فتش عن المرأة .. إن كنت تبحث عن الرقي والتقدم
جورجينا بهنام
جورجينا بهنام
مذ أطلق نابليون بونابرت مقولته الشهيرة «فتش عن المرأة»، وكثيرون يتساءلون: ترى ما الذي كان يقصده؟ أكان يعني أنها أساس الحياة ومعينها وبدونها لاحياة، أم كما يحلو لكثير من المغرضين تفسيرها بأن المرأة هي السبب الرئيس في كل مشكلات وصراعات ومآسي الكون منذ أن نجحت في إقناع أبينا آدم بقضم التفاحة المحرمة فباتت السبب في خروجه من الجنة وما تلا ذلك من شقاء لقيه على هذه الارض، لا ندري لماذا لم يسأل هؤلاء وغيرهم أنفسهم: لماذا يطيع الرجل المرأة ويتبع آراءها التي قد توقعه في التهلكة دون أن يـُعمل عقله؟ لكن نابليون قال أيضا: «أن المرأة التي تهز المهد بيسارها تهز العالم بيمينها»، إذ لم تقتصر الأقوال في المرأة على الجانب السلبي فكثير من المفكرين والفلاسفة والمصلحين والأنبياء أكرموها وشددوا على دورها في القيادة والبناء والتقدم فهي نصف المجتمع الذي يلد النصف الآخر وهي المدرسة التي اذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، وهي قارورة العسل التي دعا الرسول الكريم للرفق بها حين قال «رفقا بالقوارير». وكرمها ايضا حين قال: «الجنة تحت أقدام الأمهات».
أثبتت المرأة عبر التاريخ أنها نصف المجتمع القادر ليس على ولادة النصف الآخر فحسب بل تنميته وتربيته وقيادته حتى في الظروف الأشد حلكة وقتامة، وسجلات التاريخ حافلة بصفحات مضيئة سطرتها نسوة بحروف من ذهب وورد وعطر فاح أريجه على العالم بأسره ليؤكد أن شامورامات وزنوبيا وبلقيس و جاندارك و فكتوريا وسواهن لسن أقل شأنا وتأثيرا من حمورابي والنعمان بن المنذر ونابليون و الملك آرثر. وأن جمال المرأة الجسماني، الذي قد تستغله بعضهن بشكل خاطئ مما قد يدفع البعض للظن أن دور المرأة مقتصر على محاولة التماهي مع جمال هيفا وهبي ودلال مايا دياب وفتنة صافينار، مكررين المثل الفرنسي: » كوني جميلة واصمتي »، لم يعد عائقا أمام نهضة المرأة وسعيها الدؤوب لتبوّء أعلى المناصب وحيازة قصب السبق في أكثر من مضمار. فالجميلات اليوم يقدن العالم لا كما قادته بعض الفاتنات بتسخير الجسد لإخضاع السلاطين على طريقة السلطانة هيام، بل بالعلم والدربة و الاستحقاق التام، فلو طالعت الصحف والمواقع الاخبارية لوجدت وزارات الدفاع للعديد من دول الناتو يترأسها العنصر النسائي، وهو أمر واقع في ألمانيا التي تتولى فيها أورسولا فون دير منصب وزير الدفاع وعلى غرارها جانين أنطوانيت وزير دفاع هولندا ومثلهما وزير دفاع السويد كارين مارتا إليزابيث وكذلك وزير دفاع النرويج ماري اريكسن، ورغم تلك المسؤوليات الجسام لم يبعدهن عملهن العسكري عن حياتهم الخاصة وصورهن تملأ المواقع الالكترونية تارة بالبزة العسكرية وتارة بفساتين السهرة.
ولو تمادينا في تصفح الاسماء وذكر البارزات القائدات لضاقت الصفحات بأنديرا غاندي وأنجيلا ميركل وباندرنايكا ومارغريت تاتشر و كاترين اشتون وهيلاري كلنتون وميري كوري و مي زيادة وأسمهان وأم كلثوم وجميلة بوحيرد والقائمة تطول.
