سيرة كمال الدين بن يونس الموصلي / (551-639 ه )/(1156-1242)ـ
الأستاذ الدكتور سمير بشير حديد
ملاحظة: سبق وان نشر هذا البحث في مجلة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، العدد (12) لسنة 2007
يعد كمال الدين بن يونس الموصلي من اشهر علماء عصره لتميزه بالجمع بين العلوم التجريدية كالرياضيات و العلوم التطبيقية كالفلك والكيمياء والطب، استخدم الأستنباط الرياضي في بحوثه وأخترع آلة سماها البركار التام لرسم أنواع المخروطات الهندسة التي كان يعتمد عليها في علم الفلك. استكمل دراسة العلوم الشرعية والفقهية، واتقن الأدب والشعر وله مؤلفات عديدة. شرح كتاب المجسطي لبطليموس شرحاً وافياً، وألف كتابه الأسرار السلطانية في النجوم. أسس المدرسة الكمالية وتتلمذ على يديه اساتذة وعلماء، أشتهر صيته وعلا شأنه وأصبح علامة زمانه فذاع صيته في المعمورة وصار طلاب العلم يأتون من كل فج للتلمذ على يده، حيث كان حجة في هذه الميادين. في هذا البحث سنسلط الضوء على هذا العلامة الذي أغفله التاريخ ولم يعطه حقه حيث لم يكتب عنه الا القليل.
1- نسبه
أبو عمران كمال الدين بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العقيلي الشهير بكمال الدين بن يونس الموصلي ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة هجري (1)، عالم رياضي وفلكي اشتهر في القرنين الخامس والسادس الهجريين/ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. ولد في مدينة الموصل (الحدباء- أم الربيعين) التي تقع في محافظة نينوى شمال العراق على بعد 396كم تقريباً عن بغداد عاصمة العراق ويعرف أهلها بالجدية في العمل ويشتهرون بالمحافظة على عاداتهم الأسلامية والعربية العريقة وغالبية سكانها من العرب المسلمين، وسميت بالحدباء اكراماً واجلالاً لمأذنة الحدباء في الجامع الكبير الذي بناه نور الدين زنكي امير الدولة الاتابكية في الموصل عام (566هـ-1170م) بطول (65م) وعرض (17م) وبتكلفة قدرها (60 الف دينار) وتميل بثمانية اقدام عن البعد العامودي، ومن هنا اكتسبت اسمها العربي الحدباء، ويتوسط الجامع الكبير المدينة القديمة تقريباً حيث سميت المنطقة التي انشئ فيها باسم محلة الجامع الكبير، وهو يحمل خصوصية في البناء ويضم اعمدة رخامية صنعت باسلوب خاص ميز عمارة الموصل في العهد الاتابكي (2). وسميت الموصل أيضاً بأم الربيعين لاعتدال مناخها وتشابه فصلي الربيع والخريف.
ارتوى من ماء نهر دجلة الذي يتوسط مدينة الموصل وينطلق من الأراضي التركية شمالاً الى شط العرب جنوباً. ترعرع في بيت علم، في وسط مدينة الموصل القديمة قريباً من محلة الجامع الكبير، من عائلة موصلية تعرف لحد الان باسم "عائلة العقيلي" ، درس العلوم الشرعية والفقهية على يد والده حتى اتقنها وصار علامة فيها.
