نفط العراق وتسعيره بالذهب
بقلم غانم العناز
مما لا شك فيه ان الاتفاقيات السياسية او الاقتصادية بين الدول او العقود التجارية بين الشركات او الافراد، وبغض النظر عن اهميتها او قيمتها تحتوي، على شروط مسهبة تبين حقوق والتزامات كل من الطرفين المتعاقدين منعاً لحدوث اي التباس قد ينتج عنه خلاف في المستقبل. ومع كل الاحتياطات التي يأخذها كل من الطرفين المتعاقدين فقليلا ما تخلو اية اتفاقية او اي عقد تجاري من ظهور مثل هذه الخلافات حول تفسير ما جاء في احدى بنود او شروط ما اتفق عليه ولكل من الطرفين وجهة نظره المختلفة في ذلك. أما ان يدور خلاف مستعصي طويل ومكلف حول معنى كلمة واحدة فقط فذلك ما يندر حدوثه كما سنرى في مقالتنا هذه.
اتفاقية الامتيازات النفطية العراقية لعام 1931
لم تكن اتفاقية الامتيازات النفطية المعقودة بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق في نيسان 1931 لتشذ عن هذه القاعدة حيث تبين منذ البدايات الاولى بانها تحتوي على العديد من البنود والفقرات التي ظهرت الخلافات في تفسير الكثير منها وهو امر ليس بالغريب لكثرة ما احتوته من بنود وشروط وتفاصيل معقدة. أما ما ظهر من خلاف حول تفسير كلمة واحدة فقط قد ينتج عنه ربح او خسارة بملايين الباوندات الاسترلينية لأحد الطرفين المتعاقدين وان يدوم الخلاف لمدة عشرة اعوام وينتهي بالمحاكم قبل التراضي فذلك ما حدث في هذه الاتفاقية.
الكلمة السحرية (ذهب)
ان احدى اهم النقاط الرئيسية التي نوقشت بصورة مسهبة خلال مفاوضات منح امتياز التنقيب لاكتشاف النفط بين الحكومة العراقية وشركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقاً) في اوائل العشرينيات من القرن الماضي كانت تحديد سعر النفط. فقد اقترحت شركة النفط التركية تحديده باربعة شلنات للطن الواحد علما بان:
- الباوند الاسترليني الواحد يساوي عشرون شلن.
- الباوند االاسترليني الواحد يساوي دينار عراقي واحد او (1,000 فلس) في ذلك الوقت.
- الطن الواحد من نفط كركوك يساوي 7.578 برميل.
بقلم غانم العناز
مما لا شك فيه ان الاتفاقيات السياسية او الاقتصادية بين الدول او العقود التجارية بين الشركات او الافراد، وبغض النظر عن اهميتها او قيمتها تحتوي، على شروط مسهبة تبين حقوق والتزامات كل من الطرفين المتعاقدين منعاً لحدوث اي التباس قد ينتج عنه خلاف في المستقبل. ومع كل الاحتياطات التي يأخذها كل من الطرفين المتعاقدين فقليلا ما تخلو اية اتفاقية او اي عقد تجاري من ظهور مثل هذه الخلافات حول تفسير ما جاء في احدى بنود او شروط ما اتفق عليه ولكل من الطرفين وجهة نظره المختلفة في ذلك. أما ان يدور خلاف مستعصي طويل ومكلف حول معنى كلمة واحدة فقط فذلك ما يندر حدوثه كما سنرى في مقالتنا هذه.
اتفاقية الامتيازات النفطية العراقية لعام 1931
لم تكن اتفاقية الامتيازات النفطية المعقودة بين الحكومة العراقية وشركة نفط العراق في نيسان 1931 لتشذ عن هذه القاعدة حيث تبين منذ البدايات الاولى بانها تحتوي على العديد من البنود والفقرات التي ظهرت الخلافات في تفسير الكثير منها وهو امر ليس بالغريب لكثرة ما احتوته من بنود وشروط وتفاصيل معقدة. أما ما ظهر من خلاف حول تفسير كلمة واحدة فقط قد ينتج عنه ربح او خسارة بملايين الباوندات الاسترلينية لأحد الطرفين المتعاقدين وان يدوم الخلاف لمدة عشرة اعوام وينتهي بالمحاكم قبل التراضي فذلك ما حدث في هذه الاتفاقية.
الكلمة السحرية (ذهب)
ان احدى اهم النقاط الرئيسية التي نوقشت بصورة مسهبة خلال مفاوضات منح امتياز التنقيب لاكتشاف النفط بين الحكومة العراقية وشركة النفط التركية (شركة نفط العراق لاحقاً) في اوائل العشرينيات من القرن الماضي كانت تحديد سعر النفط. فقد اقترحت شركة النفط التركية تحديده باربعة شلنات للطن الواحد علما بان:
- الباوند الاسترليني الواحد يساوي عشرون شلن.
- الباوند االاسترليني الواحد يساوي دينار عراقي واحد او (1,000 فلس) في ذلك الوقت.
- الطن الواحد من نفط كركوك يساوي 7.578 برميل.
ورقة نقدية قابلة التحويل الى ليرات انكليزية
فقد قامت اللجنة الحكومية المفاوضة الاولى التي شكلت في تشرين الاول 1923 والمؤلفة من رئيسها وزير المواصلات والاشغال ياسين الهاشمي وعضوية وزير المالية ساسون حسقيل ووزير العدلية ناجي السويدي باجراء اولى المفاوضات مع الشركة والتي اقترح فيها الجانب العراقي تعديلات كثيرة على ما جاء في مسودة الاتفاقية من أهمها ربط قيمة الباوند الاسترليني في الاتفاقية بالذهب. انتهت تلك المفاوضات دون التوصل الى اية نتيجة امام تمسك الشركة بما جاء في معظم بنود مسودة الاتفاقية التي قدمتها ومن ضمنها تحديد سعر الطن باربعة شلنات كما ذكر اعلاه.
جرى بعد ذلك تشكيل لجان حكومية اخرى وبالرغم من اصطادمها جميعاً بنفس التعنت من جانب الشركة الا ان المفاوض العراقي اصر على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب تفادياً لما حدث خلال الحرب العالمية الاولى حين تم فك ارتباط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب ليفقد نتيجة لذلك بعضاً من قيمته في الاسواق العالمية.
وافقت الشركة اخيرا على مضض على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب الا انها رفضت تحديد وزنه من الذهب او ذكر اية مواصفت للذهب كنقاوته علماً ان قيمة الباوند الاسترليني في ذلك الوقت كان يعادل 7.3 جرام ذهب عيار 22 قيراط . وافقت الحكومة العراقية ايضاً على مضض على ذلك واكتفي بتحديد سعر الطن من النفط في اتفاقية آذار 1925 باربعة شلنات (ذهب). كما نصت اتفاقية آذار 1931 المعدلة والنهائية على ان يكون سعر الطن اربعة شلنات (ذهب) كذلك دون تغيير.
صحة حدس المفاوض العراقي
لم يمض وقت طويل بعد توقيع الاتفاقية الا لتثبت صحة حدس واصرار المفاوض العراقي على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب. فقد قامت الحكومة البريطانية في أيلول 1931 بفك ارتباط الباوند الاسترليني بالذهب في اعقاب الكساد الاقتصادي العالمي مما نتج عنه انخفاض سعر الباوند الاسترليني في الاسواق العالمية بنسبة كبيرة.
لقد كان هناك دفعة مستحقة للحكومة العراقية من شركة نفط العراق في كانون الثاني 1932 بقيمة 409,000 باوند استرليني (ذهب). رفضت الشركة دفع المبلغ بموجب الاتفاقية بسعر الذهب مدعية ان الاتفاقية لم تحدد مقدار الذهب او مواصفاته. حاولت الشركة اثر ذلك التوسط لدى الحكومة البريطانية لتأييد موقفها الا ان الحكومة البريطانية لم تستطع تأييد موقف الشركة المهلهل فنصحتها بالالتزام بدفع ذلك المبلغ والمبالغ الاحقة بسعر الذهب كما جاء صراحة في الاتفاقية وتم على اثر ذلك تسديد تلك الدفعة بمبلغ قدره 578,000 باوند استرليني.
ظهور سعرين مختلفين للذهب وسعرين للباوند الاسترليني
قامت الحكومة البريطانية بعد نشوب الحرب العالمية الثانية باصدار قانون الدفاع المدني في سنة 1939 الذي قيدت بموجبه التعامل بالذهب وحددت سعره بالباوند الاسترليني في اسواقها. فقامت الشركة بدفع عوائد العراق بالباوند الاسترليني بموجب السعر الرسمي للذهب الذي يحدده مصرف انكلترا (المصرف المركزي للمملكة المتحدة) في لندن وهو سعر واطئ لا يعبر عن سعر الذهب في الاسواق الحرة مما ادى الى اعتراض الحكومة العراقية على ذلك. استمرت الشركة بدفع عوائد الحكومة العراقية خلال الحرب على هذا الاساس الذي يعادل 39 شلن او ما يعادل 1,950 فلساً عراقياً لكل باوند استرليني (ذهب) بموجب سعر مصرف انكلترا للذهب في الوقت الذي كانت فيه قيمة الباوند الاسترليني بسعر الذهب في الاسواق العراقية والحرة يقارب خمسة دنانير (5,000 فلساً) اي خمسة باوندات استرلينية (100 شلن) مما دفع الحكومة العراقية للاستمرار بالاعتراض والاصرار على اعتماد سعر السوق الحرة العراقية للذهب دون جدوى.
فقد قامت اللجنة الحكومية المفاوضة الاولى التي شكلت في تشرين الاول 1923 والمؤلفة من رئيسها وزير المواصلات والاشغال ياسين الهاشمي وعضوية وزير المالية ساسون حسقيل ووزير العدلية ناجي السويدي باجراء اولى المفاوضات مع الشركة والتي اقترح فيها الجانب العراقي تعديلات كثيرة على ما جاء في مسودة الاتفاقية من أهمها ربط قيمة الباوند الاسترليني في الاتفاقية بالذهب. انتهت تلك المفاوضات دون التوصل الى اية نتيجة امام تمسك الشركة بما جاء في معظم بنود مسودة الاتفاقية التي قدمتها ومن ضمنها تحديد سعر الطن باربعة شلنات كما ذكر اعلاه.
جرى بعد ذلك تشكيل لجان حكومية اخرى وبالرغم من اصطادمها جميعاً بنفس التعنت من جانب الشركة الا ان المفاوض العراقي اصر على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب تفادياً لما حدث خلال الحرب العالمية الاولى حين تم فك ارتباط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب ليفقد نتيجة لذلك بعضاً من قيمته في الاسواق العالمية.
وافقت الشركة اخيرا على مضض على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب الا انها رفضت تحديد وزنه من الذهب او ذكر اية مواصفت للذهب كنقاوته علماً ان قيمة الباوند الاسترليني في ذلك الوقت كان يعادل 7.3 جرام ذهب عيار 22 قيراط . وافقت الحكومة العراقية ايضاً على مضض على ذلك واكتفي بتحديد سعر الطن من النفط في اتفاقية آذار 1925 باربعة شلنات (ذهب). كما نصت اتفاقية آذار 1931 المعدلة والنهائية على ان يكون سعر الطن اربعة شلنات (ذهب) كذلك دون تغيير.
صحة حدس المفاوض العراقي
لم يمض وقت طويل بعد توقيع الاتفاقية الا لتثبت صحة حدس واصرار المفاوض العراقي على ربط قيمة الباوند الاسترليني بالذهب. فقد قامت الحكومة البريطانية في أيلول 1931 بفك ارتباط الباوند الاسترليني بالذهب في اعقاب الكساد الاقتصادي العالمي مما نتج عنه انخفاض سعر الباوند الاسترليني في الاسواق العالمية بنسبة كبيرة.
لقد كان هناك دفعة مستحقة للحكومة العراقية من شركة نفط العراق في كانون الثاني 1932 بقيمة 409,000 باوند استرليني (ذهب). رفضت الشركة دفع المبلغ بموجب الاتفاقية بسعر الذهب مدعية ان الاتفاقية لم تحدد مقدار الذهب او مواصفاته. حاولت الشركة اثر ذلك التوسط لدى الحكومة البريطانية لتأييد موقفها الا ان الحكومة البريطانية لم تستطع تأييد موقف الشركة المهلهل فنصحتها بالالتزام بدفع ذلك المبلغ والمبالغ الاحقة بسعر الذهب كما جاء صراحة في الاتفاقية وتم على اثر ذلك تسديد تلك الدفعة بمبلغ قدره 578,000 باوند استرليني.
ظهور سعرين مختلفين للذهب وسعرين للباوند الاسترليني
قامت الحكومة البريطانية بعد نشوب الحرب العالمية الثانية باصدار قانون الدفاع المدني في سنة 1939 الذي قيدت بموجبه التعامل بالذهب وحددت سعره بالباوند الاسترليني في اسواقها. فقامت الشركة بدفع عوائد العراق بالباوند الاسترليني بموجب السعر الرسمي للذهب الذي يحدده مصرف انكلترا (المصرف المركزي للمملكة المتحدة) في لندن وهو سعر واطئ لا يعبر عن سعر الذهب في الاسواق الحرة مما ادى الى اعتراض الحكومة العراقية على ذلك. استمرت الشركة بدفع عوائد الحكومة العراقية خلال الحرب على هذا الاساس الذي يعادل 39 شلن او ما يعادل 1,950 فلساً عراقياً لكل باوند استرليني (ذهب) بموجب سعر مصرف انكلترا للذهب في الوقت الذي كانت فيه قيمة الباوند الاسترليني بسعر الذهب في الاسواق العراقية والحرة يقارب خمسة دنانير (5,000 فلساً) اي خمسة باوندات استرلينية (100 شلن) مما دفع الحكومة العراقية للاستمرار بالاعتراض والاصرار على اعتماد سعر السوق الحرة العراقية للذهب دون جدوى.
مصرف انكلترا
حدث بعد ذلك تخفيض اخر للباوند الاسترليني في سنة 1949 فقامت الشركة بدفع 58 شلن اي ما يعادل 2,900 فلساً للباوند الاسترليني (ذهب) بموجب سعر الذهب الذي يحدده مصرف انكلترا. استمرت الحكومة العراقية بالاحتفاظ بحقها بالمطالبة بالدفع بموجب اسعار الاسواق الحرة العراقية للذهب وقدرت الخسائر التي لحقت بها من جراء ذلك للفترة 1940 - 1950 بما يقارب 21 مليون باوند استرليني اي دينار عراقي.
الذهاب الى المحاكم
حصل استياء عام في العراق من جراء استمرار تعنت الشركة بعدم الالتزام باعتماد السوق الحرة للذهب نتج عنه انتقاداً شديداً للحكومة من قبل االمعارضة الوطنية مما اضطر الحكومة الى اتخاذ قرارها باقامة الدعوى على الشركة في المحاكم البريطانية المختصة والفت اثر ذلك لجنة برآسة نديم الباجه جي للذهاب الى لندن لاقامة الدعوى هناك. وصلت اللجنة الى لندن في تشرين الاول 1950 وقامت بالاتصال بشركة ريشارد بتلر للمحاماة التي قامت بدراسة الموضوع واستشارت بعض المحامين الاخرين لتقدم تقريرها النهائي الذي ذكرت فيه بانه قد حصلت لديها قناعة بان هناك املاً كبيراً بكسب الدعوى لصالح الحكومة العراقية.
قامت الحكومة على اثر ذلك بتشكيل لجنة استشارية عليا برآسة مصطفى العمري لدراسة تقرير شركة بتلر للمحاماة فقامت بدراسته بصورة مسهبة لتبدي تأييدها لما جاء فيه موضحة ان سعر الباوند الاسترليني المبني على سعر الذهب الذي تحدده الحكومة البريطانية عن طريق مصرفها المركزي بتشريع خاص بها لأغراضها الداخلية لا يمثل السعر الواجب الاخذ به في هذه القضية وعليه يجب اعتماد سعر السوق الحرة للذهب. وافق مجلس الوزراء على توصية اللجنة واوفد نديم الباجه جي الى لندن للتحضير لاقامة الدعوى من قبل شركة ريشارد بتلر. اجتمع محامو الحكومة ومحامو الشركة مع قاضي المحكمة التجارية العليا في لندن في آذار 1951 الذي امهل الشركة ثلاثة اسابيع للرد على لائحة دعوى الحكومة وعين يوم 23 تموز 1951 موعداً للمرافعة.
الرجوع الى المفاوضات والتراضي
ازدادت شدة الاستياء في الاوساط الحزبية المعارضة والصحافة العراقية بصورة عامة اضافة الى الرأي العام من مواقف الشركة المتعنت والمجحف حيث ظهرت خلال تلك الفترة اصوات تطالب بتأميم نفط العراق اسوة بما قام به محمد مصدق رئيس وزراء ايران بتأميم النفط في بلاده في 1 أيار 1951 مما اضطر شركة نفط العراق والحكومة الى ضرورة تلافي الموقف وحل الخلاف بالطرق التفاوضية المباشرة منعاً لتفاقم الازمة وانتشار الاستياء بين الاوساط الشعبية مما قد ينتج عنه ما تحمد عقباه.
قام مجلس الوزراء على اثر ذلك في تموز 1951 بتخويل وفد مفاوض برئآسة رئيس الوزراء نوري السعيد لاجراء تسوية معقولة للموضوع. اجريت المفاضات الجديدة حول الموضوع في جو اكثر هدوءاً حيث اعربت الشركة بانها مطمئنة من سلامة موقفها وواثقة من كسب الدعوى بينما اعربت الحكومة عن ثقة مماثلة بموقفها ليتم الاتفاق بعد مفاوضات مكثفة على تسوية الموضوع مقابل قيام الشركة بدفع خمسة ملايين باوند استرليني (دينار عراقي) للحكومة العراقية كتسوية نهائية للنزاع.
وقد يكون من المفيد هنا ان نوضح ضخامة قيمة النزاع البالغ 21 مليون باوند استرليني ومبلغ التسوية البالغ 5 مليون باوند استرليني في ذلك الزمان اذا علمنا بان مجموع عوائد الحكومة العراقية من النفط خلال سنة 1951 قد بلغ 15 مليون باوند استرليني وان ميزانية الدولة العراقية لتلك السنة كانت بحدود 50 مليون دينار اي 50 مليون باوند استرليني.
قام محامو الحكومة اثر هذه التسوية بتقديم طلبا الى المحكمة بتأجيل الدعوى الى اجل غير مسمى وبذلك اسدل الستار على هذه القضية الناتجة عن تفسير كلمة (ذهب) التي اسغرقت عشرة اعوام للتوصل الى حل لها.
حكاية يضرب بها المثل
لقد كانت حكاية الذهب هذه يضرب بها المثل من قبل جيل ذلك الزمان وربما لا زالت تذكر حتى يومنا هذا في بعض الاوساط عن نباهة وحرص المفاوض العراقي للحفاظ على حقوق بلاده باصراره على ربط سعر النفط بالباوند الاسترليني (ذهب) تلك الكلمة الصغيرة التي لولاها لمنيت الخزينة العراقية بخسارة مبلغ التسوية الكبير المذكور اعلاه. كما ان هذه القضية تبين كذلك نباهة ومراوغة مفاوض الشركة الذي اصر على عدم ذكر اي مقدار او تعريف لكلمة (ذهب) لينقذ بذلك شركته من خسائر ضخمة اخرى تفوق ثلاثة اضعاف ما تم التراضي عليه.
عقود الأمس وعقود اليوم
فتحية اكبار واجلال لمفاوضينا الاوائل الذين حافظوا على حقوق بلادهم باصرارهم على ربط سعر النفط بالذهب بالرغم من وقوعهم تحت ضغوط هائلة من قبل شركة النفط التركية المسنودة من قبل المندوب السامي البريطاني في بغداد والمستشارين البريطانيين في الحكومة العراقية اضافة الى وقوع الدولة العراقية المغلوب على امرها بكاملها تحت طائلة الانتداب البريطاني.
فاين نحن اليوم من تلك النزاهة وذلك الاخلاص والتفاني للدفاع عن حقوق الدولة وبالتالي عن اموال الشعب العراقي عما نسمع عنه في ايامنا هذه من خيانة الامانة وسرقة المال العام من بعض موظفي الدولة ذوي النفوس الضعيفة بواسطة طرق جهنمية سمعنا عنها الكثير والتي منها على سبيل المثال :
- التآمر لتوقيع عقود كاذبة مع شركات وهمية تأخذ الاموال وتختفي دون تنفيذ المشاريع المتعاقد عليها كتلك الخاصة بانشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية التي ينتظر المواطنون انجازها بفارغ الصبر للتخفيف من معاناتهم من جراء انقطاع التيار الكهربائي الذي ذاقوا منه الامرين عبر سنين طويلة.
- شراء اجهزة غير صالحة للاستعمال قد ينتج عنها اضراراً كبيرة كاجهزة كشف المتفجرات التي ظهر بانها لا تزيد عن كونها لعب اطفال راح ضحيتها الكثير من ابناء شعبنا الابرياء بعد ان دفعت لشرائها ملايين الدولارات. علماً بان المجهز البريطاني المحتال قد قدم للمحاكم في بلاده واودع السجن عن جريمته النكراء فهل يا ترى نال شركاؤه العراقيون في الجريمة جزاءهم العادل؟
- استيراد سلع مستهلكة او اغذية فاسدة انتهت صلاحيتها لتفتك بارواح المواطنين الابرياء وتذهب الاموال الطائلة هباءً في جيوب المفسدين وما الى غير ذلك من طرق الغش الخبيثة وأكل المال الحرام التي يندى لها الجبين؟
حدث بعد ذلك تخفيض اخر للباوند الاسترليني في سنة 1949 فقامت الشركة بدفع 58 شلن اي ما يعادل 2,900 فلساً للباوند الاسترليني (ذهب) بموجب سعر الذهب الذي يحدده مصرف انكلترا. استمرت الحكومة العراقية بالاحتفاظ بحقها بالمطالبة بالدفع بموجب اسعار الاسواق الحرة العراقية للذهب وقدرت الخسائر التي لحقت بها من جراء ذلك للفترة 1940 - 1950 بما يقارب 21 مليون باوند استرليني اي دينار عراقي.
الذهاب الى المحاكم
حصل استياء عام في العراق من جراء استمرار تعنت الشركة بعدم الالتزام باعتماد السوق الحرة للذهب نتج عنه انتقاداً شديداً للحكومة من قبل االمعارضة الوطنية مما اضطر الحكومة الى اتخاذ قرارها باقامة الدعوى على الشركة في المحاكم البريطانية المختصة والفت اثر ذلك لجنة برآسة نديم الباجه جي للذهاب الى لندن لاقامة الدعوى هناك. وصلت اللجنة الى لندن في تشرين الاول 1950 وقامت بالاتصال بشركة ريشارد بتلر للمحاماة التي قامت بدراسة الموضوع واستشارت بعض المحامين الاخرين لتقدم تقريرها النهائي الذي ذكرت فيه بانه قد حصلت لديها قناعة بان هناك املاً كبيراً بكسب الدعوى لصالح الحكومة العراقية.
قامت الحكومة على اثر ذلك بتشكيل لجنة استشارية عليا برآسة مصطفى العمري لدراسة تقرير شركة بتلر للمحاماة فقامت بدراسته بصورة مسهبة لتبدي تأييدها لما جاء فيه موضحة ان سعر الباوند الاسترليني المبني على سعر الذهب الذي تحدده الحكومة البريطانية عن طريق مصرفها المركزي بتشريع خاص بها لأغراضها الداخلية لا يمثل السعر الواجب الاخذ به في هذه القضية وعليه يجب اعتماد سعر السوق الحرة للذهب. وافق مجلس الوزراء على توصية اللجنة واوفد نديم الباجه جي الى لندن للتحضير لاقامة الدعوى من قبل شركة ريشارد بتلر. اجتمع محامو الحكومة ومحامو الشركة مع قاضي المحكمة التجارية العليا في لندن في آذار 1951 الذي امهل الشركة ثلاثة اسابيع للرد على لائحة دعوى الحكومة وعين يوم 23 تموز 1951 موعداً للمرافعة.
الرجوع الى المفاوضات والتراضي
ازدادت شدة الاستياء في الاوساط الحزبية المعارضة والصحافة العراقية بصورة عامة اضافة الى الرأي العام من مواقف الشركة المتعنت والمجحف حيث ظهرت خلال تلك الفترة اصوات تطالب بتأميم نفط العراق اسوة بما قام به محمد مصدق رئيس وزراء ايران بتأميم النفط في بلاده في 1 أيار 1951 مما اضطر شركة نفط العراق والحكومة الى ضرورة تلافي الموقف وحل الخلاف بالطرق التفاوضية المباشرة منعاً لتفاقم الازمة وانتشار الاستياء بين الاوساط الشعبية مما قد ينتج عنه ما تحمد عقباه.
قام مجلس الوزراء على اثر ذلك في تموز 1951 بتخويل وفد مفاوض برئآسة رئيس الوزراء نوري السعيد لاجراء تسوية معقولة للموضوع. اجريت المفاضات الجديدة حول الموضوع في جو اكثر هدوءاً حيث اعربت الشركة بانها مطمئنة من سلامة موقفها وواثقة من كسب الدعوى بينما اعربت الحكومة عن ثقة مماثلة بموقفها ليتم الاتفاق بعد مفاوضات مكثفة على تسوية الموضوع مقابل قيام الشركة بدفع خمسة ملايين باوند استرليني (دينار عراقي) للحكومة العراقية كتسوية نهائية للنزاع.