ولكن في غمرة ما يشهده العالم من تطور وتقدم مازال البعض يسعى للحط من شأن المرأة والنيل من كرامتها و حريتها تحت مختلف المسميات ويعمل على سجنها فكريا قبل أي سجن آخر، وإلا كيف تصف دعوى البعض الى تحريم جلوس المرأة على الكرسي خوفا عليها من الفتنة وفقا لتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، أو من يمنعها من قيادة السيارة لاسباب بعيدة عن المنطق هي الاخرى، وآخر يمنع الاختلاط بين الجنسين حتى في الاكاديميات العلمية، وهو ما تسبب مؤخرا بوفاة فتاة سعودية أثار موتها عاصفة من النقد على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ذكرت تقارير صحفية أن طالبة الماجستير بكلية الدراسات الاجتماعية، آمنة باوزير، أُصيبت بأزمة قلبية حادة أثناء ساعات الدوام، لكن مسؤولي الجامعة منعوا دخول سيارة الإسعاف إلى الجامعة بدعوى أن الفتاة كانت دون غطاء ولا يمكن السماح لـ (رجال) الاسعاف بالدخول الى مبنى مخصص للنساء، بعد الاخذ والرد سمح بدخولهم، ولكن بعد فوات الأوان.
وسط القتامة تلوح دائما بعض البشائر، فرغم الاوقات العصيبة التي تعيشها نساء بلدان الربيع العربي الذي غدا شتاء قارصا، مازال هنالك ثمة أمل. ففي الجزائر التي شهدت لسنوات صراعات داخلية امتزجت بكثير من العنف والدماء مازال للمرأة دور بارز حيث أعلن حزب العمال في الجزائر أنه يرشح الأمينة العامة للحزب لويزة حنون للانتخابات الرئاسية، فيما حملت حقيبة السياحة في الوزارة التونسية الجديدة الحسناء (آمال كربول) التي سحرت بثقافتها وسعة علمها واطلاعها (تتقن التحدث بأربع لغات وتعمل بها، العربية والفرنسية والألمانية والإنجليزية، إضافة لإلمامها باللغتين الإسبانية واليونانية، وحصلت في المانيا على درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية، وتعمل كذلك كأستاذة جامعية زائرة في سويسرا)، جمهورا واسعا من التونسيين الآملين بأن تعيد الوزيرة الحسناء بثقافتها الواسعة وابتسامتها الساحرة الربيع الى السياحة في تونس لتشهد بعد الجدب انتعاشا ونشاطا.
النور الابهى والامل الرقراق الذي أبهج مؤخرا الكثيرات لاح من العراق، فبعد أ.م.د. دنيا وديع الفياض التي تبوأت منصب عميد كلية طب الاسنان بجامعة الانبار لتكون أول سيدة في منصب عميد بتلك الجامعة، السائرة على خطى د. تهاني الصندوق عميد كلية طب الاسنان بجامعة الموصل وسواهن كثيرات، أثلج الصدور وأشاع مساحة من الامل نبأ اختيار الدكتورة صبا عدنان غني لتكون أول رئيس لجامعة تكريت وبالتالي أول سيدة ترتقي منصب رئيس جامعة في العراق، الحاصلة على الدكتوراه في الهندسة الكيميائية ولقبها العلمي استاذ مساعد رغم أنها لم تتجاوز الاربعين من عمرها. وهو أمر ماكان ينبغي له أن يكون مستغربا في بلد كالعراق تاريخه موغل في أعماق الحضارة وتسنمت فيه سيدات كثيرات مناصب وزارية منذ أواسط القرن الماضي ولكن السنوات القليلة الماضية شهدت تصاعدا للنبرة الذكورية في المجتمع وحطا من قيمة المرأة ودورها في قيادة وبناء المجتمع وتنميته وسعيا لتهميشها وعزلها فضلا عن اضطهادها.
