حين لمستُ شعاع الشمس
زوزان صالح اليوسفي
بالأمس زرتُ زاخو مدينتي.. رغم أنني أقسمتُ أن لا تطأها قدمي.. بعد أن واريتُ فيها كل أحبتي.. أبي وأمي وأخي.. لكنني تراجعتُ عن قسمي (عذراً يا إلهي).. فما زال هناك شيءٌ يشدني اليها بعمقٍ.. ونداءٌ خفيٌ يدعوني إليها .. وحزنٌ وشوقٌ في الأحشاء يكويني..
مررتُ بأطلال الدار.. بقلبٍ مُفعم بالأسى والآماني.. ونفحة من أملٍ شارد.. لعلي أرى طيفَ أبي .. كنتُ بأمس الحاجة لقربهِ.. لأحدثهُ عن أخباري.. وحلم راود منامي..
وما أن فتحتُ بابنا حتى أستقبلتني أرجوحة دارنا.. قد سكنت على حالها بحزنٍ.. كأنها تقول لي: لماذا لم تعودي.. لتتأرجحي على أضلعي.. وتطربيني بنغماتِ صوتك العذب.. نظرت إليها بأسى قلبٍ ناحَ مبتئسا.. ثم في غفلةٍ.. تراءى لي طيف أبي.. فمددتُ يدي لعلي ألمسُ يديهِ.. فأذا بها تصطدم بالعدم.. فتركتها حين شعرت أنّ الطيف قد غادر المكان .. وأسرعتُ بالخطى نحو غرفة أخي.. حاولت أن ألمس كتبهُ وما تبقى من ذكرياتهِ.. وإذا بغبار الماضي يغمرها.. ونداءُ روحهِ الخفي يسكنها.. فتراءت في عيني صورتهُ.. حاولت أن ألمسهُ بيدي فاصطدمت مرة أخرى بالعدم.. فغادرتُ مسرعةَ الخطى خارج غرفتهِ.. ودموع الشوقِ تلهبني.
وعدتُ مرة أخرى إلى حديقة الدار.. وفي قلبي آخر أمنياتي.. لعلي أرى طيف أمي تنادي.. لأقطف لها من ثمارها وباقة من أزهارها.. فما رأيت طيفها ولا ثمار أشجارها.. وقد ذبلت كل أزهارها.. سمعتُ صوت نحيب الأشجار.. وأنين أرجوحة الدار..
عدتُ إلى داري بقلبٍ يحمل الأسى.. وأملٍ مستحيل يراود خيالي.. جلستُ على مكتبتي.. فرأيتُ بطاقة العيدِ من أخي.. بين صفحات دفتري.. اهداها لي قبل سنين مضت.. لم أسعدُ حينها بحصتي من البطاقات.. فأدركَ أبي حزني وزعلي.. وتقدم نحوي بخطواتهِ.. ورفع رأسي بيديهِ .. فرأى الدموع تجري.. فقال لي بكل حنان: ما بك يا زوزانتي.. ؟ ، قلتُ لهُ ودموعي تجري كالشلال.. كنت أريدُ بطاقتي بالألوان.. مثل أخوتي.. لكن بطاقتي هي الوحيدة بالأبيض والأسود؟!.. فأبتسم ملءَ ثغرهِ .. ومسح دموعي بيدهِ.. ودثرني بحظنهِ.. وغمرني بقبلاتهِ.. ثم قال لي: أنظري حبيبتي.. كم هي جميلة بطاقتك.. ألا تريدين مثل هؤلاء الأطفالِ.. أن تلمسي شعاع الشمس..؟
نظرتُ إلى بطاقتي بتمعن.. بعد أن رفضتُ حتى النظر إليهِ .. وفجأة تحولت دموعي إلى فرحٍ .. ورسمت شفتي بأبتسامةٍ .. وصحت ببراءة طفولتي: بلى أبي أريدُ .. وهل يمكنني أن ألمسَ شعاع الشمس.. ؟!
فقال لي بحنانٍ مفعمٍ.. هيا تعالي لحديقة الدار.. وحاولي أن تقفزي لتلمسي شعاع الشمس.. فقفزتُ بكل قوةٍ وبراءةٍ .. وأنا احاولُ أن ألمسَ شعاعاً من الشمس.. وفجأة و لا أدري كيفَ!!.. شعرتُ بأني لمستها.. وبدفءٍ يسري في دمي.. كدفءِ أحضان أبي.. ومن حينها وأنا أحتفظ ببطاقة أخي.. وكلما شعرتُ بالحزن والأسى.. ألمسها فأشعر من خلالها.. بدفء أبي وشعاع الشمس..
زوزان صالح اليوسفي
الصفحة الرئيسة
زوزان صالح اليوسفي
بالأمس زرتُ زاخو مدينتي.. رغم أنني أقسمتُ أن لا تطأها قدمي.. بعد أن واريتُ فيها كل أحبتي.. أبي وأمي وأخي.. لكنني تراجعتُ عن قسمي (عذراً يا إلهي).. فما زال هناك شيءٌ يشدني اليها بعمقٍ.. ونداءٌ خفيٌ يدعوني إليها .. وحزنٌ وشوقٌ في الأحشاء يكويني..
مررتُ بأطلال الدار.. بقلبٍ مُفعم بالأسى والآماني.. ونفحة من أملٍ شارد.. لعلي أرى طيفَ أبي .. كنتُ بأمس الحاجة لقربهِ.. لأحدثهُ عن أخباري.. وحلم راود منامي..
وما أن فتحتُ بابنا حتى أستقبلتني أرجوحة دارنا.. قد سكنت على حالها بحزنٍ.. كأنها تقول لي: لماذا لم تعودي.. لتتأرجحي على أضلعي.. وتطربيني بنغماتِ صوتك العذب.. نظرت إليها بأسى قلبٍ ناحَ مبتئسا.. ثم في غفلةٍ.. تراءى لي طيف أبي.. فمددتُ يدي لعلي ألمسُ يديهِ.. فأذا بها تصطدم بالعدم.. فتركتها حين شعرت أنّ الطيف قد غادر المكان .. وأسرعتُ بالخطى نحو غرفة أخي.. حاولت أن ألمس كتبهُ وما تبقى من ذكرياتهِ.. وإذا بغبار الماضي يغمرها.. ونداءُ روحهِ الخفي يسكنها.. فتراءت في عيني صورتهُ.. حاولت أن ألمسهُ بيدي فاصطدمت مرة أخرى بالعدم.. فغادرتُ مسرعةَ الخطى خارج غرفتهِ.. ودموع الشوقِ تلهبني.
وعدتُ مرة أخرى إلى حديقة الدار.. وفي قلبي آخر أمنياتي.. لعلي أرى طيف أمي تنادي.. لأقطف لها من ثمارها وباقة من أزهارها.. فما رأيت طيفها ولا ثمار أشجارها.. وقد ذبلت كل أزهارها.. سمعتُ صوت نحيب الأشجار.. وأنين أرجوحة الدار..
عدتُ إلى داري بقلبٍ يحمل الأسى.. وأملٍ مستحيل يراود خيالي.. جلستُ على مكتبتي.. فرأيتُ بطاقة العيدِ من أخي.. بين صفحات دفتري.. اهداها لي قبل سنين مضت.. لم أسعدُ حينها بحصتي من البطاقات.. فأدركَ أبي حزني وزعلي.. وتقدم نحوي بخطواتهِ.. ورفع رأسي بيديهِ .. فرأى الدموع تجري.. فقال لي بكل حنان: ما بك يا زوزانتي.. ؟ ، قلتُ لهُ ودموعي تجري كالشلال.. كنت أريدُ بطاقتي بالألوان.. مثل أخوتي.. لكن بطاقتي هي الوحيدة بالأبيض والأسود؟!.. فأبتسم ملءَ ثغرهِ .. ومسح دموعي بيدهِ.. ودثرني بحظنهِ.. وغمرني بقبلاتهِ.. ثم قال لي: أنظري حبيبتي.. كم هي جميلة بطاقتك.. ألا تريدين مثل هؤلاء الأطفالِ.. أن تلمسي شعاع الشمس..؟
نظرتُ إلى بطاقتي بتمعن.. بعد أن رفضتُ حتى النظر إليهِ .. وفجأة تحولت دموعي إلى فرحٍ .. ورسمت شفتي بأبتسامةٍ .. وصحت ببراءة طفولتي: بلى أبي أريدُ .. وهل يمكنني أن ألمسَ شعاع الشمس.. ؟!
فقال لي بحنانٍ مفعمٍ.. هيا تعالي لحديقة الدار.. وحاولي أن تقفزي لتلمسي شعاع الشمس.. فقفزتُ بكل قوةٍ وبراءةٍ .. وأنا احاولُ أن ألمسَ شعاعاً من الشمس.. وفجأة و لا أدري كيفَ!!.. شعرتُ بأني لمستها.. وبدفءٍ يسري في دمي.. كدفءِ أحضان أبي.. ومن حينها وأنا أحتفظ ببطاقة أخي.. وكلما شعرتُ بالحزن والأسى.. ألمسها فأشعر من خلالها.. بدفء أبي وشعاع الشمس..
زوزان صالح اليوسفي
الصفحة الرئيسة