نافذة على الصحافة
1
نطل من هذه النافذة على بعض المقالات والاخبار الاجتماعية والثقافية
من اعمدة الصحف العراقية ، ونبدأ اليوم بمقالتين من جريدة المدى : تعكس الاولى مدى الاهمال الشائع
بكثير من معالم التراث في العراق . نتعرف من خلال المقال على شخصية معمارية عراقية كبيرة تتمثل في المعمار الراحل
قحطان عوني و مساهماته في تطوير الممارسة المعمارية المحلية.
والمقالة الثانية للفنان سامي عبدالحميد يتحدث فيها عن استعمال القناع و جذور نشأته التاريخية
والمسرحية.
المحرر الاعلامي - بيت الموصل
*
1
نطل من هذه النافذة على بعض المقالات والاخبار الاجتماعية والثقافية
من اعمدة الصحف العراقية ، ونبدأ اليوم بمقالتين من جريدة المدى : تعكس الاولى مدى الاهمال الشائع
بكثير من معالم التراث في العراق . نتعرف من خلال المقال على شخصية معمارية عراقية كبيرة تتمثل في المعمار الراحل
قحطان عوني و مساهماته في تطوير الممارسة المعمارية المحلية.
والمقالة الثانية للفنان سامي عبدالحميد يتحدث فيها عن استعمال القناع و جذور نشأته التاريخية
والمسرحية.
المحرر الاعلامي - بيت الموصل
*
1 ـ
ـ "دارة المنصور" :ـ
عندما يغدو السكن إبداعاً تشكيلياً..ايضاً
د. خالد السلطاني
المصدر : جريدة المدى - 10-5-2014
يعتصر قلبي ألماً وأسفاً للمصير التراجيدي الذي أصاب واحدا من اجمل نماذج العمارة العراقية الحداثية. وأشعر بغصة حزن عميق، وأنا أرى مصيره الفاجع، وما آل اليه من خراب وتهديم واضمحلال.
نحن، نتحدث عن رائعة المعمار قحطان عوني (1926-1972): "الدارة السكنية" في المنصور (1966)، والتي اعدها من كنوز ما أنتجته العمارة العراقية الحداثية؛ إن كان لناحية نوعية المقاربة المعمارية التي اصطفاها المعمار لـ "ثيمته" السكنية، ام لجهة حداثة وجدة المفردات التصميمية لتكوين تلك الدارة. لم يكن احد يتصور ان نوعية استخدامات الموقع المختار للدارة، كما هي مجاوراته في ذلك الحيّ السكني الهادئ، سيطرأ عليه تغيير دراماتيكي وبسرعة كبيرة، بحيث تنقلب طبيعة البناء السكني فيه ذو الارتفاع الواطئ، الى نوعية استخدامات أخرى، أفضت الى تبدل تام في خاصية ضوابط البناء واشتراطاته، ما اثر سلبا على عمارة الدارة السكنية، واخل في مقياسها، المقياس المنتقى بعناية، وفقاً لمشروطية خاصية ذلك البناء وحالاته المعيارية. وبظهور مبنى فرع مصرف الرافدين (1969) المجاور للدارة (المعمار: رفعة الجادرجي)، والمطل على ساحة الشارع العام، وحائطه الأصم العالي، من جانب، ومن جانب آخر، بزوغ المبنى المتعدد الطوابق(1976)، الذي شغلته لاحقا السفارة الروسية، (المعار: كمال تاج الدين)، فان عمارة الدارة اياها، التي انحصرت بينهما، بدت وكأنها "عنصراً" غريبا ومغرّباً عن بيئته المكانية، وبمقياس غدا وكأنه، أيضاً، لا يتناسب البتة مع مشاهد المكان وحالاته البنائية. وكل ذلك افضى الى اختلال تقبل عمارة المبنى بصرياً؛ قبل ان "يتعهد" الهدم والمحو مؤخرا، لتزول تلك المأثرة المعمارية المبدعة نهائياً، وتختفي عن ذاكرة