سليمان فيضي الموصلي
بقلم: غانم العنّاز
هو خالي الحاج سليمان بن الحاج داود بن الشيخ سليمان القصاب العوادي الملقب (بفيضي) المولود في مدينة الموصل سنة 1885. فمن اين اذن جاء هذا اللقب الذي اشتهر به وعرفت به اسرته من بعده ؟
ان لذلك حكاية لحادثة طريفة سوف تظهر تفاصيلها خلال سردنا لاحقا. التحق في بداية طفولته بكتّاب المحلة (الملا) فحفظ القرآن ويذكر من رفاقه فيها عبد الغني النقيب ومصطفى الصابونجي. تعلم بعد ذلك شيئا من اوليات الفقه والتجويد من والده وقسما من الاجرومية في مدرسة جمشيد الوقفية التي تشاء الاقدار ان التحق أنا بها في طفولتي لحفظ القرآن الكريم ومن ثم خلال العطلات الصيفية بعد التحاقي بمدرسة الحدباء الابتدائية في اوائل اربعينيات القرن الماضي.ـ
دخل المدرسة الاعدادية ذات الخمسة صفوف وهو في العاشرة من عمره. ويذكر من رفاقه في الصف الاول : مولود مخلص ، عارف العارف ، ناظم العمري ، إسماعيل شنشل ، داود الحيدري ، قاسم الشعار ، واكرم العمري.ـ
اما الطلاب الذين كانوا في الصفوف المتقدمة فيذكر منهم: داود الجلبي، محمد رؤوف العطار، داود سليم، علي جودت، قاسم محمد علي، محمد علي مصطفى، صديق الدملوجي، فاروق الدملوجي، وامجد العمري.ـ
ثم يذكرالمرحوم انه عندما اكمل السنة الرابعة من دراسته ترك مدينة الموصل للالتحاق بالمدرسة الاعدادية العسكرية في بغداد هو ورفاقه علي جودت، وداود سليم، وقاسم محمد علي، ومولود مخلص، وتوفيق فكرت، ومحمد شيت، ومحمد علي مصطفى الامام ، وشهاب الدين ، و سليمان حكمت.ـ
يقول: (استقر بنا المقام في القسم الداخلي من المدرسة الاعدادية ونسبت الادارة التحاقنا بالصف الثالث الرشدي. وفي اليوم الاول بعد التحاقنا تلا المعلم اسماء الطلاب الجدد ، فلما ورد اسم سليمان الموصلي أجاب طالبان في وقت واحد ، إذ كان لي زميل موصلي اسمه سليمان. فرأى مجلس المدرسين ، منعا للالتباس، أن يختار كل منا لقبا يضاف الى اسمه. فاختار صديقي لقب حكمت وصار يدعى سليمان حكم، أما انا فقد ارتأى مدير الاعدادية تسميتي بسليمان فيضي، تيمنا باسم المشير العثماني أحمد فيضي باشا. ومنذ ذلك الحين عرفت بهذا الاسم).ـ
إستمرت الدراسة لمدة خمس سنوات تدرج فيها الطلاب الى الصف المنتهي وكان من زملائه في الصف عدا الذين جاء ذكرهم اعلاه: نوري السعيد، عبد اللطيف نوري، طه الهاشمي، عبد الحميد الشالجي، نظيف الشاوي، احمد رشدي، رؤوف الكبيسي ، خليل زكي وخالد الزهاوي.ـ
يقول رحمه الله: (اوشكت آمالنا بالسفر الى استانبول للالتحاق بالكلية الحربية ان تتحقق بعد ايام قلائل، لولا ان حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد حدثت مشادة كلامية بين اثنين من زملائي ، ثم تطور النزاع الى الضرب ، وحين امعن احدهما بضرب الآخر ضربا مبرحا لم يسع رفاق هذا الا مناصرته، فخف زملاء الاول ايضا الى مؤازرته وتوسعت شقة النزاع.ـ
انتهى النزاع بتدخل المسؤولين، وقدم الطلاب الثمانية المتخاصمون التالية اسماؤهم الى مجلس المدرسين لمحاكمتهم:ــ
مولود مخلص (الموصل) ، شاكر وفي (الموصل) ، مصطفى عزيز (استانبول) ، سليمان فيضي ، (الموصل) ، سعيد سارة (بغداد) ، عبد الرزاق حلمي (بغداد) ، اسماعيل حقي (بغداد) ، فؤاد نظيف (دمشق).ـ
احال مجلس المدرسين اوراق التحقيق الى نظارة الحربية في استانبول فاصدرت حكمها بفصل الطلاب المذكورين فصلا نهائيا من المدرسة، على ان يلتحق من هم في السن القانونية للجندية بالخدمة الفعلية فورا، ويؤجل من لم يبلغها حتى بلوغه السن المذكورة بعد ربطه بكفالة.ـ
وقد ساعدني على تاجيل الخدمة المذكورة كون ولادتي مسجلة بدفتر النفوس عام1988.ـ
ولتخلصه من الخدمة ، التجأ بعد سفر شاق على الجمال دام اربعة عشر يوما ، الى الامير عبد العزيز الرشيد في نجد ، الذي ابرق الى الباب العالي لاعفائه من الخدمة فاستجيب طلبه في نيسان (ابريل) 1904
رجع سليمان فيضي بعد ذلك الى البصرة وبدأ بدراسة القانون ليعين بعدها عضوا في احد محاكمها ويستقر فيها. وفي العام 1911 سافر الى الاستانة للحصول على شهادة الحقوق مما فتح المجال امامه للانخراط بالعمل السياسي من اوسع ابوابه.ـ
ففي العام 1914 فاز سليمان فيضي وهو في سن التاسعة والعشرين بالانتخابات واصبح نائبا عن ولاية البصرة ليصل الى استانبول في آذار 1914 ويحضر افتتاح المجلس النيابي العثماني (مجلس المبعوثان) في نيسان.ـ
كما انه ساهم في استقلال العراق وانشاء الدولة العراقية الحديثة لينتخب في العام 1935 نائبا في مجلس النواب العراقي.ـ
اذن ، فهو من ذلك الصنف من الرجال العصاميين الذين لديهم المقدرة على المثابرة للتغلب على العقبات باصرار كبير لتحقيق اهدافهم النبيلة.ـ
وهو ايضا من ذلك الرعيل الاول من رواد النهضة العربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الذين عملوا باخلاص على مكافحة الظلم والجهل والفقر والمرض وغيرها من الآفات التي كانت تنخر في جسد الامة.ـ
اعتزل السياسة في العام 1937 ليعكف على مزاولة المحاماة بعد خبرته الطويلة في هذا الجال ، حيث انه كان قد عين عضوا في محكمة استئناف العراق في العام 1919 ومن ثم قام بالتدريس في كلية الحقوق للسنتين الدراسيتين 1920-1921 و1921-1922 ، اضافة الى المطالعة والدرس.ـ
قام رحمه الله بجمع مذكراته خلال فترة مرضه الاخيرة ابتداء من 1948 وكتابة بعضا منها وحين اشتد مرضه قام باملائها على ابنته ليلى ليقوم ولده الدكتور عبد الحميد بصياغة عباراتها وربط اوصالها الا ان الاجل المحتوم عاجله في كانون ثاني 1951 قبل ان تنشر مذكراته في 1952 تحت عنوان (في غمرة النضال). صدرت بعدها الطبعة الثانية في 1974 واخيرا صدرت الطبعة الاخيرة بحلتها الجميلة في 1998
لقد كانت ولا زالت المذكرات مرجعا قيما وسجلا اصيلا وامينا ، ووصفا شاملا لسلسلة الاحداث الجسام خلال فترة الصحوة العربية واستقلال العراق. وقد اعتمدها المؤرخون والباحثون العرب والاجانب في العديد مما نشروه من كتب ودراسات تاريخية , سياسية ، واجتماعية اذ قليلا ما يخلو بحث في هذا المجال عن تلك الفترة من الاشارة اليها او الاقتباس منها.ـ
لقد كان رحمه الله ذا اسلوب سهل وديباجة انيقة رشيقة مما ساعده على غزارة الانتاج ونشر العديد من مؤلفاته المدرجة في القائمة ادناه بالرغم من اعبائه الكبيرة الاخرى
بقلم: غانم العنّاز
هو خالي الحاج سليمان بن الحاج داود بن الشيخ سليمان القصاب العوادي الملقب (بفيضي) المولود في مدينة الموصل سنة 1885. فمن اين اذن جاء هذا اللقب الذي اشتهر به وعرفت به اسرته من بعده ؟
ان لذلك حكاية لحادثة طريفة سوف تظهر تفاصيلها خلال سردنا لاحقا. التحق في بداية طفولته بكتّاب المحلة (الملا) فحفظ القرآن ويذكر من رفاقه فيها عبد الغني النقيب ومصطفى الصابونجي. تعلم بعد ذلك شيئا من اوليات الفقه والتجويد من والده وقسما من الاجرومية في مدرسة جمشيد الوقفية التي تشاء الاقدار ان التحق أنا بها في طفولتي لحفظ القرآن الكريم ومن ثم خلال العطلات الصيفية بعد التحاقي بمدرسة الحدباء الابتدائية في اوائل اربعينيات القرن الماضي.ـ
دخل المدرسة الاعدادية ذات الخمسة صفوف وهو في العاشرة من عمره. ويذكر من رفاقه في الصف الاول : مولود مخلص ، عارف العارف ، ناظم العمري ، إسماعيل شنشل ، داود الحيدري ، قاسم الشعار ، واكرم العمري.ـ
اما الطلاب الذين كانوا في الصفوف المتقدمة فيذكر منهم: داود الجلبي، محمد رؤوف العطار، داود سليم، علي جودت، قاسم محمد علي، محمد علي مصطفى، صديق الدملوجي، فاروق الدملوجي، وامجد العمري.ـ
ثم يذكرالمرحوم انه عندما اكمل السنة الرابعة من دراسته ترك مدينة الموصل للالتحاق بالمدرسة الاعدادية العسكرية في بغداد هو ورفاقه علي جودت، وداود سليم، وقاسم محمد علي، ومولود مخلص، وتوفيق فكرت، ومحمد شيت، ومحمد علي مصطفى الامام ، وشهاب الدين ، و سليمان حكمت.ـ
يقول: (استقر بنا المقام في القسم الداخلي من المدرسة الاعدادية ونسبت الادارة التحاقنا بالصف الثالث الرشدي. وفي اليوم الاول بعد التحاقنا تلا المعلم اسماء الطلاب الجدد ، فلما ورد اسم سليمان الموصلي أجاب طالبان في وقت واحد ، إذ كان لي زميل موصلي اسمه سليمان. فرأى مجلس المدرسين ، منعا للالتباس، أن يختار كل منا لقبا يضاف الى اسمه. فاختار صديقي لقب حكمت وصار يدعى سليمان حكم، أما انا فقد ارتأى مدير الاعدادية تسميتي بسليمان فيضي، تيمنا باسم المشير العثماني أحمد فيضي باشا. ومنذ ذلك الحين عرفت بهذا الاسم).ـ
إستمرت الدراسة لمدة خمس سنوات تدرج فيها الطلاب الى الصف المنتهي وكان من زملائه في الصف عدا الذين جاء ذكرهم اعلاه: نوري السعيد، عبد اللطيف نوري، طه الهاشمي، عبد الحميد الشالجي، نظيف الشاوي، احمد رشدي، رؤوف الكبيسي ، خليل زكي وخالد الزهاوي.ـ
يقول رحمه الله: (اوشكت آمالنا بالسفر الى استانبول للالتحاق بالكلية الحربية ان تتحقق بعد ايام قلائل، لولا ان حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد حدثت مشادة كلامية بين اثنين من زملائي ، ثم تطور النزاع الى الضرب ، وحين امعن احدهما بضرب الآخر ضربا مبرحا لم يسع رفاق هذا الا مناصرته، فخف زملاء الاول ايضا الى مؤازرته وتوسعت شقة النزاع.ـ
انتهى النزاع بتدخل المسؤولين، وقدم الطلاب الثمانية المتخاصمون التالية اسماؤهم الى مجلس المدرسين لمحاكمتهم:ــ
مولود مخلص (الموصل) ، شاكر وفي (الموصل) ، مصطفى عزيز (استانبول) ، سليمان فيضي ، (الموصل) ، سعيد سارة (بغداد) ، عبد الرزاق حلمي (بغداد) ، اسماعيل حقي (بغداد) ، فؤاد نظيف (دمشق).ـ
احال مجلس المدرسين اوراق التحقيق الى نظارة الحربية في استانبول فاصدرت حكمها بفصل الطلاب المذكورين فصلا نهائيا من المدرسة، على ان يلتحق من هم في السن القانونية للجندية بالخدمة الفعلية فورا، ويؤجل من لم يبلغها حتى بلوغه السن المذكورة بعد ربطه بكفالة.ـ
وقد ساعدني على تاجيل الخدمة المذكورة كون ولادتي مسجلة بدفتر النفوس عام1988.ـ
ولتخلصه من الخدمة ، التجأ بعد سفر شاق على الجمال دام اربعة عشر يوما ، الى الامير عبد العزيز الرشيد في نجد ، الذي ابرق الى الباب العالي لاعفائه من الخدمة فاستجيب طلبه في نيسان (ابريل) 1904
رجع سليمان فيضي بعد ذلك الى البصرة وبدأ بدراسة القانون ليعين بعدها عضوا في احد محاكمها ويستقر فيها. وفي العام 1911 سافر الى الاستانة للحصول على شهادة الحقوق مما فتح المجال امامه للانخراط بالعمل السياسي من اوسع ابوابه.ـ
ففي العام 1914 فاز سليمان فيضي وهو في سن التاسعة والعشرين بالانتخابات واصبح نائبا عن ولاية البصرة ليصل الى استانبول في آذار 1914 ويحضر افتتاح المجلس النيابي العثماني (مجلس المبعوثان) في نيسان.ـ
كما انه ساهم في استقلال العراق وانشاء الدولة العراقية الحديثة لينتخب في العام 1935 نائبا في مجلس النواب العراقي.ـ
اذن ، فهو من ذلك الصنف من الرجال العصاميين الذين لديهم المقدرة على المثابرة للتغلب على العقبات باصرار كبير لتحقيق اهدافهم النبيلة.ـ
وهو ايضا من ذلك الرعيل الاول من رواد النهضة العربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الذين عملوا باخلاص على مكافحة الظلم والجهل والفقر والمرض وغيرها من الآفات التي كانت تنخر في جسد الامة.ـ
اعتزل السياسة في العام 1937 ليعكف على مزاولة المحاماة بعد خبرته الطويلة في هذا الجال ، حيث انه كان قد عين عضوا في محكمة استئناف العراق في العام 1919 ومن ثم قام بالتدريس في كلية الحقوق للسنتين الدراسيتين 1920-1921 و1921-1922 ، اضافة الى المطالعة والدرس.ـ
قام رحمه الله بجمع مذكراته خلال فترة مرضه الاخيرة ابتداء من 1948 وكتابة بعضا منها وحين اشتد مرضه قام باملائها على ابنته ليلى ليقوم ولده الدكتور عبد الحميد بصياغة عباراتها وربط اوصالها الا ان الاجل المحتوم عاجله في كانون ثاني 1951 قبل ان تنشر مذكراته في 1952 تحت عنوان (في غمرة النضال). صدرت بعدها الطبعة الثانية في 1974 واخيرا صدرت الطبعة الاخيرة بحلتها الجميلة في 1998
لقد كانت ولا زالت المذكرات مرجعا قيما وسجلا اصيلا وامينا ، ووصفا شاملا لسلسلة الاحداث الجسام خلال فترة الصحوة العربية واستقلال العراق. وقد اعتمدها المؤرخون والباحثون العرب والاجانب في العديد مما نشروه من كتب ودراسات تاريخية , سياسية ، واجتماعية اذ قليلا ما يخلو بحث في هذا المجال عن تلك الفترة من الاشارة اليها او الاقتباس منها.ـ
لقد كان رحمه الله ذا اسلوب سهل وديباجة انيقة رشيقة مما ساعده على غزارة الانتاج ونشر العديد من مؤلفاته المدرجة في القائمة ادناه بالرغم من اعبائه الكبيرة الاخرى
| لقراءة المقال كاملا مع الصور و المصادر :ـ يرجى تحميل الملف المجاور |