وقد يكون من المفيد هنا ان نوضح ضخامة قيمة النزاع البالغ 21 مليون باوند استرليني ومبلغ التسوية البالغ 5 مليون باوند استرليني في ذلك الزمان اذا علمنا بان مجموع عوائد الحكومة العراقية من النفط خلال سنة 1951 قد بلغ 15 مليون باوند استرليني وان ميزانية الدولة العراقية لتلك السنة كانت بحدود 50 مليون دينار اي 50 مليون باوند استرليني.
قام محامو الحكومة اثر هذه التسوية بتقديم طلبا الى المحكمة بتأجيل الدعوى الى اجل غير مسمى وبذلك اسدل الستار على هذه القضية الناتجة عن تفسير كلمة (ذهب) التي اسغرقت عشرة اعوام للتوصل الى حل لها.
حكاية يضرب بها المثل
لقد كانت حكاية الذهب هذه يضرب بها المثل من قبل جيل ذلك الزمان وربما لا زالت تذكر حتى يومنا هذا في بعض الاوساط عن نباهة وحرص المفاوض العراقي للحفاظ على حقوق بلاده باصراره على ربط سعر النفط بالباوند الاسترليني (ذهب) تلك الكلمة الصغيرة التي لولاها لمنيت الخزينة العراقية بخسارة مبلغ التسوية الكبير المذكور اعلاه. كما ان هذه القضية تبين كذلك نباهة ومراوغة مفاوض الشركة الذي اصر على عدم ذكر اي مقدار او تعريف لكلمة (ذهب) لينقذ بذلك شركته من خسائر ضخمة اخرى تفوق ثلاثة اضعاف ما تم التراضي عليه.
عقود الأمس وعقود اليوم
فتحية اكبار واجلال لمفاوضينا الاوائل الذين حافظوا على حقوق بلادهم باصرارهم على ربط سعر النفط بالذهب بالرغم من وقوعهم تحت ضغوط هائلة من قبل شركة النفط التركية المسنودة من قبل المندوب السامي البريطاني في بغداد والمستشارين البريطانيين في الحكومة العراقية اضافة الى وقوع الدولة العراقية المغلوب على امرها بكاملها تحت طائلة الانتداب البريطاني.
فاين نحن اليوم من تلك النزاهة وذلك الاخلاص والتفاني للدفاع عن حقوق الدولة وبالتالي عن اموال الشعب العراقي عما نسمع عنه في ايامنا هذه من خيانة الامانة وسرقة المال العام من بعض موظفي الدولة ذوي النفوس الضعيفة بواسطة طرق جهنمية سمعنا عنها الكثير والتي منها على سبيل المثال :
- التآمر لتوقيع عقود كاذبة مع شركات وهمية تأخذ الاموال وتختفي دون تنفيذ المشاريع المتعاقد عليها كتلك الخاصة بانشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية التي ينتظر المواطنون انجازها بفارغ الصبر للتخفيف من معاناتهم من جراء انقطاع التيار الكهربائي الذي ذاقوا منه الامرين عبر سنين طويلة.
- شراء اجهزة غير صالحة للاستعمال قد ينتج عنها اضراراً كبيرة كاجهزة كشف المتفجرات التي ظهر بانها لا تزيد عن كونها لعب اطفال راح ضحيتها الكثير من ابناء شعبنا الابرياء بعد ان دفعت لشرائها ملايين الدولارات. علماً بان المجهز البريطاني المحتال قد قدم للمحاكم في بلاده واودع السجن عن جريمته النكراء فهل يا ترى نال شركاؤه العراقيون في الجريمة جزاءهم العادل؟
- استيراد سلع مستهلكة او اغذية فاسدة انتهت صلاحيتها لتفتك بارواح المواطنين الابرياء وتذهب الاموال الطائلة هباءً في جيوب المفسدين وما الى غير ذلك من طرق الغش الخبيثة وأكل المال الحرام التي يندى لها الجبين؟
كانون اول 2013
المصدر : كتابى العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر باللغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012 .
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
المصدر : كتابى العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر باللغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012 .
للعودة إلى الصفحة الرئيسة