كثر من المعماريين، ويحل محلها شيء آخر، لا نعلم مدى قدرته في ان يكون بديلاً مقنعاً لذلك "السلف" المرموق، الذي كوّن مع نماذج تصميمية أخرى ذخيرة المعمار الهامة في إثراء منتج العمارة العراقية. لكن علينا أيضاً، الإشارة هنا بأسف وألم عميقين، من ان عدداً لا بأس به من نماذج تلك الذخيرة الجادة والمميزة، قد أصابها التلف والهدم والمحو كدارة المعمار الشخصية في الوزيرية، التي أزيلت على نحو تام، والمبنى الذي شغلته السفارة السعودية بالمنصور، والذي هدم بالكامل وجزأ موقعه الى عدد كبير من "القطع"، المخالفة استحداثها كلياً لمعايير التخطيط والبناء في تلك المنطقة. ولكن مع هذا، فقد أزيل المبنى، وتم "التقطيع". ولا احد يعلم، الى ماذا ستؤول الأمور اذا كانت الأنظمة والمعايير التخطيطية تنتهك بمثل هذه "الخفة" الفظة الجافية، وغير الحضارية. لكن ذلك، حكاية حزينة أخرى! لا يتوانى معمار الدارة عن إظهار نزوعه التجديدي، وسعيه وراء تغيير الذائقة المعتادة (الجمعية؟)، لمفهوم "البيت السكني" البغدادي، موظفاً، في ذلك المسعى والنزوع، كشوفاته التصميمية، هي التي رأينا تماثلات لها في تصاميم مبانٍ أخرى، اجترحها المعمار، قبل تصميم "الدارة"، ولاسيما عمله الباهر الخاص بتصميم "الجامعة المستنصرية" (1963-66). يدرك المعمار جيدا ان ما يسهم في تميز عمارة مبناه في المنصور، ويرسخ من حضورها المكاني، هو إضفاء قيمة تشكيلية (نحتية على وجه التحديد!) الى هيئة المبنى. وهذا الإدراك يتحقق بنجاح، من خلال اصطفاء قرار تصميمي يقصر ارتفاع الدارة على طابق واحد. ثمة "ستارة" إسمنتية بيضاء بارتفاع "محسوب"، تربط المكونات الفضائية الأساسية للدارة، وتوصل فيما بينها. انها، وإن بدت العنصر الأكثر نظاماً وهندسية في مفردات الواجهة، الا انها "تتقطع" وتتجزأ وتنكسر في مناطق محددة، كاشفةً بذلك قيمة بعض مفردات الواجهة، التي يتوق المعمار ان تكون حاضرة بقوة في تكوينات "فورم" واجهته المعبرة. ولكون التكوين الفضائي الفني للدارة اعتمد أساساً، على تباين حجوم أحياز الدارة، واختلاف توقيعها في الموقع، نسبةً الى "خط وهمي"، مرسوم على الأرض، تؤشر حدوده الستارة العلوية الإسمنتية البيضاء، ما منح الأخيرة إمكانية ان تلعب دوراً فعالاً ومؤثرا للإحساس بالهندسية العالية، التى يرغب المعمار، ان تكون متواجدة "لضبط" انتشار تلك الأحياز وتغلغلها بصريا في فضاءات اخرى من الموقع. كما يسعى وراء حضورها الجلي، الى التخفيف، ايضاً، من "فوضى" الأشكال المختارة. يصطفي المعمار حجوم وكتل متنوعة، لمفردات واجهة الدارة. انها هي التي تمنح المبنى خاصيته التشكيلية (النحتية على وجه الخصوص). فالهاجس التشكيلي يبقى غاية المعمار وهدفه في اجتراح تكوين تصميمي متفرد. انه يعي تماماً من ان أشكال مفرداته التصميمية المستعملة في الواجهة، قد لا تكون حالة شائعة او مألوفة في عمارة الأبنية السكنية المحلية. لكن مع هذا، فانه يطمح ان يكون وجودها النحتي هناك، بمثابة وسيلة، يراد بها الإيحاء لرمزية هيئات عناصر العمارة التقليدية ومفرداتها: كالملقف "البادكير"، على سبيل المثال. او قد يشي حضورها التصميمي بقدرة المعمار على استعارات موفقة، يستقيها من خزين مفردات عمارة الحداثة، وتحديدا من (مصلى رونشان) "الكربوزيوي" (1954)، الذائع الصيت معمارياً. اذ تذكرنا توظيفات المعمار البغدادي للقبة المشقوقة الأجرية في "دارة المنصور"، الى صيغة البرج المشطور في عمارة ذلك المبنى الفرنسي الشهير. بيد إن مسعى المعمار، الذهاب بجرأة نادرة نحو "نحتية" الجدار العمودي، البارز بقوة عن "سطح" الواجهة، من خلال إضفاء ميزة ثلاثية الأبعاد له، عن طريق توالي أسلوب رصف الطابوق المنحسر والبارز، وعمل فجوات متباينة الأشكال فيه؛ كل هذا يجعل من مفردات دارة المنصور المعمارية، لان تكون حدثاً تصميميا استثنائيا في عمارة الأبنية السكنية البغدادية، مذكرة في الوقت ذاته، بكشوفات المعمار التصميمية، التي يستقيها من "نبع" اجتهاداته في عمارة الجامعة المستنصرية. وفي النتيجة، فنحن إزاء تمرين تصميمي مميز، يزيده امتيازاً، المقدرة على رهافة توظيف المفردات التصميمية، وأهليتها المهنية العالية. كما لو ان عمارة الدارة، تتوق لإرساء قيم جديدة وإضافية في "معجم" العمارة السكنية المحلية، كما لو انها تنزع الى انتشال الممارسة المعمارية السكنية المحلية من مألوفيتها المملة ورتابة أشكالها المعروفة. وفي العموم فان قحطان عوني، كما كتبت يوما عنه في عام 2007 ، بمناسبة ثمانينيته".. انجز سلسلة تصاميم تجاوز بها مرجعيات الممارسة المعمارية المحلية السائدة، بل واشهر، بغير وجل مع معماريين آخرين محدثيين، قناعات تدعو صراحة بلزوم إجراء قطيعة معرفية ومهنية مع سياق الممارسات الماضوية، والعمل على تفكيك قيمها بطرح مقاربة جديدة تنقض قيم تلك الممارسات بدلا من إيجاد "مساومات" تصميمية معها . لقد كانت عمارته من ذلك الصنف الذي يختزل زمناً للقفز الى زمن آخرا". ولد المعمار قحطان عوني في سنة 1926 ببغداد، وتوفي فيها اثر سكته قلبية في سنة 1972. انهي تعليمه المعماري في جامعة بيركلي في امريكا، وعاد الى الوطن عام 1952. صمم عدة مبان في مدن مختلفة في العراق، اعتبرت عمارتها من نماذج عمارة الحداثة العراقية المرموقة، منها مستشفى سلمان فائق في العلوية (1956)، ومبنى ناجي جواد الساعاتي في السعدون (1962)، وثانوية الزعيم عبد الكريم قاسم للبنات في الصويرة (1962)، والجامعة المستنصرية ببغداد (1963-66)، ومبنى مصلحة الكهرباء الوطنية في الميدان ببغداد (1965)، والمؤسسة العامة للتجارة في كرادة مريم (1967)، ومبنى التأمين بالقرب من ساحة الطيران (1968)؛ وغير ذلك من الأعمال التصميمية البارزة.
*
ـ "دارة المنصور" :ـ
عندما يغدو السكن إبداعاً تشكيلياً..ايضاً
د. خالد السلطاني
المصدر : جريدة المدى - 10-5-2014
يعتصر قلبي ألماً وأسفاً للمصير التراجيدي الذي أصاب واحدا من اجمل نماذج العمارة العراقية الحداثية. وأشعر بغصة حزن عميق، وأنا أرى مصيره الفاجع، وما آل اليه من خراب وتهديم واضمحلال.
نحن، نتحدث عن رائعة المعمار قحطان عوني (1926-1972): "الدارة السكنية" في المنصور (1966)، والتي اعدها من كنوز ما أنتجته العمارة العراقية الحداثية؛ إن كان لناحية نوعية المقاربة المعمارية التي اصطفاها المعمار لـ "ثيمته" السكنية، ام لجهة حداثة وجدة المفردات التصميمية لتكوين تلك الدارة. لم يكن احد يتصور ان نوعية استخدامات الموقع المختار للدارة، كما هي مجاوراته في ذلك الحيّ السكني الهادئ، سيطرأ عليه تغيير دراماتيكي وبسرعة كبيرة، بحيث تنقلب طبيعة البناء السكني فيه ذو الارتفاع الواطئ، الى نوعية استخدامات أخرى، أفضت الى تبدل تام في خاصية ضوابط البناء واشتراطاته، ما اثر سلبا على عمارة الدارة السكنية، واخل في مقياسها، المقياس المنتقى بعناية، وفقاً لمشروطية خاصية ذلك البناء وحالاته المعيارية. وبظهور مبنى فرع مصرف الرافدين (1969) المجاور للدارة (المعمار: رفعة الجادرجي)، والمطل على ساحة الشارع العام، وحائطه الأصم العالي، من جانب، ومن جانب آخر، بزوغ المبنى المتعدد الطوابق(1976)، الذي شغلته لاحقا السفارة الروسية، (المعار: كمال تاج الدين)، فان عمارة الدارة اياها، التي انحصرت بينهما، بدت وكأنها "عنصراً" غريبا ومغرّباً عن بيئته المكانية، وبمقياس غدا وكأنه، أيضاً، لا يتناسب البتة مع مشاهد المكان وحالاته البنائية. وكل ذلك افضى الى اختلال تقبل عمارة المبنى بصرياً؛ قبل ان "يتعهد" الهدم والمحو مؤخرا، لتزول تلك المأثرة المعمارية المبدعة نهائياً، وتختفي عن ذاكرة كثر من المعماريين، ويحل محلها شيء آخر، لا نعلم مدى قدرته في ان يكون بديلاً مقنعاً لذلك "السلف" المرموق، الذي كوّن مع نماذج تصميمية أخرى ذخيرة المعمار الهامة في إثراء منتج العمارة العراقية. لكن علينا أيضاً، الإشارة هنا بأسف وألم عميقين، من ان عدداً لا بأس به من نماذج تلك الذخيرة الجادة والمميزة، قد أصابها التلف والهدم والمحو كدارة المعمار الشخصية في الوزيرية، التي أزيلت على نحو تام، والمبنى الذي شغلته السفارة السعودية بالمنصور، والذي هدم بالكامل وجزأ موقعه الى عدد كبير من "القطع"، المخالفة استحداثها كلياً لمعايير التخطيط والبناء في تلك المنطقة. ولكن مع هذا، فقد أزيل المبنى، وتم "التقطيع". ولا احد يعلم، الى ماذا ستؤول الأمور اذا كانت الأنظمة والمعايير التخطيطية تنتهك بمثل هذه "الخفة" الفظة الجافية، وغير الحضارية. لكن ذلك، حكاية حزينة أخرى! لا يتوانى معمار الدارة عن إظهار نزوعه التجديدي، وسعيه وراء تغيير الذائقة المعتادة (الجمعية؟)، لمفهوم "البيت السكني" البغدادي، موظفاً، في ذلك المسعى والنزوع، كشوفاته التصميمية، هي التي رأينا تماثلات لها في تصاميم مبانٍ أخرى، اجترحها المعمار، قبل تصميم "الدارة"، ولاسيما عمله الباهر الخاص بتصميم "الجامعة المستنصرية" (1963-66). يدرك المعمار جيدا ان ما يسهم في تميز عمارة مبناه في المنصور، ويرسخ من حضورها المكاني، هو إضفاء قيمة تشكيلية (نحتية على وجه التحديد!) الى هيئة المبنى. وهذا الإدراك يتحقق بنجاح، من خلال اصطفاء قرار تصميمي يقصر ارتفاع الدارة على طابق واحد. ثمة "ستارة" إسمنتية بيضاء بارتفاع "محسوب"، تربط المكونات الفضائية الأساسية للدارة، وتوصل فيما بينها. انها، وإن بدت العنصر الأكثر نظاماً وهندسية في مفردات الواجهة، الا انها "تتقطع" وتتجزأ وتنكسر في مناطق محددة، كاشفةً بذلك قيمة بعض مفردات الواجهة، التي يتوق المعمار ان تكون حاضرة بقوة في تكوينات "فورم" واجهته المعبرة. ولكون التكوين الفضائي الفني للدارة اعتمد أساساً، على تباين حجوم أحياز الدارة، واختلاف توقيعها في الموقع، نسبةً الى "خط وهمي"، مرسوم على الأرض، تؤشر حدوده الستارة العلوية الإسمنتية البيضاء، ما منح الأخيرة إمكانية ان تلعب دوراً فعالاً ومؤثرا للإحساس بالهندسية العالية، التى يرغب المعمار، ان تكون متواجدة "لضبط" انتشار تلك الأحياز وتغلغلها بصريا في فضاءات اخرى من الموقع. كما يسعى وراء حضورها الجلي، الى التخفيف، ايضاً، من "فوضى" الأشكال المختارة. يصطفي المعمار حجوم وكتل متنوعة، لمفردات واجهة الدارة. انها هي التي تمنح المبنى خاصيته التشكيلية (النحتية على وجه الخصوص). فالهاجس التشكيلي يبقى غاية المعمار وهدفه في اجتراح تكوين تصميمي متفرد. انه يعي تماماً من ان أشكال مفرداته التصميمية المستعملة في الواجهة، قد لا تكون حالة شائعة او مألوفة في عمارة الأبنية السكنية المحلية. لكن مع هذا، فانه يطمح ان يكون وجودها النحتي هناك، بمثابة وسيلة، يراد بها الإيحاء لرمزية هيئات عناصر العمارة التقليدية ومفرداتها: كالملقف "البادكير"، على سبيل المثال. او قد يشي حضورها التصميمي بقدرة المعمار على استعارات موفقة، يستقيها من خزين مفردات عمارة الحداثة، وتحديدا من (مصلى رونشان) "الكربوزيوي" (1954)، الذائع الصيت معمارياً. اذ تذكرنا توظيفات المعمار البغدادي للقبة المشقوقة الأجرية في "دارة المنصور"، الى صيغة البرج المشطور في عمارة ذلك المبنى الفرنسي الشهير. بيد إن مسعى المعمار، الذهاب بجرأة نادرة نحو "نحتية" الجدار العمودي، البارز بقوة عن "سطح" الواجهة، من خلال إضفاء ميزة ثلاثية الأبعاد له، عن طريق توالي أسلوب رصف الطابوق المنحسر والبارز، وعمل فجوات متباينة الأشكال فيه؛ كل هذا يجعل من مفردات دارة المنصور المعمارية، لان تكون حدثاً تصميميا استثنائيا في عمارة الأبنية السكنية البغدادية، مذكرة في الوقت ذاته، بكشوفات المعمار التصميمية، التي يستقيها من "نبع" اجتهاداته في عمارة الجامعة المستنصرية. وفي النتيجة، فنحن إزاء تمرين تصميمي مميز، يزيده امتيازاً، المقدرة على رهافة توظيف المفردات التصميمية، وأهليتها المهنية العالية. كما لو ان عمارة الدارة، تتوق لإرساء قيم جديدة وإضافية في "معجم" العمارة السكنية المحلية، كما لو انها تنزع الى انتشال الممارسة المعمارية السكنية المحلية من مألوفيتها المملة ورتابة أشكالها المعروفة. وفي العموم فان قحطان عوني، كما كتبت يوما عنه في عام 2007 ، بمناسبة ثمانينيته".. انجز سلسلة تصاميم تجاوز بها مرجعيات الممارسة المعمارية المحلية السائدة، بل واشهر، بغير وجل مع معماريين آخرين محدثيين، قناعات تدعو صراحة بلزوم إجراء قطيعة معرفية ومهنية مع سياق الممارسات الماضوية، والعمل على تفكيك قيمها بطرح مقاربة جديدة تنقض قيم تلك الممارسات بدلا من إيجاد "مساومات" تصميمية معها . لقد كانت عمارته من ذلك الصنف الذي يختزل زمناً للقفز الى زمن آخرا". ولد المعمار قحطان عوني في سنة 1926 ببغداد، وتوفي فيها اثر سكته قلبية في سنة 1972. انهي تعليمه المعماري في جامعة بيركلي في امريكا، وعاد الى الوطن عام 1952. صمم عدة مبان في مدن مختلفة في العراق، اعتبرت عمارتها من نماذج عمارة الحداثة العراقية المرموقة، منها مستشفى سلمان فائق في العلوية (1956)، ومبنى ناجي جواد الساعاتي في السعدون (1962)، وثانوية الزعيم عبد الكريم قاسم للبنات في الصويرة (1962)، والجامعة المستنصرية ببغداد (1963-66)، ومبنى مصلحة الكهرباء الوطنية في الميدان ببغداد (1965)، والمؤسسة العامة للتجارة في كرادة مريم (1967)، ومبنى التأمين بالقرب من ساحة الطيران (1968)؛ وغير ذلك من الأعمال التصميمية البارزة.
*
2
كواليس
القناع والتقنع
سامي عبد الحميد
المصدر : جريدة المدى - 13-5-2014
يحمل مصطلح (التقنع) فكرتين: احداهما (التخفي) وثانيتهما (تحول الهوية) وتمتد القوة الكامنة في اي عرض من العروض وكيفية استخدامها من الطقس الديني الى التزيين المعماري . والقناع موجود فعليا في جميع الحضارات.
ويتم إدراكه وبشكل شائع على انه مادة تغطي الوجه بأكمله او جزءا منه ..وعادة ما ينظر الى القناع بمرافقته لزي من الأزياء.
أصول القناع ووظيفته العبادية: كان اول استعمال للقناع قد حدث على اكثر احتمال في سياق السحر الروحي. بارتداء جلد من الجلود او أية صفة حيوانية فان الشخص الذي يرتديه ياخذ شيئا من صفات ذلك الحيوان .وما زالت الشخوص الحيوانية الكبيرة مستخدمة لدى المؤدين المتخفين في الشعائر الطقسية في (مالي) . يوظف الشامانيون ، وهم الكهان الذين يستخدمون السحر لمعالجة المرض، الأقنعة لتكون من وسائط الروح، واليوم في بعض الحضارات الأفريقية والاسيوية فان ارتداء القناع يسمح لمرتديه ان يدخل في حالة من النشوة.
عندما دخلت عبادة الشخصية الى التمثيل المسرحي فقد القناع وظائفه الشامانية والموسمية او الطقسية ولكنه بقي قادرا على الاحتفاظ بحالته التعارضية . اقنعة مسرح (نو) الياباني ما زالت اشكالا مثالية المقصود بها ان نكون من وسائط الوصول الى الروح وليس من وسائط تحقيق صور الشخصيات ويتم التعامل معها على هذا الاساس.
الانسان البدائي المتوحش: الانسان المتوحش هو المضاد القاسي للانسان المتحضر الذي يرتدي تجهيزات حيوانية ليهيج في سياق الكرنفال. تناولت مسرحيات الساتير الاغريقية اقنعة الانسان المتوحش والعبيد كونهم اناسا غير متحضرين واستوعبت الكنيسة المسيحية الروابط بين الأقنعة والممارسات الوثنية وقد يفسر ذلك تحريم التقنع في انكلترا في القرون الوسطى. كان (الهولووين) وهو السنة الجديدة للسلتيين ..وهم الايرلنديين والويلزيين والاسكتلنديين عبارة عن احتفال بالموتى باعتقاد ان اولئك الذين في العالم السفلي يتجولون ويحثون مجموعات من الشبيه لان يدخلوا الريف وهم متنكرون بصورة الانسان المتوحش.
هناك شخص شعبي من النمسا يدعى (هارلكين) او (هاليكين) وعندما ظهر على المسرح بوصفه خادما في شمال ايطاليا في القرن السادس عشر كان الجمهور قد ادركوا مباشرة الروابط الحيوانية والشيطانية الشريرة التي تتمثل في قناعه النصفي الاسود، والمصنوع من الجلد.
في القرنين السادس عشر والسابع عشر لعروض التقنع في انكلترا وللقريبة منها في فرنسا والتي سميت (باليه دي كور) واللتين شهدهما البلاط اصل في التحنيط وفي التنكر ولكن تم رفع مستواها الى ما يناسب البلاط واستعاراته، وكانت عناصر (الفروتسك) اي التشويه المضحك والمضادة للتقنع تقدم غالبا من قبل المسامرين، المحترفينوبما له علاقة بالكرنفالات وتقاليد الانسان المتوحش . تطلبت الابداعات الرائعة لحفلات التقنع في البلاد وبعدها في الاوبرا الى كمية من اقنعة الورق، الاقنعة التي تصنع من لصق الورق، وبعد ذلك اصبحت مثل تلك الاقنعة مبتذلة ومرفوضة تجاريا في المسرح الهزلي غير المألوف ولكنها بقيت مستخدمة في كرنفالات الشارع وخصوصا في (ايبيريا) . وفي القرن العشرين كان استخدامها في الكرنفالات وبسبب قوتها وظهورها المرئي فقد تبناها المسرح السياسي في روسيا من قبل مجاميع التحريض التي ظهرت في العشرينيات من القرن وتكررت مثل تلك الممارسات في الستينات والسبعينات من قبل (مسرح الخبز والدمى) في الولايات المتحدة الامريكية .
القناع المسرحي- يشاهد القناع في الغالب كشعار للمسرح وللعرض المسرحي في معظم الثقافات .. قد تغطي اقنعة العروض وجوه الممثلين او اجزاء منها او حتى الرأس بكامله (كما هو الحال في اقنعة الساتير الاغريقية) في عروض (الكاتاكالي) . في الهند يتم صبغ وجه الممثل بمعجون الرز بحيث يبدو كالقناع، وترينا الصيغ المختلفة للمسرح التقليدي الهندي كيف ان للممثل القدرة في التحكم بعضلات وجهه وكيف يحوله الى قناع . استطاع فنان التمثيل الصامت (مارسيل مارسو) ان يطور مهارة في التقنع وكذلك فعل البولوني (غروتوفسكي) ومسرح ( بوتوه) الياباني.
*
الصفحة الرئيسة
كواليس
القناع والتقنع
سامي عبد الحميد
المصدر : جريدة المدى - 13-5-2014
يحمل مصطلح (التقنع) فكرتين: احداهما (التخفي) وثانيتهما (تحول الهوية) وتمتد القوة الكامنة في اي عرض من العروض وكيفية استخدامها من الطقس الديني الى التزيين المعماري . والقناع موجود فعليا في جميع الحضارات.
ويتم إدراكه وبشكل شائع على انه مادة تغطي الوجه بأكمله او جزءا منه ..وعادة ما ينظر الى القناع بمرافقته لزي من الأزياء.
أصول القناع ووظيفته العبادية: كان اول استعمال للقناع قد حدث على اكثر احتمال في سياق السحر الروحي. بارتداء جلد من الجلود او أية صفة حيوانية فان الشخص الذي يرتديه ياخذ شيئا من صفات ذلك الحيوان .وما زالت الشخوص الحيوانية الكبيرة مستخدمة لدى المؤدين المتخفين في الشعائر الطقسية في (مالي) . يوظف الشامانيون ، وهم الكهان الذين يستخدمون السحر لمعالجة المرض، الأقنعة لتكون من وسائط الروح، واليوم في بعض الحضارات الأفريقية والاسيوية فان ارتداء القناع يسمح لمرتديه ان يدخل في حالة من النشوة.
عندما دخلت عبادة الشخصية الى التمثيل المسرحي فقد القناع وظائفه الشامانية والموسمية او الطقسية ولكنه بقي قادرا على الاحتفاظ بحالته التعارضية . اقنعة مسرح (نو) الياباني ما زالت اشكالا مثالية المقصود بها ان نكون من وسائط الوصول الى الروح وليس من وسائط تحقيق صور الشخصيات ويتم التعامل معها على هذا الاساس.
الانسان البدائي المتوحش: الانسان المتوحش هو المضاد القاسي للانسان المتحضر الذي يرتدي تجهيزات حيوانية ليهيج في سياق الكرنفال. تناولت مسرحيات الساتير الاغريقية اقنعة الانسان المتوحش والعبيد كونهم اناسا غير متحضرين واستوعبت الكنيسة المسيحية الروابط بين الأقنعة والممارسات الوثنية وقد يفسر ذلك تحريم التقنع في انكلترا في القرون الوسطى. كان (الهولووين) وهو السنة الجديدة للسلتيين ..وهم الايرلنديين والويلزيين والاسكتلنديين عبارة عن احتفال بالموتى باعتقاد ان اولئك الذين في العالم السفلي يتجولون ويحثون مجموعات من الشبيه لان يدخلوا الريف وهم متنكرون بصورة الانسان المتوحش.
هناك شخص شعبي من النمسا يدعى (هارلكين) او (هاليكين) وعندما ظهر على المسرح بوصفه خادما في شمال ايطاليا في القرن السادس عشر كان الجمهور قد ادركوا مباشرة الروابط الحيوانية والشيطانية الشريرة التي تتمثل في قناعه النصفي الاسود، والمصنوع من الجلد.
في القرنين السادس عشر والسابع عشر لعروض التقنع في انكلترا وللقريبة منها في فرنسا والتي سميت (باليه دي كور) واللتين شهدهما البلاط اصل في التحنيط وفي التنكر ولكن تم رفع مستواها الى ما يناسب البلاط واستعاراته، وكانت عناصر (الفروتسك) اي التشويه المضحك والمضادة للتقنع تقدم غالبا من قبل المسامرين، المحترفينوبما له علاقة بالكرنفالات وتقاليد الانسان المتوحش . تطلبت الابداعات الرائعة لحفلات التقنع في البلاد وبعدها في الاوبرا الى كمية من اقنعة الورق، الاقنعة التي تصنع من لصق الورق، وبعد ذلك اصبحت مثل تلك الاقنعة مبتذلة ومرفوضة تجاريا في المسرح الهزلي غير المألوف ولكنها بقيت مستخدمة في كرنفالات الشارع وخصوصا في (ايبيريا) . وفي القرن العشرين كان استخدامها في الكرنفالات وبسبب قوتها وظهورها المرئي فقد تبناها المسرح السياسي في روسيا من قبل مجاميع التحريض التي ظهرت في العشرينيات من القرن وتكررت مثل تلك الممارسات في الستينات والسبعينات من قبل (مسرح الخبز والدمى) في الولايات المتحدة الامريكية .
القناع المسرحي- يشاهد القناع في الغالب كشعار للمسرح وللعرض المسرحي في معظم الثقافات .. قد تغطي اقنعة العروض وجوه الممثلين او اجزاء منها او حتى الرأس بكامله (كما هو الحال في اقنعة الساتير الاغريقية) في عروض (الكاتاكالي) . في الهند يتم صبغ وجه الممثل بمعجون الرز بحيث يبدو كالقناع، وترينا الصيغ المختلفة للمسرح التقليدي الهندي كيف ان للممثل القدرة في التحكم بعضلات وجهه وكيف يحوله الى قناع . استطاع فنان التمثيل الصامت (مارسيل مارسو) ان يطور مهارة في التقنع وكذلك فعل البولوني (غروتوفسكي) ومسرح ( بوتوه) الياباني.
*
الصفحة الرئيسة