هناء أحمد فارس
(ولكني لا اريد منها شيء، اني احب التطلع اليها فقط ) اجاب ثامر، هذا الذي قاده درس اللغة الانكليزية الى مواضع الجيش، لقد فشل ولثلاث مرات متتالية في اجتياز الامتحان الوزاري، لقد كان يفتح فمه دهشة، عندما كانت اخته التي تصغره بثلاث سنين تنطق كلمات انكليزية .
(كيف يمكنك ان تنطقي هذه اللغة بمثل هذه السهولة ) كان يقول لها، (انها مجرد لغة، انت الذي تعتبرها وحشا، بينما تعلمها في غاية الروعة) ورغم كلام اخته، ورغم الاموال التي صرفت على الدروس الخصوصية، لم يستطع ان ينجح نهاية العام الدراسي .
نعم انها اللغة الانكليزية التي جلبته هنا في هذا المكان، قضى ايامه بين الوحدات العسكرية والقرى الحدودية، لقد تعلم اسماءا لقرى وقصبات اكثر من كل الاسماء التي قرءها في درس الجغرافية .
لم يدخل البهجة على قلبه وهو يعيش هذه الخدمة الالزامية، سوى رؤية هذه الفتاة القروية، التي تمر من هنا كل يوم حاملة على راسها حزمة كبيرة من الحطب حينا او اوعية لحمل المياه حينا اخر، كانت جميلة، تذكره
بالممثلة المصرية الحسناء بطلة فيلم (........... ) خمرية البشرة بقامة فارعة وعينين عسليتين
اعاده صوت ياتي من بعيد الى الواقع، ابصر فتاة تركض نحوه ، كانها ، لا بل هي حقا ، كانت تركض باتجاهه صارخة (خوية اني دخيلتك ، اني دخيلتك ) ذهل من الموقف، حاول تهدئتها، لكنه فشل لقد كانت تنتفض من الخوف وسرعان ما تجمع الجنود حولهما ، تدخل الآمر طالبا من الجميع الانفضاض من التجمع والعودة كلٌّ الى مكانه، وطلب من الفتاة ان تغادر المكان ( والله العظيم سيدي اني شريفة، هذوله اخوتي رادو ينطوني لشايب، انهزمت لبغداد، لكيت اهل بغداد يريدون ينهشون عرضي رجعت لاهلي ) اندفعت الكلمات والدموع من فمها وعينيها .( يابنتي احنا جيش ما انحل طلايب، ممنوع اطلعي من هنا). قال الامر بلهجة شديدة .
في هذه الاثناء اندفع عدة رجال حاملي الاسلحة والشرر يتطاير من عيونهم، تكلم كبيرهم، كان واضحا الشبه بينه وبين الفتاة، اعطونا بنتنا لو اليوم نكلبها خراب ) صرخ في وجه الآمر، الذي سرعان ما سحب الفتاة التي كانت تختبى خلف ثامر، متمسكة بملابسه ، لكن الرجال الغابين لم يتركوها ...، سحبوها خارج نقطة الحراسة، تاركين ثامر مقطعة ازرار قميصه العسكري، لقد تمسكت المسكينة بالبزة العسكرية، ظنتها المخلص من الموت، لم تكن تعلم انها الطريق الى المقبرة، وفي ذهوله ودموعه ابصرهم يطلقون النار عليها، بل ان احدهم، كان فتيا في السابعة عشر من العمر جثم على صدرها وغرز سكينا في قلبها، كانت تدفع بساقيها وتفتح فمها بحثا عن نسمة هواء لقد سرقوا نسيم الصباح من رئتيها، وبفعل بحثها عن الهواء انكشفت الثياب عن ساقيها .. كانتا ساقين بريئتين، طاهرتين، ذكره منظرها بالحمامة التي وجدها على سطح منزله في احد الايام ، لكن والده لم يصدق ذلك ، اتهمه انه سيصبح مطيرجيا، لقد ذبحها والده ولم تنفع دموعه وتوسلاته في الشفاعة للحمامة المسكينة، وها هو اليوم لا شيء لديه ليشفع به لاجل هذه الصبية ، حتى البندقية التي علموه انها تستعمل للدفاع عن النفس والقضاء على العدو باعتباره ظالما يحاول غزو بلدهم، تحولت الى مجرد قطعة حديد، وهو عاجز عن استخدامها، واساه الآمر ( انت صغير ولم تتعلم بعد ان الواجب العسكري يقول لك، ان تترك اهلها لياخذوها، لو اننا لم نعطهم اياها، لذبحونا ليلا مثل النعاج) تساءل في نفسه وهل كتب عليه ان تذبح حمامته مرتين
للعودة إلى الصفحة الرئيسة.