المفاجأة الاكبر جاءت من المحافـَظة المحافـِظة، نينوى، عندما اختار مجلس قضاء الموصل السيدة بسمة محمد بسيم، رغم التحديات الامنية والسياسية والاقتصادية وبالاجماع، رئيسة له، لتكون أول سيدة في العراق تتبوأ منصب رئيس مجلس محلي في العراق، وسط تأكيد أعضاء المجلس استعدادهم لتقديم المساعدة لرئيسة مجلس القضاء الجديدة من اجل خدمة المحافظة وأهلها، ما يبشر بقرب انصاف المرأة، والقضاء على الهيمنة الذكورية في المجتمع العراقي وربما يكون كل ذلك خطوات اول على الطريق الصحيح لاعادة بناء العراق ومجتمعه ووضعه اخيرا على الصراط المستقيم، بالاستعانة بنصفه الذي عطِّل كثيرا وآن له أن يعود الى فاعليته وحقوقه ونشاطه.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
أثبتت المرأة عبر التاريخ أنها نصف المجتمع القادر ليس على ولادة النصف الآخر فحسب بل تنميته وتربيته وقيادته حتى في الظروف الأشد حلكة وقتامة، وسجلات التاريخ حافلة بصفحات مضيئة سطرتها نسوة بحروف من ذهب وورد وعطر فاح أريجه على العالم بأسره ليؤكد أن شامورامات وزنوبيا وبلقيس و جاندارك و فكتوريا وسواهن لسن أقل شأنا وتأثيرا من حمورابي والنعمان بن المنذر ونابليون و الملك آرثر. وأن جمال المرأة الجسماني، الذي قد تستغله بعضهن بشكل خاطئ مما قد يدفع البعض للظن أن دور المرأة مقتصر على محاولة التماهي مع جمال هيفا وهبي ودلال مايا دياب وفتنة صافينار، مكررين المثل الفرنسي: » كوني جميلة واصمتي »، لم يعد عائقا أمام نهضة المرأة وسعيها الدؤوب لتبوّء أعلى المناصب وحيازة قصب السبق في أكثر من مضمار. فالجميلات اليوم يقدن العالم لا كما قادته بعض الفاتنات بتسخير الجسد لإخضاع السلاطين على طريقة السلطانة هيام، بل بالعلم والدربة و الاستحقاق التام، فلو طالعت الصحف والمواقع الاخبارية لوجدت وزارات الدفاع للعديد من دول الناتو يترأسها العنصر النسائي، وهو أمر واقع في ألمانيا التي تتولى فيها أورسولا فون دير منصب وزير الدفاع وعلى غرارها جانين أنطوانيت وزير دفاع هولندا ومثلهما وزير دفاع السويد كارين مارتا إليزابيث وكذلك وزير دفاع النرويج ماري اريكسن، ورغم تلك المسؤوليات الجسام لم يبعدهن عملهن العسكري عن حياتهم الخاصة وصورهن تملأ المواقع الالكترونية تارة بالبزة العسكرية وتارة بفساتين السهرة.
ولو تمادينا في تصفح الاسماء وذكر البارزات القائدات لضاقت الصفحات بأنديرا غاندي وأنجيلا ميركل وباندرنايكا ومارغريت تاتشر و كاترين اشتون وهيلاري كلنتون وميري كوري و مي زيادة وأسمهان وأم كلثوم وجميلة بوحيرد والقائمة تطول.
ولكن في غمرة ما يشهده العالم من تطور وتقدم مازال البعض يسعى للحط من شأن المرأة والنيل من كرامتها و حريتها تحت مختلف المسميات ويعمل على سجنها فكريا قبل أي سجن آخر، وإلا كيف تصف دعوى البعض الى تحريم جلوس المرأة على الكرسي خوفا عليها من الفتنة وفقا لتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، أو من يمنعها من قيادة السيارة لاسباب بعيدة عن المنطق هي الاخرى، وآخر يمنع الاختلاط بين الجنسين حتى في الاكاديميات العلمية، وهو ما تسبب مؤخرا بوفاة فتاة سعودية أثار موتها عاصفة من النقد على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ذكرت تقارير صحفية أن طالبة الماجستير بكلية الدراسات الاجتماعية، آمنة باوزير، أُصيبت بأزمة قلبية حادة أثناء ساعات الدوام، لكن مسؤولي الجامعة منعوا دخول سيارة الإسعاف إلى الجامعة بدعوى أن الفتاة كانت دون غطاء ولا يمكن السماح لـ (رجال) الاسعاف بالدخول الى مبنى مخصص للنساء، بعد الاخذ والرد سمح بدخولهم، ولكن بعد فوات الأوان.
