عبد الله سالم
*
ملاحظة: المقال منشور في موقع "نقاش" بتاريخ 13 شباط 2014، ويعاد نشره في موقعنا لأهميته
الدخول إلى مدينة الموصل القديمة من جهتها الغربية يجعل منارة الحدباء في مواجهة الزائر بانحنائها الشهير نحو الشرق، إنها تقف هكذا منذ أكثر من 800 عام بارتفاع حجري يبلغ 45 متراً، وميلان جاوز ثلاثة أمتار جعل منها برج بيزا بنسخة عراقية.
المنارة مهددة بالانهيار في أية لحظة بسبب المياه الجوفية التي تسببت بتشققات وتصدعات في هيكلها مع عجز محلي تام بسبب نقص الخبرات المحلية وفقدان الأمن، فالمنارة هي عبارة عن مئذنة تقع في الجانب الغربي للجامع الكبير في الجانب الأيمن لمدينة الموصل، أو ما يعرف بالجامع النوري نسبة للقائد الاسلامي نور الدين زنكي الذي بناها في عام 1170 ميلادية.
يؤكد الباحث والمؤرخ عبد الجبار الجرجيس لـ"نقاش" إن منارة الحدباء فريدة من نوعها بسبب طرازها العمراني وميلانها الذي أكسبها شهرة واسعة إمتدت إلى النطاق العالمي فهي مبنية من الحجر والجص، والمادة الأخيرة والرياح هما السبب في الميلان، إذ أن البنائين أنشأوا المنارة بنحو معتدل، غير أن تصلُّب الجبس، مع الرياح الغربية التي تهب على المدينة معظم فترات السنة جعلها تميل الى الشرق، وتتخذ شكلها الحالي حتى بات يطلق عليها "منارة الحدباء".
دائرة الاثار ومديرية الأوقاف والدائرة الهندسية في محافظة نينوى تؤكدان أن منارة الحدباء تقف على بحر من المياه الجوفية، وإن هذا هو سر التشققات والتصدعات التي ظهرت في السنوات الأخيرة في قاعدتها.
سبب رئيسي آخر يهدد الحدباء وغيرها من معالم الموصل الأثرية، ويتمثل بالوضع الأمني السيء في هذه المدينة التي عانت ومنذ عام 2003، وحتى اليوم من الاشتباكات المسلحة و التفجيرات شبه اليومية بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة .
محافظ نينوى أثيل النجيفي قال لـ"نقاش" إنه وقع في 22 أيلول من العام المنصرم في أربيل، مذكرة تفاهم مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، لدراسة وتوثيق الاستقرارية لمئذنة الحدباء بصفتها من المعالم الإسلامية العربية والعراقية وكيفية الحفاظ عليها.
وأكد أنه وقع اتفاقية ثانية بهذا الشأن مع ذات المنظمة في العاصمة الاردنية، وإن مشروع تأهيل الحدباء يقضي بقيام اليونسكو ببحث شامل حول مواد البناء والخصائص الجيولوجية والتحليل الهيكلي خلال مدة 12 شهراً، قبل اتخاذ القرار حول نوع الإجراء الترميمي الواجب اعتماده، حيث تم تحديد الأولويات الواجب معالجتها خلال زيارة ميدانية قام بها خبير في اليونسكو في حزيران 2012.
ولفت النجيفي الى أن برنامج التعاون هذا هو الأول من نوعه في المنطقة منذ 20 عاماً وهو يهدف إلى الحفاظ على المئذنة المائلة التي جلبت الشهرة للمدينة الشمالية.
الكثير من الحلول طُرحت لوقف ميلان الحدباء والعمل على منعها من السقوط ويقول المهندس المدني سالم عزيز مخلص إن إحدى الافكار تركزت على تقشير المنارة من الحجارة المزخرفة، واعادة ترميم التجويف بمواد إنشائية متطورة ومن ثم اعادة تغليف المنارة بحجارتها الأصلية لكي لا تفقد ميزتها التاريخية.
أما الحل الآخر فيتمثل بتقطيع المنارة إلى أجزاء ونقلها إلى مكان آخر، بعدها تتم معالجة المياه الجوفية، واعادة تركيبها في مكانها مجدداً، أما المقترح الاخير فيطرح إحداث حفر في أماكن متفرقة اسفل قاعدة المنارة، واستخدام مضخات عملاقة لشفط المياه.
وفي جميع الأحوال يقول المهندس سالم أحمد إن " الأمر يحتاج إلى خبرات دولية ومبالغ طائلة وهو ما لا يسمح به وضع نينوى الأمني في الوقت الراهن وربما لن يسمح به على المدى المنظور".
الموصليون شديدو الارتباط بمئذنتهم ويمكن لمن يتجوّل في المدينة أن يدرك هذا جيداً، إذ أنهم يطلقون اسم الحدباء على الكثير من المحال والمطاعم والمعامل والفرق الفنية والرياضية، وهنالك حي سكني شمال الموصل يحمل الأسم ذاته كما إن الموصل معروفة على نطاق العراق بمدينة الحدباء، وتوجد صورتها على الطوابع البريدية، وعلى النقود العراقية فئة 10 آلاف دينار.
كما أنهم وبمختلف أطيافهم ودياناتهم من مسلمين ومسيحيين يحتفظون بقصص توارثوها بشأن سبب ميلان المنارة، منها إن أحد الأنبياء مر بالمنارة فمالت خجلاً منه، فيما يتناقل المسيحيون إن المنارة انحنت لمريم العذراء والتي يقال أنها مدفونة قرب أربيل أي باتجاه ميلان المنارة، وعلى الرغم من ان الشخصيات التي يربطونها بالمنارة عاشت قبل انشائها بقرون كثيرة، إلا ان الكثيرين في الموصل مازالوا يرددون تلك القصص باعتزاز كبير.
المصدر : موقع نقاش
المحرر الاعلامي
*
للعودة إلى الصفحة الرئيسة