2- ثقافته
ثقف كمال الدين بن يونس على يد والده الذي علمه العلوم الشرعية والفقهية واتقنه اياها ثم زار بغداد وبقي فيها مدة من الزمن، لتلقي العلوم على يد كبار علماء العلوم التجريبية. وعندما تفنن في علم الفلك والرياضيات عاد الى مسقط رأسه. وفي الموصل أنشأ "المدرسة الكمالية" تسمى في الوقت الحاضر جامع شيخ الشط وهي تتألف من غرفة كبيرة مثمنة الشكل فوقها قبة تستند إلى مقرنصات وهي على ما يظهر كانت مزينة بزخارف جبسية من الداخل وزخارف وكتابات آجرية من الخارج. ولم يزل بعض هذه الزخارف باقيا إلى اليوم. وقبة المدرسة مبنية من الآجر وهي بحالة يمكن صيانتها والمحافظة عليها. وفي عام 1219هـ / 1804 م رمم القبة وجدد بابها وبنى أروقة أمامها أحمد باشا بن بكر أفندي الموصلي، وأقام منبرا داخل المدرسة واتخذها جامعا كان يعرف بجامع الشهوان لأنه يقع في المحلة التي تسكنها قبيلة الشهوان. وفناء المدرسة واسع، كما أن عددا من الدور التي تحيط بالمدرسة مبنية على أرض فناء المدرسة نفسها فهي عرصات وقفية (26).
قصد المدرسة الكمالية الكثير من العلماء والفقهاء وهي ليست مدرسة تقليدية بل تعتبر مسجد وجامعة وبيت علم وحكمة اضافة الى كونها مضيف ومبيت للعلماء والتلاميذ الذين يقصدونها من أماكن بعيدة. وصار يدرس فيها العلوم الشرعية واللغوية والعلوم التجريبية، حتى رحل الى جوار ربه. وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات (7) وقال إنه درس بعد وفاة والده في موضعه بالمسجد المعروف بالأمير زين الدين صاحب إربل قال وهذا المسجد يعرف الآن بالمدرسة الكمالية لأنه نسب إلى كمال الدين بن يونس المذكور لطول إقامته به.
كان كمال الدين يدرس طلابه كلا من علم الحساب والهندسة وعلم الجبر والمقابلة فى المدرسة الكمالية بالموصل حيث كان يرى العلوم الرياضية ضرورية لدراسة العلوم التجريبية والفلسفة, بل كان يعتقد ان العلوم الرياضية هي العمود الفقرى لجميع العلوم. وقد اشتهر كمال الدين ابن يونس بأخلاقه وعلمه, فكان متفرغا للتدريس والبحث العلمى والاجابة على الاسئلة التى ترد من الجامع الكبير ومن بغداد وجميع بلاد العالم, اذ كان يرى أن العلم يزكو بالانفاق.
3- منهجه
وجد كامل الدين بن يونس فى البحث والاستقصاء لذة، فذهب يبحث عنها فى شتى المعارف والعلوم فاهتم بهندسة اقليدس، لصلتها الوثيقة بالعلوم التجريبية وخاصة علم الفلك. وحل المسألة التى تتعلق ب " انشاء مربع يكافى قطعة من دائرة" التي سنحاول تفسيرها باستخدام المنطق الرمزي والرياضيات المعاصرة كما يأتي:
ليكن لدينا مربع طول ضلعه = س
عندئذٍ تكون مساحة المربع = مربع س
ليكن لدينا قطاع من دائرة نصف قطرها = ر
ليكن زاوية القطاع المقابلة للقوس والمحصورة بين نصفي القطر = و مقاسة بالتقدير الدائري
عندئذٍ مساحة قطعة الدائرة = نصف مربع ر ضرب و
فأن العبارة " انشاء مربع يكافى قطعة من دائرة " تعني:
نصف مربع ر ضرب و = مربع س
وعليه فقد تم ايجاد علاقة بين طول ضلع مربع وطول نصف قطر الدائرة التي قطعتها تكافيء ذلك المربع. اي يمكن ايجاد مساحة قطاع من دائرة بدلالة ايجاد مساحة مربع يكافئها باستخدام العلاقة السابقة. أن الطريقة التي استخدمها كمال الدين بن يونس للوصول الى العلاقة السابقة تعتمد على الأستنباط والتجربة حيث ان المنطق الرمزي لم يكن معروفاً آنذاك لحداثته.
ودرس كمال الدين بن يونس الكيمياء عن قرب، لارتباطها بالطب، أنظر طبقات الأطباء (14). وقيل انه كان يعرف علم السيمياء (14) وعرَّفه التهانوي في كتابه (كشّاف اصطلاحات الفنون) بأن السيمياء (هو علم تسخير الجن، كذا في بحر الجواهر) (20).
وفي علم الفلك قطع شوطاً بعيدا، فشرح كتاب المجسطي لبطليموس شرحاً وافياً، وألف كتابه الأسرار السلطانية في النجوم، فذاع صيته في المعمورة وصار طلاب العلم يأتون من كل فج للتلمذ على يده، حيث كان حجة في هذا الميدان (14).
4- مؤلفاته
ألف كتابا فى الهندسة يحتوى على المخروطات والمتوسطات. والف كتابا يجمع فيه بين الكيمياء والطب سماه كتاب لغز في الحكمة نال به استحسان معاصريه. وألف كتابه الأسرار السلطانية في النجوم (15)، فذاع صيته في المعمورة.
قدم كمال الدين بن يونس عدداً كبيراً من المؤلفات في شتى فروع المعرفة من أشهرها بالاضافة لما ذكر:
كتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسير القران
كتاب شرح كتاب التنبيه في الفقه (مجلدان)ـ
كتاب مفردات الفاظ القانون
كتاب عيون المنطق
رسالة في المخروطات
رسالة في المربعات السحرية
كتاب في الأصول
5- مواهبه واختراعاته
أهتم كمال الدين بن يونس بالفلك ورصد الكواكب والاجرام السماوية في الموصل مما دعا الى تأليف كتاب عن الأسطرلاب، لكي يستخدمه في أرصاده هناك. أخترع آلة رصد سماها البركار التام لرسم أنواع المخروطات الهندسية التي كان يعتمد عليها في علم الفلك، وقد استفاد علماء العرب والمسلمين من هذه الآلة فائدة عظيمة عبر التاريخ في عملية الرصد، ومنهم الأبهري (14) أو (16).
تعددت مواهب كمال الدين بن يونس فكان له صولة وجولة في الأدب والشعر. ومن شعره:
ما كنت ممن يطيع عذالي
ولا جرى هجره على بالي
وقال أيضاً
حتى ومتى لي وعدكم لي
زور مطل واف ونائل منزور
في قلبي حب حبكم مبذور
زوروا فعسى يثمر وصلاً زوروا
وكان من المغرمين بقراءة القصص والوقائع التاريخية، فكان ينقلها لطلابه، كي يرفه عنهم خلال المحاضرة، لذا كانت دائماً دروسه مزدحمة بالطلاب.
يعد كمال الدين بن يونس علامة زمانه وأوحد أوانه وقدوة العلماء وسيد الحكماء قد أتقن الحكمة وتميز في سائر العلوم وكان عظيماً في العلوم الشرعية والفقه ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك وله مصنفات في نهاية الجودة ولم يزل مقيماً بمدينة الموصل إلى أن توفي إلى رحمة اللّه.
6- تلاميذه واتباعه
تتلمذ على يد كمال الدين بن يونس مجموعة من الأعلام تاثروا به واستفادوا من مؤلفاته واختراعاته وعلمه منهم:
• قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي الأربلي الشافعي ولد بأربل سنة 608ه وسمع البخاري من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وتفقه بالموصل على كمال الدين بن يونس وبالشام على الشيخِ أبي المَحاسِن يُوسُفَ بنِ شَدّادٍ (11) ولقي كبار العلماء وبرع في الفضائل والآداب وسكن مصر مدة وناب في القضاء ثم ولي قضاء الشام عشر سنين وعزل بابن الصايغ سنة تسع وستين فأقام سبع سنين معزولا بمصر ثم رد إلى قضاء الشام ثم عزل ثانيا في أول سنة ثمانين واستمر معزولا وبيده الأمينية والنجيبية قال الشيخ تاج الدين الفزاري في تاريخه كان قد جمع حسن الصورة وفصاحة المنطق وغزارة الفضل وثبات الجأش ونزاهة النفس وقال الذهبي كان إماما فاضلا متقنا عارفا بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيرا بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس كثير الاطلاع حلو المذاكرة وافر الحرمة من سروات الناس كريما جوادا ممدحا وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان (4).
