...سفينة مترنحة
بقلم عبد الرزاق روضان
الرياح عاتية.. الأمواج متلاطمة .. والسحب هدير شلال ثائر .. والسفينة تمخر عباب البحر .. تتلاطمها الامواج.. تميد .. وتتمايل يمينا وشمالا.. تترنح فتبدو كأنها ثملة... تهوي إلى السقوط بموجة .. وتستوي بأخرى.. ركابها مختلفو الأجناس والمشارب والأهداف.. كل إلى غايته يسعى.. في أحد قاعاتها هناك المخمورون الذين زادوا شربا حتى الثمالة .. فقدوا توازنهم وهم يرقصون وتتراقص معهم السفينة كأنهم في حفلة عرس أحد المترفين.. يرقصون على وقع صفير الرياح العاتية ، وهدير الموج العاتية، وحفيف السحب المسكابة .. الكل في حلقة يدور.. الا يعتبرون بما جرى وما يجري؟ يرقصون كيفما شاؤوا رقصات غير منتظمة.. يموجون مع الموج.. ويميلون مع الميل.. فقدواعقولهم فخوت رؤوسهم ..ينتظرون ساعة الصفر.. في القاعة أطفال يصرخون اخذ منهم الرعب مأخذا .. ونساء يولولن ويبكين.. فلا حول ولا قوة لهم بما حدث.. وما سيحدث! على ركن من أركانها كان كهل يجلس وهو يسند ظهره على عمود.. قابضا بيده اليسرى على حبل ممدود.. ويده اليمنى مرفوعة إلى السماء.. عيناه تتجولان في الأنحاء تارة.. وتغرورقان بالدمع تارة أخرى.. يحدق بعينيه لحظات إلى السماء.. كأنما يطلب شيئا ما.. يتمتم بكلمات لا يفهمها إلا هو .. وعيناه الغائرتان تغرورقان بالدمع مرة أخرى.. حتى يخيل للناظر إليه إنه انما ينتظر امرا ما! بل كأنه ينتظر نجدة قد وعد بها ... يجول بنظرة في السفينة مرة اخرى.. راقصوها ما برحوا يشكلون حلقة من رقص غير منتظم.. وهم سكارى على سفينتهم! الموج ينهال على السفينة كأنه جبال تمور..وصاحبنا الكهل مازال في محرابه يتمتم بأدعيته .. لا يفتأ ساجدا ولا ينفك عن ركوع.. لا يطبق شفتيه الا عن تمتمات هي حمد وشكر وحوقلة.. يعد ساعات الليل بأصابعه كأنه على موعد مع..? وشيئا فشيئا اخذت السفينة تقترب من بر الساحل.. اخذ السكون يدب في الأرجاء قليلا.. علا دعاؤه.. وسيطر عليه في لاوعيه شيء من سكينة.. وهو يحمد الله ويشكره.. انبلج الصبح.. كان السكون قد عم الأرجاء.. وهدأت النفوس الملتاعة..كان صاحبنا الشيخ ثابت اليقين.. قرين العين.. مطمئن القلب.. فيقينه بحفظ الله كان يشعره بأنه على موعد مع النجاة... هرع الناس ينزلون من السفينة سراعا.. ويتشبثون بنتوؤات الأرض.. يمسكون بالأشجار.. ويلوذون بالأحراش كانهم غير واثقين من حقيقة النجاة... أما الشيخ المؤمن فقد مد رداءه على الأرض.. وخر ساجدا حامدا شاكرا لله.. والناس في وجوم وعجب.. هي الدنيا هكذا... سفينة مترنحة في عباب بحر هائج ..لا طمأنينة في عرضها الزائل ، ولا يتعشم احد في مغرياتها نجاة الا من اختار هدى الله
..
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
بقلم عبد الرزاق روضان
الرياح عاتية.. الأمواج متلاطمة .. والسحب هدير شلال ثائر .. والسفينة تمخر عباب البحر .. تتلاطمها الامواج.. تميد .. وتتمايل يمينا وشمالا.. تترنح فتبدو كأنها ثملة... تهوي إلى السقوط بموجة .. وتستوي بأخرى.. ركابها مختلفو الأجناس والمشارب والأهداف.. كل إلى غايته يسعى.. في أحد قاعاتها هناك المخمورون الذين زادوا شربا حتى الثمالة .. فقدوا توازنهم وهم يرقصون وتتراقص معهم السفينة كأنهم في حفلة عرس أحد المترفين.. يرقصون على وقع صفير الرياح العاتية ، وهدير الموج العاتية، وحفيف السحب المسكابة .. الكل في حلقة يدور.. الا يعتبرون بما جرى وما يجري؟ يرقصون كيفما شاؤوا رقصات غير منتظمة.. يموجون مع الموج.. ويميلون مع الميل.. فقدواعقولهم فخوت رؤوسهم ..ينتظرون ساعة الصفر.. في القاعة أطفال يصرخون اخذ منهم الرعب مأخذا .. ونساء يولولن ويبكين.. فلا حول ولا قوة لهم بما حدث.. وما سيحدث! على ركن من أركانها كان كهل يجلس وهو يسند ظهره على عمود.. قابضا بيده اليسرى على حبل ممدود.. ويده اليمنى مرفوعة إلى السماء.. عيناه تتجولان في الأنحاء تارة.. وتغرورقان بالدمع تارة أخرى.. يحدق بعينيه لحظات إلى السماء.. كأنما يطلب شيئا ما.. يتمتم بكلمات لا يفهمها إلا هو .. وعيناه الغائرتان تغرورقان بالدمع مرة أخرى.. حتى يخيل للناظر إليه إنه انما ينتظر امرا ما! بل كأنه ينتظر نجدة قد وعد بها ... يجول بنظرة في السفينة مرة اخرى.. راقصوها ما برحوا يشكلون حلقة من رقص غير منتظم.. وهم سكارى على سفينتهم! الموج ينهال على السفينة كأنه جبال تمور..وصاحبنا الكهل مازال في محرابه يتمتم بأدعيته .. لا يفتأ ساجدا ولا ينفك عن ركوع.. لا يطبق شفتيه الا عن تمتمات هي حمد وشكر وحوقلة.. يعد ساعات الليل بأصابعه كأنه على موعد مع..? وشيئا فشيئا اخذت السفينة تقترب من بر الساحل.. اخذ السكون يدب في الأرجاء قليلا.. علا دعاؤه.. وسيطر عليه في لاوعيه شيء من سكينة.. وهو يحمد الله ويشكره.. انبلج الصبح.. كان السكون قد عم الأرجاء.. وهدأت النفوس الملتاعة..كان صاحبنا الشيخ ثابت اليقين.. قرين العين.. مطمئن القلب.. فيقينه بحفظ الله كان يشعره بأنه على موعد مع النجاة... هرع الناس ينزلون من السفينة سراعا.. ويتشبثون بنتوؤات الأرض.. يمسكون بالأشجار.. ويلوذون بالأحراش كانهم غير واثقين من حقيقة النجاة... أما الشيخ المؤمن فقد مد رداءه على الأرض.. وخر ساجدا حامدا شاكرا لله.. والناس في وجوم وعجب.. هي الدنيا هكذا... سفينة مترنحة في عباب بحر هائج ..لا طمأنينة في عرضها الزائل ، ولا يتعشم احد في مغرياتها نجاة الا من اختار هدى الله
..
للعودة إلى الصفحة الرئيسة