ذكريات رمضانية فوق سطح جامع النبي يونس عليه السلام
صبحي صبري
يحفل جامع النبي يونس عليه السلام في مدينة الموصل بتوافد الصائمين أفواجاً إليه قبيل اذان المغرب في شهر رمضان المبارك ، انتظاراً لصلاة المغرب وموعد الإفطار في هذا المعلم الديني العريق ، الذي يعبق برائحة الإيمان والعبادة على مر التاريخ ، وبعد العصر بقليل يجلب الصائمون ما يقدرون عليه من طعام ويضعونه في خدمة الصائمين ، الذين يصلون المغرب ويتناولون قدراً قليلاً من التمر واللبن والطعام قبل انطلاقهم إلى بيوتهم لمشاطرة عوائلهم وجبة الإفطار في هذا الجامع المبارك ، وفي هذا الشهر الكريم ، التقينا عدداً من الشخصيات والمواطنين للحديث عن المعاني الروحية ، وذكريات الصائمين وعن هذا الشهر المقدس في التاريخ القريب للموصل داخل وخارج المدينة .. وكان أول المتحدثين الشيخ محمد عبد الوهاب الشماع امام وخطيب جامع النبي يونس الذي حمد الله عز وجل وصلى على رسوله الأمين وآله وصحبه وخصنا بحديث روحي قال فيه :ـ
إن أول ما يبهر الإنسان من شرائع الإسلام وشعائره التي لها الحظ الأكبر في الحياة الروحية للمسلمين هو فريضة الصيام .. إنها فريضة سامية في الحكم والأهداف ، وهي تربية إسلامية رائعة ورياضة نفسية هادئة تمتد شهراً من الزمان فتصل الإنسان بخالقه عز وجل ، وبالملكوت الأعلى والنور الأسمى فتبعث في النفس طهراً وفي القلب نوراً فتتلاشى ظلمات الحياة أمام نور المعرفة الخالد ، وتفنى أشباح المادية الطاغية المسيطرة على الناس فيستعيد الإنسان إيمانه بربه وبالقيم الدينية الحضارية النافعة وإن المؤمنين الصالحين من أمتنا الإسلامية كانوا يولون شهر رمضان المبارك قسطاً كبيراً وحظاً عظيماً من العناية والاهتمام فيسعون إلى الإصلاح بين الناس ، اصلاح ذات البين ، كما يسعون إلى الترفيه عن الفقراء ومواساة المنكوبين والبائسين وإطعام المحرومين والجائعين ومد يد العون والمساعدة للمحتاجين ، فكان الشهر كله طهراً وبراً وإحساناً ورحمة وهداية ومحبة بين الناس جميعاً .ـ
ويضيف الحاج يونس محمد علي متطرقاً إلى طقوس وتقاليد الموصلين في هذا الشهر الكريم قائلاً :ـ
- بحلول شهر رمضان ترتدي المدينة ثياب رمضان الطاهرة وتخصص حياتها للفرح بهذا الشهر الخاص جداً في حياة المسلمين وأنا أتذكر كيف كان آباؤنا يصطحبونا إلى الجوامع للصلاة وأداء صلاة التراويح .. وكان الأطفال يصعدون إلى السطوح قبيل أذان المغرب لرؤية قناديل المنارة المنتشرة على امتداد المدينة والتي كان توهج الضوء فيها إيذاناً بحلول موعد الإفطار وعندئذٍ كان الأطفال يصيحون على السطوح : أذان ، أذان ، فيعرف الأهالي أن موعد الإفطار قد حل ويباشرون بالإفطار ، وقبيل المغرب تخلو الشوارع والأرصفة من المارة وتقفل المحلات والأسواق أبوابها ويخلد الجميع إلى موائد الإفطار ، فتحس أن المدينة كلها تجلس في حضن وقدسية رمضان ومكانته العميقة في النفوس .. إن شهر رمضان مليء بالبركة والعافية وهو جلاب الرزق الحلال .ـ
ومن حياة الريف في شهر رمضان الكريم ، يحدثنا السيد علوان جاسم محيميد مستذكراً شهر رمضان في ماضية ، قائلاً :ـ
لم يكن يوجد في الريف كهرباء أو اجهزة تلفزة ، وكنا نعتمد على الشمس في معرفة المغرب عن اكتمال المغيب ونهوض الليل من الجهة الشرقية حيث يأخذ الليل عمودين فنقول صار المغرب ونفطر ، وكذلك في معرفة الصلوات الخمس نعتمد على الشمس والنجوم ، وكنا نرسل اشخاصاً إلى المدينة لمعرفة بدء هذا الشهر المبارك وكذلك حلول العيد من سؤال العلماء ، وكانت مائدة الإفطار في الريف تحفل بما هو مطبوخ بالدهن الحر مثل البرغل مع التمر والبيض واللبن والكبة وعيش اللبن ونستعيض عن اللحم غالباً بالأكلات المطبوخة بالدهن الحر وعندما يحل رمضان في شهر آذار يصير الاعتماد على القشطة والحليب والزبدة و ( الخميعة ) و ( اللبي ) وهو حليب النعجة بعد الولادة مباشرة حيث يغل ويترك فيتجمد ، ويؤكل بطعمه الحلو الطيب ..ـ
وكانت العوائل تتصافى في رمضان ويتصالح المتخاصمون ، حيث يزورون بعضهم وينسون الخلاف الذي كان بينهم ويسود الوئام والمحبة والتسامح .ـ
اما السيد ذنون يونس القيسي الذي بادرنا هو بالقول :ـ
رمضان هو شهر الطاعة والغفران والاحسان ننتظره بفارغ الصبر وكما قال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ان شهر رمضان عند الله هو افضل الشهور وايامه افضل الايام ولياليه افضل الليالي وساعاته افضل الساعات ، واذا صام المسلم يجب عليه ان يصوم سمعه وبصره ولسانه عن الكذب والمحارم ، ولا يجعل يوم صومه ويوم فطره سواء ..ــ
مع أذان المغرب ، نهضنا مع حشد كبير من الصائمين لأداء صلاة المغرب في أحد أيام شهر رمضان بعد أن تناولنا عدة تمرات خيراً وبركة من معين هذا الشهر الذي تنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .ـ
عودة الى الصفحة الرئيسة