وداعا يا صديقي
نصار النعيمي
كعادته اليومية جلس على اريكته القديمة مستلقيا وبيده الريموت كنترول يتفقد قنواته المفضلة كأنه يمارس مهنته القديمة والتي افنى عمره فيها في تفقد جنوده وهندامهم يوميا صباحا ومساء رئيسا لعرفاء الوحدة ، الاسم الذي لم يَغِبْ عن اسماع اجيالنا المتعاقبة الستينية منها والسبعينية وحتى الثمانينية عن مرحلة صعبة من الحياة كان يمر بها الشاب العراقي قبل عام 2003 كما تمر العذراء بمرحلة الشرنقة .
وما ان تتطابق عقارب الساعة التاسعة من مساء كل يوم يبدأ تعداده اليومي على قنواته الاخبارية المفضلة التي قد لايفارقها الا القلة من الناس في العراق وبدأت يومها باخبار انفجارية عن سلسلة من التفجيرات بهجمة بربرية في العاصمة العراقية بغداد.
الحاج عمر الجبوري ابو سطم بدا محملقا بعيونه الجاحظة كصقر جارح لشاشة طالما ادمت قلوب العراقيين من منظر للانسان مهين اعتادت عليه أعين الناس اجمعين ، وبلمحة عين لمشهد التفجير وانتشال جثة لاحد الضحايا امام الكاميرا صرخ الحاج عمر لا ياخي يا عبد الزهرة لا لا لا .
فور سماع زوجته واولاده لصرخته المدوية احاطوا به مستفسرين عن سبب صراخه ؟
اجاب الحاج عمر بلهجة مختنقة وصوت مبحوح رايت اخي وصديق عمري في سنوات العسكرية عبد الزهرة جبار ملطخا بدمائه جثة هامدة ترفع بحمالة الاسعاف في منطقة بغداد الجديدة .
واشتغل بمخيلته ذكريات عتيقة لمرحلة عاشها مع صديق عمره عبد الزهرة طيلة عقدين من الزمان مضت ، وتذكر اول يوم التقاه فيه وتعرف عليه عندما اتى منقولا الى وحدته العسكرية واجلسه وخفف عليه هول نار السواتر الامامية بكسرة خبز يابس وكوب شاي اعد على نار تشوبها رائحة الموت.
محمود الابن الاصغر للحاج عمر حاول جاهدا ان يخفف عن كاهل ابيه ويخرجه من موجة حزنه وسأله : هل انت متاكد يا ابي ان الذي شاهدته على شاشة التلفاز صديقك العم عبد الزهرة ؟
اجابه ابوه " نعم متاكد يا بني فأنا ان اشم رائحته قبل ان اراه واسمع طرق بسطاله القديم قبل ان يصلني والمح خفة ظله قبل ان يقف امامي .
وعقد الحاج عمر العزم على ان يكون وفيا لصديقه ويحضر مراسم عزائه بناءا على اتفاق كان قد عقده مع صديقه المتوفي قبل اكثر من عشرين عاما بان يكون كل منهما وفيا للاخر ولايفارقه حتى ان ياخذ الله منية احدهما ، ورغم تفاقم امراضه المزمنة بين الضغط والسكر وتذبذب نبضات قلبه قرر ان يذهب الى بغداد برفقة ابنه ، محاولات يائسة من زوجته وباقي العائلة لردعه عن السفر خوفا من تدهور صحته او الاوضاع الامنية المتردية في العاصمة بغداد ، ولكن لم يفلح الجميع وتهيأ هو وابنه محمود على عجل واستقلا سيارة اجرة في صباح اليوم التالي من كراج الموصل قاصدين العاصمة بغداد .
وبعد انطلاقة السائق بدقائق حاول محمود ان يلاطف اباه ويخفف عنه حزنه العميق فقال له حدثني يا ابي عن ذكرياتك مع عمي عبد الزهرة وكيف كانت حياتكما ايام زمان ؟
الحاج عمر " السنين التي عشناها في وحدتنا العسكرية بحب اخوي فيما بيننا وعطف ابوي على صغارنا واحترام لكبيرنا سنا ورتبة وكنا نتقاسم رغيف الخبز في الشدائد وكثيرا ما مرت علينا ايام لايصل الطعام الينا بل وحتى الماء فنعيش بزمزمية واحدة من الماء لأيام عديدة نطفيء فيها برميقات قليلة عطش الصيف الحارق ونحن في موضعنا الصغير نترقب الفرج بين اشباح الموت ، وكان عمك عبد الزهرة يحاول جاهدا الترفيه عنا من خلال نكته الجميلة وروحه المرحة رغم ان الموت كان يحصد العشرات من حولنا في كل يوم ولكنه كان دائما يردد ويقول هيه موته لو موتين ، ولم نعرف طوال عمرنا للقومية او المذهب او العرق اي تفسير سوى اننا كلنا عراقيون ويد واحدة فقط ولا شيء سوى ذلك ".
وتابع الحاج عمر بصوت مبحوح وكلمات صادقة " ايه ياريت ترجع هذيج الايام كنا نسافر من وحداتنا في قطار البصرة الى بغداد اوبالعكس ولا نشعر بتعب او ملل مجموعة من الأصدقاء نعيش احبة كأخوة وعندما نصل محطة قطار بغداد باكرا ننزل مع امتعتنا ويحاول عبد الزهرة اوغيره من الاخوة ان يستضيفونا في دورهم او ان يقدموا لنا وجبة الافطار الشهية في احدى المقاهي الشعبية او الفطور على الماشي والجلوس على كرسي من صفيح او على الارض لنتناول القيمر العراقي اللذيذ المعروف بقيمر السدة من ايدي بائعاته على ارصفة كراج العلاوي اللواتي كن يعملن بشرف لدعم ازواجهن وتربية اطفالهن فكانت بحق تلك الايام مليئة بعطر الحياة الذي فقدناه بعدها ".
وعند الوصول الى كراج العلاوي نزل الحاج عمر وابنه محمود وتوقفا ليستريحا قليلا من مشقة الطريق ، وحملق الحاج عمر بشارع العلاوي وبسطياته التي بدت كلوحة رسمت الوان طيف الشعب العراقي بين بائع وشاري وبين سائل ومجيب ، ثم دخلا الى جامع السامرائي الشهيرلأداء صلاة الظهر وتذكر ايامه يوما ان كان هذا الجامع مكتظا بالمصلين من المسافرين بين المحافظات العراقية نهارا او ليلا لأنتظار موعد القطار او باقي خطوط النقل ، وبعد اداء الصلاة خرجا و استقلا سيارة اجرة اخرى الى بغداد الجديدة موطن الخبر الذي راى فيه الحاج عمر حادثة صديقه عبر شاشة التلفاز ، وهناك حاول هو وابنه التعرف على دار صديقه المتوفي او من يدله عليه اويعرف اي شيء عنه من خلال السؤال والاستفسار ، وبعد البحث في ارجائها الواسعة واسواقها العامرة ومعالمها المعروفة ومنها اسواق الصاغة.
.واستمرا ايضا بالبحث في شارع الداخل المشهور بالمطاعم والسينمات وتوقفا لتناول اكلة سريعة عند فالح ابو العنبة من اشهر المطاعم الشعبية ثم اكملوا بحثهم واستفسارهم عند سينما البيضاء ووصلوا الى صالون حلاقته المفضل لصاحبه الحاج جميل ابو داؤود وعند دخولهم سأل الحاج عمر عن حلاقه فأجابه ابنه وليد عمي تعيش انت ، مما زاد حزن ابو سطم ايضا ورغم محاولاتهم لمعرفة اية معلومة عن عبد الزهرة بكل الطرق لم يجدا من يدلهم وكانت اخر اجابة من مسؤول كراج نقل بغداد الجديدة "اخي والله لافتات النعي التي وردتني لم اقرأ فيها اسم صاحبك ".
وفكر الحاج عمر وابنه بطريقة اخرى للاستدلال على دار صديقه ، وانتقلا للسؤال عنه في المستشفيات القريبة ( مستشفى العلوية والكرخ والراهبات) ولكن لم يحصلا على عنوان صديقه المفجوع.
ومع مغيب الشمس استقلا سيارة اجرة الى شارع السعدون لكي يحجزا في احد الفنادق التي يقطنها زوار المحافظات و التي بدت مساءا كصحراء قاحلة الا من بعض المسافرين وبعض عمال الفنادق وتعجب الحاج عمر وقال " ايه هذا شارع السعدون لو اني متوهم اجابه ابنه صحيح يابا احنا بشارع السعدون ، قال الاب ابدا لم ار شارع السعدون حزينا يوما هكذا بل كنت اراه دائما ضاحكا مستبشرا بضيوفه من كل المحافظات العراقية يتسامر بعضهم مع بعض في المقاهي الشعبية ويسأل بعضهم عن اهالي مواطنيهم من باقي المحافظات" .
وفرح الحاج عمر عندما راى احد المقاهي القديمة للاخوة السودانيين بمنطقة البتاويين عرفت منذ ثمانينيات القرن الماضي والذين وطأت اقدامهم ارض العراق قبل اكثر من ثلاثة عقود مضت وقال لابنه خذني الى ذلك المقهى لعلي اجد صديقي بجاد الذي كان يعمل فيها قبل سنين ، وما ان دخلا وجلسا لشرب الشاي وتلفت الحاج عمر فرأى عددا من الاخوة السودانيين جالسين على اريكة مربعة تجمعهم هموم غربة الوطن ومضي قطار العمر بعلامات فارقة لم يعتد عليها كبياض شعرهم وتجعد وجهوهم وانحناء ظهورهم ، وبعد ان سألهم عن صاحبه بجاد اجابه احد الجالسين بانه قد توفي قبل اكثر من خمس سنين ، وترحم الحاج عمر على صديقه الاخر وزاد ذلك من ألمه وارتشف الشاي على مضض وغادرا المقهى الى فندقهم الشعبي ".
وفي اليوم الثاني حاول الحاج عمر بصحبة ولده محمود ان يجد دار اهل صديقه عبد الزهرة والذي كان يزوره قبل سنين بمدينة الصدر وبعد عناء كبير وسؤال كثير وصلا الى المكان المعروف خلف شارع الفلاح الوسطي وعلما من الجيران ان دار اهل عبد الزهرة قد بيع بعد وفاة امه و غادر باقي اخوته الى النجف بحثا عن عمل بعد ان انقطعت بهم السبل في العاصمة ، ولما يئس الحاج عمر من الوقوف على قبر صديق عمره طلب من ابنه ان ياخذه الى مقبرة الكرخ ولما وصلا وقف على اطلال القبور وبدأ يقرا سورة الفاتحة ويدعو لصديقه بصوت مبحوح ودموع لاتنقطع وبعدها قال ودعا ياصديقي ".
ملاحظة: سبق ونشرت هذه القصة بتأريخ 29 ايلول 2013 بصحيفة العالم الجديد الألكترونية، وعلى صفحة الفيس بوك الخاصة به.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
نصار النعيمي
كعادته اليومية جلس على اريكته القديمة مستلقيا وبيده الريموت كنترول يتفقد قنواته المفضلة كأنه يمارس مهنته القديمة والتي افنى عمره فيها في تفقد جنوده وهندامهم يوميا صباحا ومساء رئيسا لعرفاء الوحدة ، الاسم الذي لم يَغِبْ عن اسماع اجيالنا المتعاقبة الستينية منها والسبعينية وحتى الثمانينية عن مرحلة صعبة من الحياة كان يمر بها الشاب العراقي قبل عام 2003 كما تمر العذراء بمرحلة الشرنقة .
وما ان تتطابق عقارب الساعة التاسعة من مساء كل يوم يبدأ تعداده اليومي على قنواته الاخبارية المفضلة التي قد لايفارقها الا القلة من الناس في العراق وبدأت يومها باخبار انفجارية عن سلسلة من التفجيرات بهجمة بربرية في العاصمة العراقية بغداد.
الحاج عمر الجبوري ابو سطم بدا محملقا بعيونه الجاحظة كصقر جارح لشاشة طالما ادمت قلوب العراقيين من منظر للانسان مهين اعتادت عليه أعين الناس اجمعين ، وبلمحة عين لمشهد التفجير وانتشال جثة لاحد الضحايا امام الكاميرا صرخ الحاج عمر لا ياخي يا عبد الزهرة لا لا لا .
فور سماع زوجته واولاده لصرخته المدوية احاطوا به مستفسرين عن سبب صراخه ؟
اجاب الحاج عمر بلهجة مختنقة وصوت مبحوح رايت اخي وصديق عمري في سنوات العسكرية عبد الزهرة جبار ملطخا بدمائه جثة هامدة ترفع بحمالة الاسعاف في منطقة بغداد الجديدة .
واشتغل بمخيلته ذكريات عتيقة لمرحلة عاشها مع صديق عمره عبد الزهرة طيلة عقدين من الزمان مضت ، وتذكر اول يوم التقاه فيه وتعرف عليه عندما اتى منقولا الى وحدته العسكرية واجلسه وخفف عليه هول نار السواتر الامامية بكسرة خبز يابس وكوب شاي اعد على نار تشوبها رائحة الموت.
محمود الابن الاصغر للحاج عمر حاول جاهدا ان يخفف عن كاهل ابيه ويخرجه من موجة حزنه وسأله : هل انت متاكد يا ابي ان الذي شاهدته على شاشة التلفاز صديقك العم عبد الزهرة ؟
اجابه ابوه " نعم متاكد يا بني فأنا ان اشم رائحته قبل ان اراه واسمع طرق بسطاله القديم قبل ان يصلني والمح خفة ظله قبل ان يقف امامي .
وعقد الحاج عمر العزم على ان يكون وفيا لصديقه ويحضر مراسم عزائه بناءا على اتفاق كان قد عقده مع صديقه المتوفي قبل اكثر من عشرين عاما بان يكون كل منهما وفيا للاخر ولايفارقه حتى ان ياخذ الله منية احدهما ، ورغم تفاقم امراضه المزمنة بين الضغط والسكر وتذبذب نبضات قلبه قرر ان يذهب الى بغداد برفقة ابنه ، محاولات يائسة من زوجته وباقي العائلة لردعه عن السفر خوفا من تدهور صحته او الاوضاع الامنية المتردية في العاصمة بغداد ، ولكن لم يفلح الجميع وتهيأ هو وابنه محمود على عجل واستقلا سيارة اجرة في صباح اليوم التالي من كراج الموصل قاصدين العاصمة بغداد .
وبعد انطلاقة السائق بدقائق حاول محمود ان يلاطف اباه ويخفف عنه حزنه العميق فقال له حدثني يا ابي عن ذكرياتك مع عمي عبد الزهرة وكيف كانت حياتكما ايام زمان ؟
الحاج عمر " السنين التي عشناها في وحدتنا العسكرية بحب اخوي فيما بيننا وعطف ابوي على صغارنا واحترام لكبيرنا سنا ورتبة وكنا نتقاسم رغيف الخبز في الشدائد وكثيرا ما مرت علينا ايام لايصل الطعام الينا بل وحتى الماء فنعيش بزمزمية واحدة من الماء لأيام عديدة نطفيء فيها برميقات قليلة عطش الصيف الحارق ونحن في موضعنا الصغير نترقب الفرج بين اشباح الموت ، وكان عمك عبد الزهرة يحاول جاهدا الترفيه عنا من خلال نكته الجميلة وروحه المرحة رغم ان الموت كان يحصد العشرات من حولنا في كل يوم ولكنه كان دائما يردد ويقول هيه موته لو موتين ، ولم نعرف طوال عمرنا للقومية او المذهب او العرق اي تفسير سوى اننا كلنا عراقيون ويد واحدة فقط ولا شيء سوى ذلك ".
وتابع الحاج عمر بصوت مبحوح وكلمات صادقة " ايه ياريت ترجع هذيج الايام كنا نسافر من وحداتنا في قطار البصرة الى بغداد اوبالعكس ولا نشعر بتعب او ملل مجموعة من الأصدقاء نعيش احبة كأخوة وعندما نصل محطة قطار بغداد باكرا ننزل مع امتعتنا ويحاول عبد الزهرة اوغيره من الاخوة ان يستضيفونا في دورهم او ان يقدموا لنا وجبة الافطار الشهية في احدى المقاهي الشعبية او الفطور على الماشي والجلوس على كرسي من صفيح او على الارض لنتناول القيمر العراقي اللذيذ المعروف بقيمر السدة من ايدي بائعاته على ارصفة كراج العلاوي اللواتي كن يعملن بشرف لدعم ازواجهن وتربية اطفالهن فكانت بحق تلك الايام مليئة بعطر الحياة الذي فقدناه بعدها ".
وعند الوصول الى كراج العلاوي نزل الحاج عمر وابنه محمود وتوقفا ليستريحا قليلا من مشقة الطريق ، وحملق الحاج عمر بشارع العلاوي وبسطياته التي بدت كلوحة رسمت الوان طيف الشعب العراقي بين بائع وشاري وبين سائل ومجيب ، ثم دخلا الى جامع السامرائي الشهيرلأداء صلاة الظهر وتذكر ايامه يوما ان كان هذا الجامع مكتظا بالمصلين من المسافرين بين المحافظات العراقية نهارا او ليلا لأنتظار موعد القطار او باقي خطوط النقل ، وبعد اداء الصلاة خرجا و استقلا سيارة اجرة اخرى الى بغداد الجديدة موطن الخبر الذي راى فيه الحاج عمر حادثة صديقه عبر شاشة التلفاز ، وهناك حاول هو وابنه التعرف على دار صديقه المتوفي او من يدله عليه اويعرف اي شيء عنه من خلال السؤال والاستفسار ، وبعد البحث في ارجائها الواسعة واسواقها العامرة ومعالمها المعروفة ومنها اسواق الصاغة.
.واستمرا ايضا بالبحث في شارع الداخل المشهور بالمطاعم والسينمات وتوقفا لتناول اكلة سريعة عند فالح ابو العنبة من اشهر المطاعم الشعبية ثم اكملوا بحثهم واستفسارهم عند سينما البيضاء ووصلوا الى صالون حلاقته المفضل لصاحبه الحاج جميل ابو داؤود وعند دخولهم سأل الحاج عمر عن حلاقه فأجابه ابنه وليد عمي تعيش انت ، مما زاد حزن ابو سطم ايضا ورغم محاولاتهم لمعرفة اية معلومة عن عبد الزهرة بكل الطرق لم يجدا من يدلهم وكانت اخر اجابة من مسؤول كراج نقل بغداد الجديدة "اخي والله لافتات النعي التي وردتني لم اقرأ فيها اسم صاحبك ".
وفكر الحاج عمر وابنه بطريقة اخرى للاستدلال على دار صديقه ، وانتقلا للسؤال عنه في المستشفيات القريبة ( مستشفى العلوية والكرخ والراهبات) ولكن لم يحصلا على عنوان صديقه المفجوع.
ومع مغيب الشمس استقلا سيارة اجرة الى شارع السعدون لكي يحجزا في احد الفنادق التي يقطنها زوار المحافظات و التي بدت مساءا كصحراء قاحلة الا من بعض المسافرين وبعض عمال الفنادق وتعجب الحاج عمر وقال " ايه هذا شارع السعدون لو اني متوهم اجابه ابنه صحيح يابا احنا بشارع السعدون ، قال الاب ابدا لم ار شارع السعدون حزينا يوما هكذا بل كنت اراه دائما ضاحكا مستبشرا بضيوفه من كل المحافظات العراقية يتسامر بعضهم مع بعض في المقاهي الشعبية ويسأل بعضهم عن اهالي مواطنيهم من باقي المحافظات" .
وفرح الحاج عمر عندما راى احد المقاهي القديمة للاخوة السودانيين بمنطقة البتاويين عرفت منذ ثمانينيات القرن الماضي والذين وطأت اقدامهم ارض العراق قبل اكثر من ثلاثة عقود مضت وقال لابنه خذني الى ذلك المقهى لعلي اجد صديقي بجاد الذي كان يعمل فيها قبل سنين ، وما ان دخلا وجلسا لشرب الشاي وتلفت الحاج عمر فرأى عددا من الاخوة السودانيين جالسين على اريكة مربعة تجمعهم هموم غربة الوطن ومضي قطار العمر بعلامات فارقة لم يعتد عليها كبياض شعرهم وتجعد وجهوهم وانحناء ظهورهم ، وبعد ان سألهم عن صاحبه بجاد اجابه احد الجالسين بانه قد توفي قبل اكثر من خمس سنين ، وترحم الحاج عمر على صديقه الاخر وزاد ذلك من ألمه وارتشف الشاي على مضض وغادرا المقهى الى فندقهم الشعبي ".
وفي اليوم الثاني حاول الحاج عمر بصحبة ولده محمود ان يجد دار اهل صديقه عبد الزهرة والذي كان يزوره قبل سنين بمدينة الصدر وبعد عناء كبير وسؤال كثير وصلا الى المكان المعروف خلف شارع الفلاح الوسطي وعلما من الجيران ان دار اهل عبد الزهرة قد بيع بعد وفاة امه و غادر باقي اخوته الى النجف بحثا عن عمل بعد ان انقطعت بهم السبل في العاصمة ، ولما يئس الحاج عمر من الوقوف على قبر صديق عمره طلب من ابنه ان ياخذه الى مقبرة الكرخ ولما وصلا وقف على اطلال القبور وبدأ يقرا سورة الفاتحة ويدعو لصديقه بصوت مبحوح ودموع لاتنقطع وبعدها قال ودعا ياصديقي ".
ملاحظة: سبق ونشرت هذه القصة بتأريخ 29 ايلول 2013 بصحيفة العالم الجديد الألكترونية، وعلى صفحة الفيس بوك الخاصة به.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة