
هدانا الله وهدى هؤلاء الى سواء السبيل ، وكل عام والجميع بخير
للعودة إلى الصفحة الرئيسة