يعد أبن خلكان من أشهر تلاميذ كمال الدين بن يونس وذكره في الوفيات (7) وقال إنه درس بعد وفاة والده في المدرسة الكمالية على يد الشيخ كمال الدين بن يونس، ولما اشتهر فضله، أي كمال الدين بن يونس، انثال عليه الفقهاء وتبحر في جميع فنون العلم وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضيات وقال لقد رأيته بالموصل في شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وترددت إليه دفيعات عديدة لما كان بينه وبين الوالد رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام وكان الفقهاء يقولون إن كمال الدين بن يونس يدري أربعة وعشرين فناً دراية متقنة فمن ذلك المذهب وكان فيه أوحد الزمان وكان جماعة من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم ويحل مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما يجيء عليه من الإشكال المشهور وكان يتقن فن الخلاف والتجاري وأصول الفقه وأصول الدين ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي للموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد منهم اصطلاحه فيها سواه وكذلك الإرشاد للعميدي لما وقف عليها حلها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوا وكان يدري فن الحكمة والمنطق والطبيعى والإلهي وكذلك الطب ويعرف فنون الرياضيات من اقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي وهي لفظة يونانية معناها بالعربية الترتيب ذكر ذلك أبو بكر في كتابه وأنواع الحساب المفتوح منه والجبر والمقابلة والأرثماطيقي وطريق الخطأين والموسيقى والمساحة (10) معرفة لا يشاركه فيها غيره إلا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها وبالجملة فلقد كان كما قال الشاعر:
وكان من العلوم بحيث يقضى
له في كل علم بالجميع
واستخرج كمال الدين بن يونس في علم الأوفاق طرقا لم يهتد إليها أحد وكان يبحث في العربية والتصريف بحثا تاما مستوفى حتى إنه كان يقرئ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي والمفصل للزمخشري وكان له في التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق به يد جيدة وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئا كثيرا. وكان أهل الذمة يقرأون على كمال الدين بن يونس التوراة والإنجيل ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله. وبذلك يعد أول مسلم درس اليهود والنصارى التوراة والإنجيل، انظر ترجمته في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة على الوراق، وانظر في (الدرر الكامنة) في الوراق ترجمة محمد بن أحمد بن أبي بكر الرقوطي المرسي. كان يعلم اليهود والنصارى ما شاؤوا بألسنتهم (19). وكان في كل فن من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه وبالجملة فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم نسمع عن أحد ممن تقدمه أنه كان قد جمعه.
وقال أبن خلكان (10): لقد جاءنا الشيخ أثير الدين المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري صاحب التعليقة في الخلاف والزيج والتصانيف المشهورة من الموصل إلى إربل في سنة ست وعشرين وستمائة وقبلها في سنة خمس وعشرين ونزل بدار الحديث وكنت أشتغل عليه بشيء من الخلاف فبينما أنا يوما عنده إذ دخل عليه بعض فقهاء بغداد وكان فاضلا فتجاريا في الحديث زمانا وجرى ذكر الشيخ كمال الدين بن يونس في أثناء الحديث فقال له الأثير لما حج الشيخ كمال الدين ودخل بغداد كنت هناك فقال نعم فقال كيف كان إقبال الديون العزيز عليه فقال ذاك الفقيه ما أنصفوه على قدر استحقاقه فقال الأثير ما هذا إلا عجب والله ما دخل بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام وقلت يا سيدنا كيف تقول كذا فقال يا ولدي ما دخل بغداد مثل أبي حامد الغزالي والله ما بينه وبين الشيخ كمال الدين بن يونس نسبة وكان الأثير على جلالة قدره في العلوم يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه يقرأ عليه والناس يوم ذلك يشتغلون في تصانيف الأثير ولقد شهدت هذا بعيني وهو يقرأ عليه كتاب المجسطي ولقد حكى بعض الفقهاء أنه سأل الشيخ كمال الدين عن الأثير ومنزلته في العلوم فقال ما أعلم فقال وكيف هذا يا مولانا وهو في خدمتك منذ سنين عديدة يشتغل عليك فقال لأنني مهما قلت له تلقاه بالقبول وقال نعم يا مولانا فما جادلني في مبحث قط حتى أعلم حقيقة فضلة (10) ولا شك أنه كان يعتمد هذا القدر مع الشيخ تأدبا وكان معيدا عنده في المدرسة البدرية وكان يقول ما تركت بلادي وقصدت الموصل إلا للاشتغال على الشيخ كمال الدين بن يونس.
• محمود بن ابي بكر بن أحمد الأرموي الشيخ سراج الدين أبو السنا (12) صاحب كتاب مطالع الانوار وبيان الحق كان شافعيا قرأ بالموصل على كمال الدين بن يونس مولده سنة 594 أربع وتسعين وخمسمائة ووفاته سنة 682 بمدينة قونية.
• القاضي جلال الدين البغدادي (14) الذي كان مقيماً عند ابن يونس في المدرسة - قال كان قد ورد إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من عند الأنبرور ملك الفرنج - وكان متفنناً في العلوم - رسول الموصل إلى كمال الدين بن يونس يعرفه بذلك ويقول له أن يتجمل في لبسه وزيه وجعل له مجلساً بأبهة لأجل الرسول وذلك لما يعرفه من ابن يونس أنه كان يلبس ثياباً رثة بلا تكلف وما عنده خبر من أحوال الدنيا (8) فقال نعم حكى جلال الدين قال فكنت عنده وقد قيل له هذا رسول الفرنج قد أتى وقرب من المدرسة فبعث من الفقهاء من تلقاه فلما حضر عند الشيخ نظرنا فوجدنا الموضع فيه بسط من أحسن ما يكون من البسط الرومية الفاخرة وجماعة مماليك وقوف بين يديه وخدام وشارة حسنة ودخل الرسول وتلقاه الشيخ وكتب له الأجوبة عن تلك المسائل بأسرها ولما راح الرسول غاب عنا جميع ما كنا نراه فقلت للشيخ يا مولانا ما أعجب ما رأينا من ساعة من تلك الأبهة والحشمة فتبسم وقال يا بغدادي هو علم.
وقال جلال الدين وكان للشيخ كمال الدين عند بدر الدين لؤلؤ حاجة فركب عند الصبح ليلقاه فيها وكانت عادة بدر الدين أن يركب الخيل والبغال السريعة المشي فلما قدموا في السحر فرساً وركبه لم ينبعث في المشي فنزل عنه وركب غيره فلم يقدر على المشي خطوة فبقي متحيراً في أمره وإذا بالشيخ قد وصل إليه وقال له عن حاجته فقضاها له ثم قال ما كان الفرس امتنعت من المشي إلاحتى تقدم فقال يا مولانا هذا من همة المشايخ وعاد وسار بدر الدين لؤلؤ وتبعه العسكر (14).
• الشيخ شرف الدين ابن الشيخ كمال الدين بن يونس شارح التنبيه ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وتفقه على والده وبرع في المذهب واختصر كتاب الإحياء للغزالي مرتين وكان يلقي الإحياء دروسا من حفظه وكان كثير المحفوظ غزير المادة متفننا في العلوم وتخرج به خلق كثير توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة. ووقع في شرح التنبيه لابن يونس حكاية وجه أنه إذا خلط الطعام الموصى به بأجود منه لا يكون رجوعا وقد قال الرافعي لم يذكروا خلافا في أنه رجوع وفيه وجه أنه إذا وجب عليه في زكاة الفطر نوع فلا يجوز له العدول إلى أعلى منه وهكذا حكاه الماوردي في الحاوي والشاشي في الحلية وهو يرد على دعوى الرافعي الاتفاق على الجواز وفيه وجه أنه يشترط قبول الموصى له بعد الموت على الفور والذي جزم به الرافعي خلافه قال وإنما يشترط ذلك في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط القبول بالإيجاب وفي وجه عن الشاشي فيما إذا مات الموصى له بعد موت الموصي أنه لا يقوم وارثه مقامه في القبول والرد بل تبطل الوصية قال وليس هو بشيء وهذا أيضا ليس في الرافعي.
• المفضل بن عمر الأبهري السمرقندي وكنيته أثير الدين عالم فلك، ورياضي، ومنطقي، وحكيم، وفيلسوف عاش بالقرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي وتأثر كثيراً بعلم كمال الدين بن يونس. الأبهري نسبة إلى أبهر وهي مدينة فارسية قديمة بين قزوين وزنجان. كان عالما فاضلا عليما بأمور المنطق والفلسفة بما لا يقل عن علمه بالفلك والرياضة. وفي علم الفلك اشتهر الأبهري باهتمامه بالأزياج الفلكية. واهتم بحساب الحركات الفلكية رابطا بينها وبين الرياضيات، وذلك في كتابه: القول في حساب الحركات الفلكية ، وكتاب: غاية الإدراك في دراية الأفلاك . ولعل أكثر اهتماماته كانت آلات الرصد الفلكية وبخاصة الأسطرلاب فقد كتب رسالة عن الأسطرلاب وأنواعه وهدفه وطريقة عمله بعنوان: رسالة في علم الأسطرلاب ، وقد ذكر العالم نللينو الباحث في تاريخ الفلك العربي أن الأبهري في كتابه: هداية الحكمة يبحث في حركة الكواكب والنجوم وطبيعة الأفلاك وأنه من الكتب الهامة في تاريخ الفلك العربي التي لا نستطيع دراسة تاريخ علم الفلك بدون ذكرها. وللأبهري مؤلفات في الرياضيات من أهمها: الاحتساب في علم الحساب ، و رسالة في بركار المقطوع تأثر فيها برسالة كمال الدين بن يونس في هذا الأمر، و إصلاح كتاب الاسقطسات في الهندسة لإقليدس.
لم يصدق فردريد الثاني أن العرب أصحاب حضارة وعلوم، بل كان يعتقد أن هذه العلوم التي وجدها شائعة ومعروفة في جزيرة صقلية هي من بقايا حضارة الإغريق والرومان، ولم يكن دور العرب غير دور الناقل والمترجم. قرر فردريد الثاني أن يثبت لحاشيته من القادة والمسؤولين صدق ما يدّعي أن العرب ليس اصحاب حضارة ويمتحن العلماء العرب ببعض المسائل في الطب والفلسفة والهندسة فأرسل أسئلته تلك طالباً إعادتها إليه مشفوعة بالأجوبة.
وبالفعل وصلت أسئلة الملك فردريك، فأحيلت حسب فروعها إلى أصحاب الاختصاص من علماء الشام فأنجزوا حلّ أسئلة الطب والفلسفة ولم يستطيعوا حل أسئلة الهندسة فأرسلوها إلى المفضّل بن عمر الأبهري من علماء الموصل فلم يستطع هو الآخر حلها فأرسلها إلى أستاذه الشيخ كمال الدين بن يونس فعكف عليها حتى وجد الحل، وحين أعيدت الأسئلة بأجوبتها إلى الملك فريدريك الثاني كان في البلاط يحيط به عدد من حاشيته، فقام بفتح لفافة الورق الواردة من الشرق وقد تهيأ لإطلاق قهقهة ساخرة من هؤلاء الذين ما زالوا يعتقدون أن للعرب علوماً وحضارة تفوق ما وصل إليه الغرب من تقدم.