وسط القتامة تلوح دائما بعض البشائر، فرغم الاوقات العصيبة التي تعيشها نساء بلدان الربيع العربي الذي غدا شتاء قارصا، مازال هنالك ثمة أمل. ففي الجزائر التي شهدت لسنوات صراعات داخلية امتزجت بكثير من العنف والدماء مازال للمرأة دور بارز حيث أعلن حزب العمال في الجزائر أنه يرشح الأمينة العامة للحزب لويزة حنون للانتخابات الرئاسية، فيما حملت حقيبة السياحة في الوزارة التونسية الجديدة الحسناء (آمال كربول) التي سحرت بثقافتها وسعة علمها واطلاعها (تتقن التحدث بأربع لغات وتعمل بها، العربية والفرنسية والألمانية والإنجليزية، إضافة لإلمامها باللغتين الإسبانية واليونانية، وحصلت في المانيا على درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية، وتعمل كذلك كأستاذة جامعية زائرة في سويسرا)، جمهورا واسعا من التونسيين الآملين بأن تعيد الوزيرة الحسناء بثقافتها الواسعة وابتسامتها الساحرة الربيع الى السياحة في تونس لتشهد بعد الجدب انتعاشا ونشاطا.
النور الابهى والامل الرقراق الذي أبهج مؤخرا الكثيرات لاح من العراق، فبعد أ.م.د. دنيا وديع الفياض التي تبوأت منصب عميد كلية طب الاسنان بجامعة الانبار لتكون أول سيدة في منصب عميد بتلك الجامعة، السائرة على خطى د. تهاني الصندوق عميد كلية طب الاسنان بجامعة الموصل وسواهن كثيرات، أثلج الصدور وأشاع مساحة من الامل نبأ اختيار الدكتورة صبا عدنان غني لتكون أول رئيس لجامعة تكريت وبالتالي أول سيدة ترتقي منصب رئيس جامعة في العراق، الحاصلة على الدكتوراه في الهندسة الكيميائية ولقبها العلمي استاذ مساعد رغم أنها لم تتجاوز الاربعين من عمرها. وهو أمر ماكان ينبغي له أن يكون مستغربا في بلد كالعراق تاريخه موغل في أعماق الحضارة وتسنمت فيه سيدات كثيرات مناصب وزارية منذ أواسط القرن الماضي ولكن السنوات القليلة الماضية شهدت تصاعدا للنبرة الذكورية في المجتمع وحطا من قيمة المرأة ودورها في قيادة وبناء المجتمع وتنميته وسعيا لتهميشها وعزلها فضلا عن اضطهادها.
المفاجأة الاكبر جاءت من المحافـَظة المحافـِظة، نينوى، عندما اختار مجلس قضاء الموصل السيدة بسمة محمد بسيم، رغم التحديات الامنية والسياسية والاقتصادية وبالاجماع، رئيسة له، لتكون أول سيدة في العراق تتبوأ منصب رئيس مجلس محلي في العراق، وسط تأكيد أعضاء المجلس استعدادهم لتقديم المساعدة لرئيسة مجلس القضاء الجديدة من اجل خدمة المحافظة وأهلها، ما يبشر بقرب انصاف المرأة، والقضاء على الهيمنة الذكورية في المجتمع العراقي وربما يكون كل ذلك خطوات اول على الطريق الصحيح لاعادة بناء العراق ومجتمعه ووضعه اخيرا على الصراط المستقيم، بالاستعانة بنصفه الذي عطِّل كثيرا وآن له أن يعود الى فاعليته وحقوقه ونشاطه.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة