رأي حول التداوي بالأعشاب
الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال - الموصل-العراق
الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال - الموصل-العراق
أبدأ أولاً بشكر للأستاذ سالم الحسو الذي طلب مني أن أبدي رأيي حول مسألة التداوي بالأعشاب ،وثانياً أقدم شكري للأستاذ الفاضل كاتب المقال كاظم فنجان الحمامي على عرضه الشيق لإنجازات العالم الجغرافي والمداوي بالأعشاب الأستاذ الدكتور داود بن جاسم الرُبيعي . حقاً إن هذا الرجل العصامي يستحق الإجلال والإكبار على ما قام به في مسيرة حياته التي توجها بكتابة أكبر موسوعة في طب الأعشاب ، بعد دراستها في مواطن نباتها .
وبعد هذه المقدمة أقول من المفيد التنويه إلى أنني كنت قد كتبت في موضوع العلاج بالأعشاب أكثر من بحث قدمت أحدها في ندوة عقدت في دراسات الموصل ونشر في موقع البيت الموصلي .
ومن أجل إعطاء التصور العلمي الصحيح حول الموضوع نستعرض ونناقش وجهات النظر المختلفة بشكل موجز ضمن ثلاث محاور :
المحور الأول : آراء المؤيدين:
1 . إن مجرد استمرار المداوين بالأعشاب يثبت مدى أهميتهم للمجتمع ، باعتبار ذلك طباً بديلاً إقتصادياً لا يكلف أصحابها دفع أجور للطبيب وما يتبع ذلك من أجور للتحاليل وعمل الأشعة .
2 . إن المداوي الشعبي أو العطار قريب من مرضاه ، والوصول إليه أيسر كثيراً من الطبيب خاصة في بعض المناطق الريفية البعيدة عن المراكز الصحية الرسمية .
3 . أو لعله قدر من خيبة الناس في الطب الحديث وكذلك كرد فعل ضد الإفراط في تطبيب المجتمعات المختلفة والتأثيرات والمضاعفات الجانبية التي تنشأ عن المعالجة بالأدوية المصنعة .
4 . إنه بفضل التقدم التكنلوجي حدث تطور في صناعة المستحضرات العشبية حيث أصبحت تستخدم على هيئة أقراص وحقن ومراهم ، وقد ساعدت طرق التحضير الحديثة أيضاً في تقليل السمية والأعراض الجانبية للأعشاب وجعله مستساغاً ومن دون روائح كريهة .
المحور الثاني : آراء المخالفين :
وعلى النقيض مما سبق يقف الطبيب العلمي وآخرون ممن لا يرون إلاّ الجانب غير المنطقي من الطب التقليدي وطب الأعشاب فيؤكدون على أنه طب يتسم بالغموض في
التشخيص ، والخبرة التجريبية التي لم تخضع يوماً للتحري الدقيق ، لذا فهم لا يترددون في استنكاره بصورة قاطعة.وسلبيات التداوي بالأعشاب في نظر المخالفين هي :
1 - بمرور السنين ونتيجة لانتشار الطب الحديث والثقافة الجديدة أخذ عدد العطارين الحقيقيين من ذوي الخبرة الصحيحة من الذين يتعاطون بالعقاقير والأعشاب النباتية بالانحسار.
2 – إن غالبية المعالجين بالأعشاب اليوم لايعلمون قواعد العلاج ، حيث طوى النسيان تدريجياً الإلمام بأفضل الأوقات لجمع النباتات ، وأحسن السبل لتجفيف كل منها والظروف الملائمة لتخزينها على نحو يمنع تلفها . كما أصبح غالبيتهم لا يعرفون أن العشب الواحد يحتوى على الكثير من العناصر التي تفيد مرضاً وتضر المريض من جانب آخر بل وقد تكون سامة في بعض الأحيان.
3 –الطرق الخاطئة في تخزين الأعشاب قد تؤدي إلى نمو بعض الفطريات والسموم عليها ، وفي كثير من الأحيان تتعرض الأعشاب أثناء عملية إنتقالها من الأرض للعطار ثم للمستهلك لعوامل التلوث .
4– إن وسائل الإعلام والفضائيات سهلت للكثير من الجاهلين بالطب من المعالجين بالأعشاب في نشر أفكارهم السيئة ومنتجاتهم الضارة ، حتى أساءت وشوهت صورة المعالجين بالأعشاب من ذوي الخبرة ، وتسربت الروح التجارية وعمّت موجة من الشعوذة وبرز عدد هائل من الادعاءات الكاذبة فيما يخص المعالجة .
المحور الثالث: الإجراءات التنظيمية الواجب اتخاذها لعمل العطارين والمداوين
بالأعشاب الطبية :
إذا كان وجود العطارين وممارسي العلاج بالأعشاب أمراً واقعاً حيث لازال الناس رغم تقدم الطب والصيدلة يذهبون إليهم لشراء بعض الوصفات الجاهزة أو طلب أدوية عطارية بناءً على نصيحة أو مشورة للعطار ذاته . وإن كان لابد من بقائهم فيجب أن يكون بقاؤهم ضمن ضوابط محددة ومعايير ثابتة تضمن السلامة للمريض وأهم هذه الضوابط في نظرنا هي :
1 . إحصاء جميع العطارين وممارسي العلاج بالأعشاب الطبية الموجودين في القطر .
2 .إجراء اختبار لهم جميعاً من قبل هيئة طبية تضم أطباء وخبراء بعلم الأعشاب الطبية والأمور الصيدلانية ويختبرون حول درجة معرفتهم بـ :
أ - المبادئ الأساسية حول الأمراض التي يعالجونها وكيفية تشخيصها وطرق الوقاية منها.
ب - الأعشاب الطبية التي يستعملونها وكيفية تأثير هذه الأعشاب في المعالجة
3 . وبعد حصول الممتحنين منهم على درجة تؤهلهم ممارسة العمل يسجلون ضمن جمعية أو نقابة تنظم عملهم ضمن برامج خاصة منها :
أ - تدريبهم وتأمين التعليم المستمر الموحد لهم حيث أن هناك اختلافات واسعة في معلومات الكثير منهم .
ب -تحديد الأمراض التي يسمح لهم بممارسة معالجتها .
ج - تزويدهم بالأعشاب الطبية من قبل جهة رسمية معينة وعدم السماح لهم جمع الأعشاب بشكل عشوائي وعلى الجهة الرسمية إجراء تحليلات كيميائية على النباتات لتحديد الجزء الحاوي للمادة الفعالة للاستفادة من النبات في الوقت المناسب ومن أجزائه الأكثر فاعلية.
د - إخضاعهم للمراقبة المستمرة من قبل هيئة رسمية ( تضم إضافة لمراقبي الجمعية أطباء لهم إلمام بأساليب المعالجة بالأعشاب الطبية ) .
هـ- إجراء كشوف مستمرة على الأدوية والنباتات الطبية التي يستعملونها لمعرفة صلاحيتها . وإحكام الرقابة على مستحضراتهم العشبية وضبط الجرعة المطلوبة لعلاج المريض وترشيد إستخدام هذه الأعشاب حتى لا تؤدي إلى أضرار بالغة .
و- وقف الممارسات الضارة واستبعاد المدعين والمشعوذين وعدم السماح بوضع الملصقات الحاوية العبارات الدعائية والإيحاءات الخداعة والمحافظة على مستوى رفيع من آداب المهنة وممارساتها .
وفي الختام أقول : الفارق شاسع جدا بين العشاب والطبيب المختص بطب الأعشاب. فالأول توارث معلومات عن أعشابه ونادراً ما يكون يحمل شهادة أكاديمية في ذلك (مع احترامي وتقديري لهذا الميراث العلمي) وهذا لا يتوافق وطبيعة العصر (العلمي الصبغة) ولذا فإني أدعو العشابين إلى دراسة الأعشاب دراسة علمية احصائية دقيقة، لئلا يقعوا في أخطاء جسيمة ويبقوا خارج دائرة الفعالية في هذا المضمار.أما الطبيب المختص في طب الأعشاب، فهو طبيب أولا تخرج من كلية طب ودرس العلوم الطبية أكاديمياً، فكسب مهارة علمية منطقية جعلت تعامله مع الأعشاب ومع المرضى تعاملاً علميا منطقيا، لا يقدم إلا على ما هو مدروس ومنضبط وفعال.
عودة الى الصفحة الرئيســة