مسرحية للأطفال
هذا هوـ ـ
ـ ابن الجصاص
طلال حسن
غرفة ، جاريتان ، الأولى
تحضن قطة صغيرة
الأولى : يا للعجب , هذه ليست عادته.
الثانية : " تنظر إليها " ...
الأولى : "بغنج " سيدي .
الثانية : آه .
الأولى : لم يفق حتى الآن .
الثانية : بل أفاق .
الأولى : أفاق ! " تقبل قطتها " لم أره .
الثانية : سمعته , قبـل قليل , يتحدث أمام المرآة .
الأولى : نعم , إنه يختار وجهه لهذا اليوم .
الثانية : يختار وجهه !
الأولى : لسيدي وجه لكل يوم , ولكل ... .
الثانية : ما أراه , ويراه معي الجميع , أن للإنسان
وجهاً واحداً .
الأولى : ليس الجميع , الحمقى فقط .
الثانية : " تحدق فيها مغالبة انفعالها " ....
الأولى : "وهي تقبل قطتها " وسيدي يعرف أنني
لست منهم.
الثانية : أبعدي هذه القطة , مادمت لست حمقاء .
الأولى : " تهز كتفيها بدلال " ....
الثانية : قد يغضب سيدي منك , إذا رآها هنا .
الأولى : لن يغضب .
الثانية : إنه يكره القطط .
الأولى : سيحب هذه القطة .
الثانية : " تنظر إليها "....
الأولى : " بدلال " لأني أحبها .
الثانية : من يدري .
الأولى : سيحبها , وسترين .
الثانية : ليتني أعرف حقيقته .
الأولى : " تحاول إغاظتها " لو لم تكوني حمقاء
لعرفت .
الثانية : أنا حمقاء ! " تطارد الأولى " انتظري .
الأولى : " تهرب ضاحكه "....
الثانية : " تواصل مطاردتها " سأنتف شعر قطتك
المدللة.
الأولى :" وهي تهرب منها ضاحكة " حذار, لا تقربي
قطتي , وإلا غضب سيدي منك .
الثانية : اخبريني " تتوقف لاهثة " أنت أللست
حمقاء .
الأولى : " تتوقف ضاحكة " لعنك الله , لقد أتعبتني .
الثانية : ما هي حقيقته؟ سيدي .
الأولى : إنه ابن الجصاص .
الثانية : عرفت الماء , بعد الجهد , بالماء .
الأولى : بل عرفت سيدي , افهمي .
الثانية : لقد نظر في المرآة مرة , فقال , اللهم بيض
وجوهنا يوم تبيض الوجوه ..
الأولى : " تبتسم " ....
الثانية : وسود وجوهنا يوم تسود الوجوه .
الأولى : نعم , وقد اعتل مره , فقيل له , كيف تجدك
يا أبا عبد الله , فقال الدنيا كلها محمومة .
الثانية : وكسر يوماً لوزاً ، فطارت لوزة ، فقال ، لا
إله إلا الله ، كل شيء يهرب من الموت حتى
البهائم .
الأولى : " تضحك " ها ها ها .
الثانية : اللوزة عنده من البهائم .
الأولى : لا فائدة " تهز رأسها " من الصعب أن
تفهمي .
الثانية : حسن ، اسمعي هذه .. .
الأولى : بل اسمعي أنت .. .
الثانية : دخل على الزجّاج ، وعنده خلق من الرؤساء
والكتاب ، يعزونه في أمه ، فقال له ضاحكاً
، الحمد لله ، قد سرني والله يا أبا اسحق ،
فدهش الزجّاج ومن حضر ، وقيل له ، ياهذا
، كيف سرك ما غمه وغمنا ؟ فقال ، ويحك
بلغني أنه هو الذي مات ، فلما صحّ عندي
أنها أمه هي التي ماتت ، سرني ذلك .
الأولى : " تحدق فيها " ....
الثانية : هذا هو جصاصك .
الأولى : سألته مرة ، ما أفضل ما يتركه الناس
لأولادهم ؟
الثانية : حسن ، بما أجابك ؟
الأولى : لم يجبني ، بل سألني أنت ماذا تقولين ؟
الثانية : طبعاً ، أنت ذكيته ، قولي .
الأولى : قلت له ، العقار .. .
الثانية : فقال لك ، أحسنت .
الأولى : وإن كان الأفضل ، كما يرى المنكوبون من
أكابرالأمويين .. .
الثانية : " تنظر إليها " ....
الأولى : الجواهر .
الثانية : الجواهر ، نعم أنا معك .
الأولى : لكنه قال ، كلا .
الثانية : ماذا !
الأولى : الجواهر لا تساوي شيئاً .. .
الثانية : إنه ابن الجصاص ، أرأيت ؟
الأولى : بدون الأخوان .
الثانية : " تصمت " ....
الأولى : ها ؟
الثانية : إنني محتارة ، ليتني .. .
الأولى : صه " تنصت " إنه قادم ، سيدي .
يدخل ابن الجصاص
مرتدياً ملابس الخروج الأولى : سيدي .. .
الثانية : أسعدت صباحاً يا سيدي .
ابن الجصاص : نعم ؟
الثانية : قلت يا سيدي .. .
ابن الجصاص : " للأولى " من هذه ؟
الثانية : جاريتك يا .. .
ابن الجصاص : هذا حق ، إنها جاريتي ، فمن أنت ؟
الثانية : سيدي ، أنا ...
ابن الجصاص : أمها ، الأمر واضح .
الثانية : " تصمت مغتاظة " ....
ابن الجصاص : أردت أن تقولي لي شيئاً .
الأولى : " تتمالك نفسها " ...
ابن الجصاص : لا تخجلي من أمك .. .
الأولى : " تغالب ضحكتها " ...
ابن الجصاص : إنني أصغي ، هيا ، قولي .
الأولى : سيدي .
ابن الجصاص : " يحدق في القطة " نعم .
الأولى : نحن نعد طعام الفطور .
ابن الجصاص : " للقطة " إصغي ، إنهم يعدون طعام
الفطور " يحدق في الثانية " لمن ؟
الثانية : " يرتج عليها " سيدي ..
الأولى : لك ، لك يا سيدي .
ابن الجصاص : مهلاً ، سنقتسمه .
الأولى : أرجوك لا تخرج حتى تفطر .
ابن الجصاص : " للثانية " لم أقل لك ، أنني سأخرج
اليوم .
الثانية : " محرجة " سيدي " تشير إلى الأولى "
هي.
ابن الجصاص : " ينظر إلى الأولى " ....
الأولى : ظننت .. .
ابن الجصاص : إن بعض الظن إثم .
الأولى : رأيتك مرتدياً ملابس الخروج .
ابن الجصاص: آه ، ملابسي هذه ، لقد ارتديتها ، حين
خرجت البارحة ، بعد منتصف الليل .
الثانية : " تتسع عيناها " ....
الأولى : سيدي .. .
ابن الجصاص : وحين عدت ، قبيل الفجر ، كنت متعباً
، فلم أخلعها ، ونمت بها .
الثانية : " تنظر إلى الأولى " ....
الأولى : " تمسد شعر قطتها " ....
ابن الجصاص : " ينظر إلى القطة " آه ، يا للجمال .
الأولى : " ترمق الثانية فرحة " ....
ابن الجصاص : لم أر طول حياتي كلباً بهذا الجمال .
الثانية : " تتمتم مذهولة " كلباً !
ابن الجصاص : طبعاً هذا نسناس ، وقد جاءوا بواحد
يشبهه ، من جزيرة واق واق .
الثانية : سيدي ، إنها هريرة .
ابن الجصاص : " ينظر إلى الأولى "....
الأولى : " تهز رأسها " ....
ابن الجصاص : يا الله ، أعرف ، إنها .. .
الأولى : هريرة .
ابن الجصاص : هريرة ، نعم ، هريرة .
الثانية : " تتابعه مذهولة " ....
الأولى : ليتك رأيت أمها يا سيدي ، إنها تشبهها
تماماً .
ابن الجصاص : يا للعجب ، الكلب عادةً يشبه أباه .
الأولى : " تصمت " ....
ابن الجصاص : أخبريني ، هل أمها ذكر أم أنثى ؟
الثانية : " تنظر إلى الأولى " ....
الأولى : سيدي ... .
ابن الجصاص : مهما يكن ، إياك أن تقدمي لها قطعة
لحم ، إنها طائر صغير ، قدمي لها
بعض الحشيش .
الثانية : حشيش ! لكنها قطة يا سيدي .
ابن الجصاص : " للأولى " ليكن ، إن الأسد يأكل
الحشيش مرة في الأسبوع ، كي لا
يهلك .
الثانية : " تلوذ بالصمت " ....
ابن الجصاص : فاتك أن تسأليني ، أين ذهبت البارحة ،
بعد منتصف الليل .
الأولى : " تنظر إليه صامتة " ...
ابن الجصاص : ذهبت إلى الوزير .
الأولى : الوزير !
ابن الجصاص : كاد يهلك " يضحك " فقد ظنّ أنني
أحمل رسالة من الخليفة .
الأولى : لكنه على ما تقول ، يا سيدي ، رجل
غضوب شرير .
ابن الجصاص : الويل له لقد صارحته بموقفه العدائي
مني ، وخيرته بين الصلح ، وبين أن
ألجأ إلى الخليفة ، وأقدم له ألفي ألف
دينار ، ليزيحه عن الوزارة ، فاختار
الصلح .
الأولى : سيدي ، لا تأمنه ، أنت تعرفه جيداً ،
إنه غدار .
ابن الجصاص : إنني ابن الجصاص ، لقد أحلفته
على الصلح ، وحلفت أنا بعده .
الأولى : " تهلل فرحة " بوركت يا سيدي .
ابن الجصاص : وحين هممت بمغادرته ، أخرج بين
يدي مئتي غلام ، رافقوني حتى داري .
الأولى : " ينظر إلى الثانية " ....
الثانية : " تطرق صامتة " ....
البواب : " يدخل " سيدي .
ابن الجصاص : لنر ماذا وراء هذا الهدهد " للبواب "
نعم ، ماذا وراءك ؟
البواب : بالباب امرأة تستأذن .
ابن الجصاص : " للثانية " هل نأذن لها ؟
الثانية : " محرجة " سيدي .. .
ابن الجصاص : " ينظر إلى الأولى " ... ؟
الأولى : " بدلال " الأمر لك يا سيدي .
ابن الجصاص: تعنين نعم " للبواب " دعها تدخل "
ينظر إلى الأولى " فهي امرأة .
الأولى : " ترمق الثانية " ليس كل امرأة امرأة يا
سيدي .
ابن الجصاص : هيا ، لتدخل .
البواب : سمعاً وطاعة سيدي " يخرج " .
تدخل امرأة ، تضع
نقاباً ، يغطي وجهها
المرأة : " تقف قبالته صامتة " ....
ابن الجصاص : " يحدق في القطة " ميو .
القطة : " صامتة " ....
ابن الجصاص : " للقطة " يقولون عادة الحرب عليكم "
ينظر إلى الثانية " أم عمت صباحاً ؟
" ينظر إلى الأولى " أم هلّ ربيعك ؟ "
ينظر إلى المرأة " أم .. أم .. أم .. ؟
المرأة : السلام عليكم .
ابن الجصاص : " يحدق فيها صامتاً " ...
المرأة : عفواً ، ليس لدي غير .. السلام .
ابن الجصاص : هذا .. السلام .. أظن أني سمعته مرة .
المرأة : مرة !
ابن الجصاص : هذا ما أظنه حتى الآن .
المرأة : مرة !
ابن الجصاص : ظني إذن " ينظر إلى الأولى " لن يكون
إثماً.
المرأة : ليس من عادتك ، أن تبقيني واقفة .
ابن الجصاص: لقد تغيرت عادتي ، منذ أن غامت
سمائي ، واختفى القمر .
المرأة : " تنظر إليه صامتة " ....
ابن الجصاص : عفواً " يشير عليها بالجلوس " تفضلي .
المرأة : أخلِ مجلسك أولاً .
ابن الجصاص: " ينظر إلى الأولى " هذه قطتي ، "
ينظر إلى الثانية " وهذه جدتها .
الأولى : " تغالب ابتسامتها " ....
الثانية : " تتململ مغتاظة " ....
المرأة : أرجوك .
ابن الجصاص : "ينظر إلى الأولى " .... ؟
الأولى :" بدلال " الأمر لك يا سيدي .
ابن الجصاص: " للمرأة " أعطتني الأمر " للأولى
"خذي بطتك إذن , لعلي اعرف ..
السلام .
الأولى : " تغالب ابتسامتها " سمعاً وطاعة "
للثانية وهي تسير " تعالي .
الثانية : "تتبعها وتلكزها مغتاظة " هيا .
الجاريتان تخرجان , وتقفان
منصتتين خلف الباب
ابن الجصاص : مجلسي خال الآن , تفضلي .
المرأة : " ترفع النقاب عن وجهها " ...
ابن الجصاص : من ؟ قمر !
المرأة : أما زلت ُ قمر ؟
ابن الجصاص : " يطرق صامتاً " ....
المرأة : أعرف يا أبا عبد الله ..
ابن الجصاص : " ينظر إليها صامتاً " ....
المرأة : لم اعد .. قمر .
ابن الجصاص : " يبقى صامتاً "....
المرأة : أنت غاضب مني , الحق معك .
ابن الجصاص : لا , ليس الحق معي ..
المرأة : " تنظر إليه صامتة " ....
ابن الجصاص : أبو الحسن أمير , و أنا ابن الجصاص.
المرأة : هذا قدرنا , و ها أنت تاجر كبير ,له
مكانته عند الخليفة .
ابن الجصاص : " بمرارة " ربما لأني ابن الجصاص .
المرأة : نعم , ابن الجصاص الذي أعرفه .
ابن الجصاص : " ينظر إليها "....
المرأة : ولهذا جئت إليك .
ابن الجصاص : " يطرق صامتاً "....
المرأة : " كأنها تستغيث " أبا عبد الله ..
ابن الجصاص : " ينظر إليها " ....
المرأة : إنني في محنة , ولن يخرجني منها أحد
غيرك .
ابن الجصاص : ما الأمر ؟
المرأة : كما تعرف , إن زوجي أبا الحسن ,
كان أميراً من أمراء بني أمية .
ابن الجصاص : فليرحمه الله .
المرأة : " بنبرة دامعة " ها أنت تعرف بمقتله.
ابن الجصاص : الجميع يعرفون بذلك .
المرأة : "تتمالك نفسها " ....
ابن الجصاص : أكملي .
المرأة : أبو الحسن لم يترك لنا غير الجواهر ,
فهو يعرف فائدتها لنا , إذا اضطررنا
إلى الهرب , و الاختفاء .
ابن الجصاص : هذا حق , كان رجلاً حصيفاً , وقد
اشتريت له بنفسي , بعض تلك الجواهر .
المرأة : أخذت جوهرة , يوم أمس , إلى
السوق , وقدمتها لأحد التجار , فأخذها
مني , وراح ينادي الشرطة ,متهماً إياي
بالسرقة .
ابن الجصاص : " يهز رأسه " ....
المرأة : وخفت أن يفتضح أمري , فلذت بالفرار
, وبقيت الجوهرة في حوزته .
ابن الجصاص : وهذا ما أراده .
المرأة : إنها جوهرة ثمينة , تساوي أكثر من
خمسة آلاف دينار .
ابن الجصاص : أتعرفين التاجر ؟
المرأة : نعم ، اسمه عامر .
ابن الجصاص : آه .
المرأة : ودكانه قريب .
ابن الجصاص : " يصيح " أيها البواب .
البواب : " يدخل " سيدي .
ابن الجصاص : اذهب إلى التاجر عامر ، وليأتني في
الحال .
البواب : سمعاً وطاعة يا سيدي .
ابن الجصاص : أسرع .
البواب : " يخرج مسرعاً " ....
ابن الجصاص : " يشير لها أن تجلس " تفضلي ،
ارتاحي قليلاً ، ريثما يأتي .
المرأة : " تجلس " أشكرك .
ابن الجصاص : لم تسألني أين مضيت ، بعد أن فتكوا
بأبي الحسن .
ابن الجصاص : بلغني أنك ذهبت إلى مصر .
المرأة : نعم ، هربت بابنتي خوفاً عليها ، فهي
ابنة أبي الحسن .
ابن الجصاص : حسب علمي ، لم يسع أحد لإيذائك أو
إيذاء ابنتك .
المرأة : مهما يكن ، فقد كانت معي ثروة طائلة
من الجواهر ، وخفت أن أظهرها في
مصر ، فتؤخذ مني ، فعدت إلى هنا ،
، وكل ما معي سالم .
ابن الجصاص : وسيبقى سالماً بعون الله .
المرأة : وعونك يا أبا عبد الله .
ابن الجصاص : اطمئني ، لن أقصر في حمايتك .
المرأة : أشكرك .
ابن الجصاص : " يصمت " ....
المرأة : ربما من الأفضل ، أن أبقى متخفية ،
ولو لبعض الوقت .
ابن الجصاص : كما تشائين .
المرأة : لكني معروفة هنا ، داخل المدينة ،
وأخشى أن يتعرض لي البعض ، وابنتي
شابة صغيرة .
ابن الجصاص : لي بيت ، في بستان ، خارج المدينة ،
سأرسلك أنت وابنتك إليه ، مع بعض
أعواني ، ويمكنك أن تبقي هناك ، حتى
تنجلي الأمور .
المرأة : أشكرك ، هذا فضل لن أنساه لك مدى
الحياة .
ابن الجصاص : بل واجب ، فأنا أكن كل الاحترام لك
ولزوجك الراحل أبي الحسن .
البواب : " يدخل " سيدي .
ابن الجصاص : أين عامر ؟
البواب : بالباب يا سيدي .
ابن الجصاص : دعه يدخل .
البواب : أمر سيدي " يتجه إلى الخارج " ..
ابن الجصاص: من الأفضل أن تخرجي ، وتبقي في
مكان قريب ، حتى أرسل الجارية في
طلبك .
المرأة : نعم " ترخي النقاب على وجهها " هذا
أفضل " تخرج " ..
ابن الجصاص: آه قمر ، ليتها تعرف أنها لم تغب عن
ليلي لحظة واحدة .
يدخل البواب ، وفي
أعقابه يدخل عامر
عامر : " قلقاً " عمت صباحاً .
ابن الجصاص : عامر .
عامر : بأمرك أبا عبد الله .
ابن الجصاص : للأسف خيبت أملي ..
عامر : أبا عبد الله .
ابن الجصاص : ربما عن غير قصد .
عامر : أقلقتني ، ما الأمر ؟
ابن الجصاص : يوم أمس ، أرسلت لك امرأة من داري.
عامر : " مفكراً " نعم .
ابن الجصاص : ومعها جوهرة .
عامر : " يلوذ بالصمت " ....
ابن الجصاص : جوهرة ثمينة ، رأيت أن أحداً لا
يعرف قيمتها مثلك .
عامر : " يلزم بالصمت " ....
ابن الجصاص : أرسلتها لك بالذات لأعرف قيمتها ، لئلا
يراني الناس ، أبيع شيئاً بدون قيمته .
عامر : تذكرت المرأة .
ابن الجصاص : عرفت أنك ستتذكرها .
عامر : خيل لي , من هيئتها , أنها ليست
جارية .
ابن الجصاص : " باستنكار " بل لصة .
عامر : لا, عفواً .
ابن الجصاص : كدت تفضحها في السوق .
عامر : أبا عبد الله ...
ابن الجصاص : ليس هذا ظني فيك .
عامر : لم اعرف أنها من دارك .
ابن الجصاص : الآن عرفت .
عامر : " يمد يده إلى جيبه " وهذه هي
الجوهرة .
ابن الجصاص : هاتها .
عامر : " يقدم له الجوهرة " تفضل .
ابن الجصاص :" يأخذها " نعم "يتأملها " إنها هي
"ينظر إليه" كم يمكن أن يكون ثمنها ؟
عامر : لا أقل من خمسة آلاف دينار .
ابن الجصاص : وهذا رأيي أيضاً , أشكرك .
عامر : في الخدمة , أستأذن .
ابن الجصاص : عامر .
عامر : نعم أبا عبد الله .
ابن الجصاص : لدي بعض الجواهر , وأريد بيعها.
عامر : هناك تجار كثيرون يرحبون بالتعامل
معك .
ابن الجصاص : لا, أريدك أنت بالذات .
عامر : هذا شرف يا أبا عبد الله .
ابن الجصاص : أشكرك .
عامر : أستودعك الله .
ابن الجصاص :رافقتك السلامة .
عامر :" يهم بالخروج "....
ابن الجصاص : سأزورك قريباً ومعي الجواهر .
عامر : على الرحب والسعة "يخرج ".
ابن الجصاص :" يتأمل الجوهرة " يا للأقدار, هذه
الجوهرة اشتريتها بنفسي لأبي الحسن,
دون أن أعرف أنه سيقدمها لقمر "
يصمت ثم يصيح " أيتها الجارية .
الجارية : " تدخل " سيدي .
ابن الجصاص : جيئيني بتلك المرأة .
الجارية : أمر سيدي " تخرج "
ابن الجصاص : "يتأمل الجوهرة " ....
تدخل الجارية ,وفي
أعقابها تدخل المرأة
الجارية : سيدي .
ابن الجصاص: " يشير لها أن تخرج "....
الجارية :"تنحني ثم تخرج "....
المرأة :"ترفع نقابها" أبا عبد ألله .
ابن الجصاص:"يريها الجوهرة "....
المرأة :"فرحة" يا لله , إنها هي .
ابن الجصاص :"يقدم لها الجوهرة" تفضلي .
المرأة : "تأخذها"أشكرك ,أشكرك يا أبا عبد الله.
ابن الجصاص : إتفقت مع عامر ,أن يبيع لي بعض
الجواهر,بين حين وأخر .
المرأة :" فرحة" تعني .. .
ابن الجصاص : جواهرك طبعاً.
المرأة : أه لو تعرف أي هم أزلته عني .
ابن الجصاص : وسيبيعها لك بأعلى سعر ممكن .
المرأة : أبا عبد الله , نعم الأخ أنت , ليتني
أستطيع أن أجازيك .
ابن الجصاص : لقد جازيتني يا قمر .. .
المرأة : أبا عبد الله ؟
ابن الجصاص : جازيتني عندما لجأتِ إلي .
المرأة :"تنظر إليه دامعة العينين "....
ابن الجصاص : قمر .. .
المرأة : أبا عبد الله .
ابن الجصاص : ابنتك تنتظرك ألان .
المرأة : نعم , لقد تأخرت , لا أريد أن أتركها
وحيده "تتجه نحو الباب" فلأذهب .
ابن الجصاص : " يسير إلى جانبها "سأرافقك حتى باب
القصر.
المرأة : لا أرجوك .
ابن الجصاص : لم أعرف اسمها .
المرأة : ابنتي ! آه , شمس .
ابن الجصاص : لابد أنها شمس ما دامت ابنتك .
المرأة : " تبتسم على استحياء ".....
ابن الجصاص : ليحفظها الله ويبقيها مشرقة في حياتك .
المرأة : " تضع النقاب " ويحفظك ويحفظ
أعزاءك .
المرأة و ابن الجصاص
يخرجان , تدخل الجاريتان
الأولى : "تحضن قطتها " ها !
الثانية : "حائرة " ها .
الأولى : عرفت ابن الجصاص !
الثانية : سأعرفه .
الأولى : ما دمت لم تعرفيه , فلن تعرفيه .
الثانية : "تحاول إغاظتها " لم أر طول حياتي
نسناسة بهذا القبح .
الأولى : انظري في المرأة , وسترين .
الثانية :" تحاول ضربها " أيتها اللعينة .
الأولى :"تبتعد ضاحكة " ها ها ها .
الثانية : " تقترب منها محاكية الجصاص "أذكر
أمها أم أنثى ؟
الأولى : أمها مثلك .
الثانية : "مفكرة " مثلي !
الأولى : "تهز رأسها " ....
الثانية : أيتها اللعينة , مهما يكن ما تقصدينه ..
الأولى : "تهرب ضاحكة "ها ..ها.. ها.
الثانية : " تطاردها " سأنتف شعرك ..وشعر
قطتك النسناسة , وأترككما بدون ....
الجارية الأولى تخرج
ضاحكة , والثانية تطاردها
ستار
31/3/2001
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
هذا هوـ ـ
ـ ابن الجصاص
طلال حسن
غرفة ، جاريتان ، الأولى
تحضن قطة صغيرة
الأولى : يا للعجب , هذه ليست عادته.
الثانية : " تنظر إليها " ...
الأولى : "بغنج " سيدي .
الثانية : آه .
الأولى : لم يفق حتى الآن .
الثانية : بل أفاق .
الأولى : أفاق ! " تقبل قطتها " لم أره .
الثانية : سمعته , قبـل قليل , يتحدث أمام المرآة .
الأولى : نعم , إنه يختار وجهه لهذا اليوم .
الثانية : يختار وجهه !
الأولى : لسيدي وجه لكل يوم , ولكل ... .
الثانية : ما أراه , ويراه معي الجميع , أن للإنسان
وجهاً واحداً .
الأولى : ليس الجميع , الحمقى فقط .
الثانية : " تحدق فيها مغالبة انفعالها " ....
الأولى : "وهي تقبل قطتها " وسيدي يعرف أنني
لست منهم.
الثانية : أبعدي هذه القطة , مادمت لست حمقاء .
الأولى : " تهز كتفيها بدلال " ....
الثانية : قد يغضب سيدي منك , إذا رآها هنا .
الأولى : لن يغضب .
الثانية : إنه يكره القطط .
الأولى : سيحب هذه القطة .
الثانية : " تنظر إليها "....
الأولى : " بدلال " لأني أحبها .
الثانية : من يدري .
الأولى : سيحبها , وسترين .
الثانية : ليتني أعرف حقيقته .
الأولى : " تحاول إغاظتها " لو لم تكوني حمقاء
لعرفت .
الثانية : أنا حمقاء ! " تطارد الأولى " انتظري .
الأولى : " تهرب ضاحكه "....
الثانية : " تواصل مطاردتها " سأنتف شعر قطتك
المدللة.
الأولى :" وهي تهرب منها ضاحكة " حذار, لا تقربي
قطتي , وإلا غضب سيدي منك .
الثانية : اخبريني " تتوقف لاهثة " أنت أللست
حمقاء .
الأولى : " تتوقف ضاحكة " لعنك الله , لقد أتعبتني .
الثانية : ما هي حقيقته؟ سيدي .
الأولى : إنه ابن الجصاص .
الثانية : عرفت الماء , بعد الجهد , بالماء .
الأولى : بل عرفت سيدي , افهمي .
الثانية : لقد نظر في المرآة مرة , فقال , اللهم بيض
وجوهنا يوم تبيض الوجوه ..
الأولى : " تبتسم " ....
الثانية : وسود وجوهنا يوم تسود الوجوه .
الأولى : نعم , وقد اعتل مره , فقيل له , كيف تجدك
يا أبا عبد الله , فقال الدنيا كلها محمومة .
الثانية : وكسر يوماً لوزاً ، فطارت لوزة ، فقال ، لا
إله إلا الله ، كل شيء يهرب من الموت حتى
البهائم .
الأولى : " تضحك " ها ها ها .
الثانية : اللوزة عنده من البهائم .
الأولى : لا فائدة " تهز رأسها " من الصعب أن
تفهمي .
الثانية : حسن ، اسمعي هذه .. .
الأولى : بل اسمعي أنت .. .
الثانية : دخل على الزجّاج ، وعنده خلق من الرؤساء
والكتاب ، يعزونه في أمه ، فقال له ضاحكاً
، الحمد لله ، قد سرني والله يا أبا اسحق ،
فدهش الزجّاج ومن حضر ، وقيل له ، ياهذا
، كيف سرك ما غمه وغمنا ؟ فقال ، ويحك
بلغني أنه هو الذي مات ، فلما صحّ عندي
أنها أمه هي التي ماتت ، سرني ذلك .
الأولى : " تحدق فيها " ....
الثانية : هذا هو جصاصك .
الأولى : سألته مرة ، ما أفضل ما يتركه الناس
لأولادهم ؟
الثانية : حسن ، بما أجابك ؟
الأولى : لم يجبني ، بل سألني أنت ماذا تقولين ؟
الثانية : طبعاً ، أنت ذكيته ، قولي .
الأولى : قلت له ، العقار .. .
الثانية : فقال لك ، أحسنت .
الأولى : وإن كان الأفضل ، كما يرى المنكوبون من
أكابرالأمويين .. .
الثانية : " تنظر إليها " ....
الأولى : الجواهر .
الثانية : الجواهر ، نعم أنا معك .
الأولى : لكنه قال ، كلا .
الثانية : ماذا !
الأولى : الجواهر لا تساوي شيئاً .. .
الثانية : إنه ابن الجصاص ، أرأيت ؟
الأولى : بدون الأخوان .
الثانية : " تصمت " ....
الأولى : ها ؟
الثانية : إنني محتارة ، ليتني .. .
الأولى : صه " تنصت " إنه قادم ، سيدي .
يدخل ابن الجصاص
مرتدياً ملابس الخروج الأولى : سيدي .. .
الثانية : أسعدت صباحاً يا سيدي .
ابن الجصاص : نعم ؟
الثانية : قلت يا سيدي .. .
ابن الجصاص : " للأولى " من هذه ؟
الثانية : جاريتك يا .. .
ابن الجصاص : هذا حق ، إنها جاريتي ، فمن أنت ؟
الثانية : سيدي ، أنا ...
ابن الجصاص : أمها ، الأمر واضح .
الثانية : " تصمت مغتاظة " ....
ابن الجصاص : أردت أن تقولي لي شيئاً .
الأولى : " تتمالك نفسها " ...
ابن الجصاص : لا تخجلي من أمك .. .
الأولى : " تغالب ضحكتها " ...
ابن الجصاص : إنني أصغي ، هيا ، قولي .
الأولى : سيدي .
ابن الجصاص : " يحدق في القطة " نعم .
الأولى : نحن نعد طعام الفطور .
ابن الجصاص : " للقطة " إصغي ، إنهم يعدون طعام
الفطور " يحدق في الثانية " لمن ؟
الثانية : " يرتج عليها " سيدي ..
الأولى : لك ، لك يا سيدي .
ابن الجصاص : مهلاً ، سنقتسمه .
الأولى : أرجوك لا تخرج حتى تفطر .
ابن الجصاص : " للثانية " لم أقل لك ، أنني سأخرج
اليوم .
الثانية : " محرجة " سيدي " تشير إلى الأولى "
هي.
ابن الجصاص : " ينظر إلى الأولى " ....
الأولى : ظننت .. .
ابن الجصاص : إن بعض الظن إثم .
الأولى : رأيتك مرتدياً ملابس الخروج .
ابن الجصاص: آه ، ملابسي هذه ، لقد ارتديتها ، حين
خرجت البارحة ، بعد منتصف الليل .
الثانية : " تتسع عيناها " ....
الأولى : سيدي .. .
ابن الجصاص : وحين عدت ، قبيل الفجر ، كنت متعباً
، فلم أخلعها ، ونمت بها .
الثانية : " تنظر إلى الأولى " ....
الأولى : " تمسد شعر قطتها " ....
ابن الجصاص : " ينظر إلى القطة " آه ، يا للجمال .
الأولى : " ترمق الثانية فرحة " ....
ابن الجصاص : لم أر طول حياتي كلباً بهذا الجمال .
الثانية : " تتمتم مذهولة " كلباً !
ابن الجصاص : طبعاً هذا نسناس ، وقد جاءوا بواحد
يشبهه ، من جزيرة واق واق .
الثانية : سيدي ، إنها هريرة .
ابن الجصاص : " ينظر إلى الأولى "....
الأولى : " تهز رأسها " ....
ابن الجصاص : يا الله ، أعرف ، إنها .. .
الأولى : هريرة .
ابن الجصاص : هريرة ، نعم ، هريرة .
الثانية : " تتابعه مذهولة " ....
الأولى : ليتك رأيت أمها يا سيدي ، إنها تشبهها
تماماً .
ابن الجصاص : يا للعجب ، الكلب عادةً يشبه أباه .
الأولى : " تصمت " ....
ابن الجصاص : أخبريني ، هل أمها ذكر أم أنثى ؟
الثانية : " تنظر إلى الأولى " ....
الأولى : سيدي ... .
ابن الجصاص : مهما يكن ، إياك أن تقدمي لها قطعة
لحم ، إنها طائر صغير ، قدمي لها
بعض الحشيش .
الثانية : حشيش ! لكنها قطة يا سيدي .
ابن الجصاص : " للأولى " ليكن ، إن الأسد يأكل
الحشيش مرة في الأسبوع ، كي لا
يهلك .
الثانية : " تلوذ بالصمت " ....
ابن الجصاص : فاتك أن تسأليني ، أين ذهبت البارحة ،
بعد منتصف الليل .
الأولى : " تنظر إليه صامتة " ...
ابن الجصاص : ذهبت إلى الوزير .
الأولى : الوزير !
ابن الجصاص : كاد يهلك " يضحك " فقد ظنّ أنني
أحمل رسالة من الخليفة .
الأولى : لكنه على ما تقول ، يا سيدي ، رجل
غضوب شرير .
ابن الجصاص : الويل له لقد صارحته بموقفه العدائي
مني ، وخيرته بين الصلح ، وبين أن
ألجأ إلى الخليفة ، وأقدم له ألفي ألف
دينار ، ليزيحه عن الوزارة ، فاختار
الصلح .
الأولى : سيدي ، لا تأمنه ، أنت تعرفه جيداً ،
إنه غدار .
ابن الجصاص : إنني ابن الجصاص ، لقد أحلفته
على الصلح ، وحلفت أنا بعده .
الأولى : " تهلل فرحة " بوركت يا سيدي .
ابن الجصاص : وحين هممت بمغادرته ، أخرج بين
يدي مئتي غلام ، رافقوني حتى داري .
الأولى : " ينظر إلى الثانية " ....
الثانية : " تطرق صامتة " ....
البواب : " يدخل " سيدي .
ابن الجصاص : لنر ماذا وراء هذا الهدهد " للبواب "
نعم ، ماذا وراءك ؟
البواب : بالباب امرأة تستأذن .
ابن الجصاص : " للثانية " هل نأذن لها ؟
الثانية : " محرجة " سيدي .. .
ابن الجصاص : " ينظر إلى الأولى " ... ؟
الأولى : " بدلال " الأمر لك يا سيدي .
ابن الجصاص: تعنين نعم " للبواب " دعها تدخل "
ينظر إلى الأولى " فهي امرأة .
الأولى : " ترمق الثانية " ليس كل امرأة امرأة يا
سيدي .
ابن الجصاص : هيا ، لتدخل .
البواب : سمعاً وطاعة سيدي " يخرج " .
تدخل امرأة ، تضع
نقاباً ، يغطي وجهها
المرأة : " تقف قبالته صامتة " ....
ابن الجصاص : " يحدق في القطة " ميو .
القطة : " صامتة " ....
ابن الجصاص : " للقطة " يقولون عادة الحرب عليكم "
ينظر إلى الثانية " أم عمت صباحاً ؟
" ينظر إلى الأولى " أم هلّ ربيعك ؟ "
ينظر إلى المرأة " أم .. أم .. أم .. ؟
المرأة : السلام عليكم .
ابن الجصاص : " يحدق فيها صامتاً " ...
المرأة : عفواً ، ليس لدي غير .. السلام .
ابن الجصاص : هذا .. السلام .. أظن أني سمعته مرة .
المرأة : مرة !
ابن الجصاص : هذا ما أظنه حتى الآن .
المرأة : مرة !
ابن الجصاص : ظني إذن " ينظر إلى الأولى " لن يكون
إثماً.
المرأة : ليس من عادتك ، أن تبقيني واقفة .
ابن الجصاص: لقد تغيرت عادتي ، منذ أن غامت
سمائي ، واختفى القمر .
المرأة : " تنظر إليه صامتة " ....
ابن الجصاص : عفواً " يشير عليها بالجلوس " تفضلي .
المرأة : أخلِ مجلسك أولاً .
ابن الجصاص: " ينظر إلى الأولى " هذه قطتي ، "
ينظر إلى الثانية " وهذه جدتها .
الأولى : " تغالب ابتسامتها " ....
الثانية : " تتململ مغتاظة " ....
المرأة : أرجوك .
ابن الجصاص : "ينظر إلى الأولى " .... ؟
الأولى :" بدلال " الأمر لك يا سيدي .
ابن الجصاص: " للمرأة " أعطتني الأمر " للأولى
"خذي بطتك إذن , لعلي اعرف ..
السلام .
الأولى : " تغالب ابتسامتها " سمعاً وطاعة "
للثانية وهي تسير " تعالي .
الثانية : "تتبعها وتلكزها مغتاظة " هيا .
الجاريتان تخرجان , وتقفان
منصتتين خلف الباب
ابن الجصاص : مجلسي خال الآن , تفضلي .
المرأة : " ترفع النقاب عن وجهها " ...
ابن الجصاص : من ؟ قمر !
المرأة : أما زلت ُ قمر ؟
ابن الجصاص : " يطرق صامتاً " ....
المرأة : أعرف يا أبا عبد الله ..
ابن الجصاص : " ينظر إليها صامتاً " ....
المرأة : لم اعد .. قمر .
ابن الجصاص : " يبقى صامتاً "....
المرأة : أنت غاضب مني , الحق معك .
ابن الجصاص : لا , ليس الحق معي ..
المرأة : " تنظر إليه صامتة " ....
ابن الجصاص : أبو الحسن أمير , و أنا ابن الجصاص.
المرأة : هذا قدرنا , و ها أنت تاجر كبير ,له
مكانته عند الخليفة .
ابن الجصاص : " بمرارة " ربما لأني ابن الجصاص .
المرأة : نعم , ابن الجصاص الذي أعرفه .
ابن الجصاص : " ينظر إليها "....
المرأة : ولهذا جئت إليك .
ابن الجصاص : " يطرق صامتاً "....
المرأة : " كأنها تستغيث " أبا عبد الله ..
ابن الجصاص : " ينظر إليها " ....
المرأة : إنني في محنة , ولن يخرجني منها أحد
غيرك .
ابن الجصاص : ما الأمر ؟
المرأة : كما تعرف , إن زوجي أبا الحسن ,
كان أميراً من أمراء بني أمية .
ابن الجصاص : فليرحمه الله .
المرأة : " بنبرة دامعة " ها أنت تعرف بمقتله.
ابن الجصاص : الجميع يعرفون بذلك .
المرأة : "تتمالك نفسها " ....
ابن الجصاص : أكملي .
المرأة : أبو الحسن لم يترك لنا غير الجواهر ,
فهو يعرف فائدتها لنا , إذا اضطررنا
إلى الهرب , و الاختفاء .
ابن الجصاص : هذا حق , كان رجلاً حصيفاً , وقد
اشتريت له بنفسي , بعض تلك الجواهر .
المرأة : أخذت جوهرة , يوم أمس , إلى
السوق , وقدمتها لأحد التجار , فأخذها
مني , وراح ينادي الشرطة ,متهماً إياي
بالسرقة .
ابن الجصاص : " يهز رأسه " ....
المرأة : وخفت أن يفتضح أمري , فلذت بالفرار
, وبقيت الجوهرة في حوزته .
ابن الجصاص : وهذا ما أراده .
المرأة : إنها جوهرة ثمينة , تساوي أكثر من
خمسة آلاف دينار .
ابن الجصاص : أتعرفين التاجر ؟
المرأة : نعم ، اسمه عامر .
ابن الجصاص : آه .
المرأة : ودكانه قريب .
ابن الجصاص : " يصيح " أيها البواب .
البواب : " يدخل " سيدي .
ابن الجصاص : اذهب إلى التاجر عامر ، وليأتني في
الحال .
البواب : سمعاً وطاعة يا سيدي .
ابن الجصاص : أسرع .
البواب : " يخرج مسرعاً " ....
ابن الجصاص : " يشير لها أن تجلس " تفضلي ،
ارتاحي قليلاً ، ريثما يأتي .
المرأة : " تجلس " أشكرك .
ابن الجصاص : لم تسألني أين مضيت ، بعد أن فتكوا
بأبي الحسن .
ابن الجصاص : بلغني أنك ذهبت إلى مصر .
المرأة : نعم ، هربت بابنتي خوفاً عليها ، فهي
ابنة أبي الحسن .
ابن الجصاص : حسب علمي ، لم يسع أحد لإيذائك أو
إيذاء ابنتك .
المرأة : مهما يكن ، فقد كانت معي ثروة طائلة
من الجواهر ، وخفت أن أظهرها في
مصر ، فتؤخذ مني ، فعدت إلى هنا ،
، وكل ما معي سالم .
ابن الجصاص : وسيبقى سالماً بعون الله .
المرأة : وعونك يا أبا عبد الله .
ابن الجصاص : اطمئني ، لن أقصر في حمايتك .
المرأة : أشكرك .
ابن الجصاص : " يصمت " ....
المرأة : ربما من الأفضل ، أن أبقى متخفية ،
ولو لبعض الوقت .
ابن الجصاص : كما تشائين .
المرأة : لكني معروفة هنا ، داخل المدينة ،
وأخشى أن يتعرض لي البعض ، وابنتي
شابة صغيرة .
ابن الجصاص : لي بيت ، في بستان ، خارج المدينة ،
سأرسلك أنت وابنتك إليه ، مع بعض
أعواني ، ويمكنك أن تبقي هناك ، حتى
تنجلي الأمور .
المرأة : أشكرك ، هذا فضل لن أنساه لك مدى
الحياة .
ابن الجصاص : بل واجب ، فأنا أكن كل الاحترام لك
ولزوجك الراحل أبي الحسن .
البواب : " يدخل " سيدي .
ابن الجصاص : أين عامر ؟
البواب : بالباب يا سيدي .
ابن الجصاص : دعه يدخل .
البواب : أمر سيدي " يتجه إلى الخارج " ..
ابن الجصاص: من الأفضل أن تخرجي ، وتبقي في
مكان قريب ، حتى أرسل الجارية في
طلبك .
المرأة : نعم " ترخي النقاب على وجهها " هذا
أفضل " تخرج " ..
ابن الجصاص: آه قمر ، ليتها تعرف أنها لم تغب عن
ليلي لحظة واحدة .
يدخل البواب ، وفي
أعقابه يدخل عامر
عامر : " قلقاً " عمت صباحاً .
ابن الجصاص : عامر .
عامر : بأمرك أبا عبد الله .
ابن الجصاص : للأسف خيبت أملي ..
عامر : أبا عبد الله .
ابن الجصاص : ربما عن غير قصد .
عامر : أقلقتني ، ما الأمر ؟
ابن الجصاص : يوم أمس ، أرسلت لك امرأة من داري.
عامر : " مفكراً " نعم .
ابن الجصاص : ومعها جوهرة .
عامر : " يلوذ بالصمت " ....
ابن الجصاص : جوهرة ثمينة ، رأيت أن أحداً لا
يعرف قيمتها مثلك .
عامر : " يلزم بالصمت " ....
ابن الجصاص : أرسلتها لك بالذات لأعرف قيمتها ، لئلا
يراني الناس ، أبيع شيئاً بدون قيمته .
عامر : تذكرت المرأة .
ابن الجصاص : عرفت أنك ستتذكرها .
عامر : خيل لي , من هيئتها , أنها ليست
جارية .
ابن الجصاص : " باستنكار " بل لصة .
عامر : لا, عفواً .
ابن الجصاص : كدت تفضحها في السوق .
عامر : أبا عبد الله ...
ابن الجصاص : ليس هذا ظني فيك .
عامر : لم اعرف أنها من دارك .
ابن الجصاص : الآن عرفت .
عامر : " يمد يده إلى جيبه " وهذه هي
الجوهرة .
ابن الجصاص : هاتها .
عامر : " يقدم له الجوهرة " تفضل .
ابن الجصاص :" يأخذها " نعم "يتأملها " إنها هي
"ينظر إليه" كم يمكن أن يكون ثمنها ؟
عامر : لا أقل من خمسة آلاف دينار .
ابن الجصاص : وهذا رأيي أيضاً , أشكرك .
عامر : في الخدمة , أستأذن .
ابن الجصاص : عامر .
عامر : نعم أبا عبد الله .
ابن الجصاص : لدي بعض الجواهر , وأريد بيعها.
عامر : هناك تجار كثيرون يرحبون بالتعامل
معك .
ابن الجصاص : لا, أريدك أنت بالذات .
عامر : هذا شرف يا أبا عبد الله .
ابن الجصاص : أشكرك .
عامر : أستودعك الله .
ابن الجصاص :رافقتك السلامة .
عامر :" يهم بالخروج "....
ابن الجصاص : سأزورك قريباً ومعي الجواهر .
عامر : على الرحب والسعة "يخرج ".
ابن الجصاص :" يتأمل الجوهرة " يا للأقدار, هذه
الجوهرة اشتريتها بنفسي لأبي الحسن,
دون أن أعرف أنه سيقدمها لقمر "
يصمت ثم يصيح " أيتها الجارية .
الجارية : " تدخل " سيدي .
ابن الجصاص : جيئيني بتلك المرأة .
الجارية : أمر سيدي " تخرج "
ابن الجصاص : "يتأمل الجوهرة " ....
تدخل الجارية ,وفي
أعقابها تدخل المرأة
الجارية : سيدي .
ابن الجصاص: " يشير لها أن تخرج "....
الجارية :"تنحني ثم تخرج "....
المرأة :"ترفع نقابها" أبا عبد ألله .
ابن الجصاص:"يريها الجوهرة "....
المرأة :"فرحة" يا لله , إنها هي .
ابن الجصاص :"يقدم لها الجوهرة" تفضلي .
المرأة : "تأخذها"أشكرك ,أشكرك يا أبا عبد الله.
ابن الجصاص : إتفقت مع عامر ,أن يبيع لي بعض
الجواهر,بين حين وأخر .
المرأة :" فرحة" تعني .. .
ابن الجصاص : جواهرك طبعاً.
المرأة : أه لو تعرف أي هم أزلته عني .
ابن الجصاص : وسيبيعها لك بأعلى سعر ممكن .
المرأة : أبا عبد الله , نعم الأخ أنت , ليتني
أستطيع أن أجازيك .
ابن الجصاص : لقد جازيتني يا قمر .. .
المرأة : أبا عبد الله ؟
ابن الجصاص : جازيتني عندما لجأتِ إلي .
المرأة :"تنظر إليه دامعة العينين "....
ابن الجصاص : قمر .. .
المرأة : أبا عبد الله .
ابن الجصاص : ابنتك تنتظرك ألان .
المرأة : نعم , لقد تأخرت , لا أريد أن أتركها
وحيده "تتجه نحو الباب" فلأذهب .
ابن الجصاص : " يسير إلى جانبها "سأرافقك حتى باب
القصر.
المرأة : لا أرجوك .
ابن الجصاص : لم أعرف اسمها .
المرأة : ابنتي ! آه , شمس .
ابن الجصاص : لابد أنها شمس ما دامت ابنتك .
المرأة : " تبتسم على استحياء ".....
ابن الجصاص : ليحفظها الله ويبقيها مشرقة في حياتك .
المرأة : " تضع النقاب " ويحفظك ويحفظ
أعزاءك .
المرأة و ابن الجصاص
يخرجان , تدخل الجاريتان
الأولى : "تحضن قطتها " ها !
الثانية : "حائرة " ها .
الأولى : عرفت ابن الجصاص !
الثانية : سأعرفه .
الأولى : ما دمت لم تعرفيه , فلن تعرفيه .
الثانية : "تحاول إغاظتها " لم أر طول حياتي
نسناسة بهذا القبح .
الأولى : انظري في المرأة , وسترين .
الثانية :" تحاول ضربها " أيتها اللعينة .
الأولى :"تبتعد ضاحكة " ها ها ها .
الثانية : " تقترب منها محاكية الجصاص "أذكر
أمها أم أنثى ؟
الأولى : أمها مثلك .
الثانية : "مفكرة " مثلي !
الأولى : "تهز رأسها " ....
الثانية : أيتها اللعينة , مهما يكن ما تقصدينه ..
الأولى : "تهرب ضاحكة "ها ..ها.. ها.
الثانية : " تطاردها " سأنتف شعرك ..وشعر
قطتك النسناسة , وأترككما بدون ....
الجارية الأولى تخرج
ضاحكة , والثانية تطاردها
ستار
31/3/2001
للعودة إلى الصفحة الرئيسة