بقلم :- محمد صالح يا سين الجبوري
واقع مضطرب.. فوضى وعدم استقرار .. مشاكل وهموم.. هكذا بدت تمر الأيام علينا بارهاصاتها المتعبة، ليبقى الماضي في حسنا أجمل من الحاضر، وذكرياته لا تكاد تفارق الخيال. لكنني رغم ذلك، ومع تساقط رذاذ المطر الممزوج بنسمات هواء عليل ترافقه في جو ينساب رويدا نحو الربيع، فضلت الجلوس في إحدى المقاهي القريبة من مركز السوق لتناول الشاي، وأخذ قسط من الراحة .. كان المقهى مزدحما بالرواد، وصاحب المقهى يسأل عنهم أثناء تقديم الشاي ..أين سعيد ؟ فيأتيه الجواب: لديه مريض في المستشفى ..أين ذنون ؟ اليوم لديه مراجعة لمعاملته التقاعدية.. فجأة دخل شخص متوسط العمر تبدو عليه علامات الفرح والسرور.. وقف بباب المقهى وألقى السلام على الرواد : الخميس القادم انتم مدعوون للعشاء بمناسبة زواج خليل.. بارك الجميع له مناسبة الزواج .. التفت إلي أحد الأشخاص وقال : الحمد لله تحققت أمنية خليل بهذا الزواج ...خليل شاب شهم محبوب من أهل المحلة، ونشمي له مواقف يتذكرها أهلها في الدفاع عنهم، ومن تلك الحوادث، قيام مجموعة من الشباب الطائش بالوقوف أمام طريق طالبات المحلة باستهتار وتحدٍ... ،
أقسم خليل انه سيتصدى لهم وحده ..وفعلا ذهب خليل في الصباح الباكر، وانتظر قدومهم، وما ان سمع كلامهم الجارح، حتى هجم عليهم بسرعة، وأشبعهم ضربا، ولقنهم درسا في الأخلاق، ومن ذلك اليوم لم يجرؤا من الوصول الى ذلك المكان... كنت أراقب الأحداث في المقهى ..لست أنا الوحيد الذي يحمل مشاكلا وهموما، فكل واحد من الجالسين لديه من المشاكل ما يكفيه.. قدم لي أحدهم سيكارة، لكني اعتذرت لأني لا أدخن, وأكره التدخين، ثم علمت انه يريد الحديث معي ..
قال لي لماذا ترفض سيكارتي ؟
قلت له: معذرة أنا لا ادخن ولا احب التدخين،
فقال: وانا ايضا لا ادخن، ولكنني مضطر للتدخين على قاعدة المثل (أش جابرك على المر غير الأمر منه)، ثم استطرد يحدثني، كنت ميسور الحال، اعمل في محلي من الصباح حتى المساء، وأعيش بعيدأ عن المشاكل، واشعر بالسعادة مع عائلتي وأطفالي.. وفي أحد الأيام زارني صديق إلى محل عملي، وجلس يحدثني عن مشاريعه المستقبلية والإرباح التي سوف يجنيها من تلك المشاريع، وانه سوف يقترض مبلغا من المال ويسدده من الأرباح .. طلب مني أن أكون كفيلا ضامنا وهو امر لا يكلفنى سوى الذهاب إلى المحكمة حاملا سند البيت .. في البداية رفضت، لكنه حاول إقناعي وحلف أغلظ الأيمان انه سيكون صادقا معي، فهو سوف لن ينسى موقفي الشهم تجاهه ... وفي صباح اليوم التالي توجهت إلى المحكمة وتكفلته. وفي أحد الايام عدت الى البيت وجدت تبليغا من المحكمة يقضي بحضور إليها بالتاريخ الذي حددته للحضور، قرأت التبليغ عدة مرات واستغربت ان استدعى، فانا لم أتشاجر مع أحد قط، ولم تكن لدي مشكلة تستوجب ذلك. توجهت الى المحكمة، وجلست انتظر دوري وبعد ساعة نادى القاضي باسمي، سلمت عليه ودخلت ..
فتح ملفا وقال لي : أنت حامد
قلت : نعم ،
قال : أنت قبل عدة سنوات تكفلت أحد الأشخاص ولم يسدد ما بذمته، لذا قررت المحكمة حجز بيتك، وإعلانه للبيع عن طريق المزاد العلني .. ..،
خرجت من المحكمة وانا ابحث عنه في المنطقة، فقال لي صاحب محل فيها ان من كفلته سافر خارج البلاد منذ سنوات ..
هكذا اذن خسرت يا اخي بيتي وعملي، وأنا في حيرة من أمري، واصلت طريقي بصمت واندهاش وانا احدث نفسي بما شاع من المثل :
(أن الكفالة أولها شهامة ووسطها ندامة وآخرها غرامة)
للعودة الى الصفحة الرئيسة