ظل الملك فردريك واجماً وهو ينظر إلى الأوراق التي انكشفت أمامه، إجابات وحلول قاطعة مختصرة لا يرقى إليها الشك، مكتوبة باللغة العربية واللاتينية (18).
7- معاصريه واقرانه
عاصر كمال الدين بن يونس عدداً من العلماء والفقهاء من اشهرهم:
• الشيخ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح الكردي الشهرزوري المحدث ومفتي الإسلام المولود سنة 588 هـ والمتوفي بدمشق في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 643 هـ، والمدفون بمقابر الصوفية قرب تربة العلامة ابن تيمية عماد الدين الحرستاني (577-663) المعروف بابن الصلاح (22) الذي كان يذكر كمال الدين بن يونس كثيراً ويبالغ في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه وتوحده في العلوم فذكره يوما وشرع في وصفه على عادته فقال له بعض الحاضرين يا سيدنا على من اشتغل ومن كان شيخه فقال هذا الرجل أي كمال الدين بن يونس خلقه الله إماما عالما في فنونه لايقال على من اشتغل ولا من كان شيخه فإنه أكبر من هذا. وحكى بعض الفقهاء بالموصل أن ابن الصلاح المذكور سأله أن يقرأ عليه شيئا من المنطق سرا فأجابه إلى ذلك وتردد إليه مدة فلم يفتح عليه بشيء فقال له يا فقيه المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن فقال له ولم ذلك يا مولانا فقال لأن الناس يعتقدون فيك الخير وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد فكأنك تفسد عقائدهم فيك ولا يحصل لك من هذا الفن شيء فقبل إشارته وترك قراءته.
• أبو البركات ابن المستوفي فقال: كمال الدين بن يونس عالم مقدم ضرب في كل علم وهو في علم الأوائل كالهندسة والمنطق وغيرهما ممن يشار إليه حل اقليدس والمجسطي على الشيخ شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي يعني صاحب الاسطرلاب الخطي المعروف بالعصا. وقال ابن المستوفي وردت عليه مسائل من بغداد في مشكلات هذا العلم فحلها واستصغرها ونبه على براهينها بعد أن احتقرها وهو في الفقه والعلوم الإسلامية نسيج وحده ودرس في عدة مدارس بالموصل وتخرج عليه خلق كثير في كل فن ثم قال أنشدنا لنفسه وأنفذها إلى صاحب الموصل يشفع عنده
لئن شرفت أرض بمالك رقها
فمملكة الدنيا بكم تتشرف
ومكنت من حفظ البسيطة مثل ما
تمكن في أمصار فرعون يوسف
بقيت بقاء الدهر أمرك نافذ
وسعيك مشهور وحكمك منصف
وقال ابن المستوفي لقد أنشدني هذه الأبيات عنه أحد أصحابه بمدينة حلب وكنت بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وبها رجل فاضل في علوم الرياضة فأشكل عليه مواضع من مسائل الحساب والجبر والمقابلة والمساحة واقليدس فكتب جميعها في درج (10) وسيرها إلى الموصل ثم بعد أشهر عاد جوابه وقد كشف عن خفيها وأوضح غامضها وذكر ما يعجز الإنسان عن وصفه ثم كتب في آخر الجواب فليمهد العذر في التقصير في الأجوبة فإن القريحة جامدة والفطنة خامدة قد استولى عليها كثيرة النسيان وشغلها حوادث الزمان وكثير مما استخرجناه وعرفناه نسيناه بحيث صرنا كأنا ما عرفناه. وقال لي صاحب المسائل المذكورة ما سمعت مثل هذا الكلام إلا للأوائل المتقنين لهذه العلوم ما هذا من كلام أبناء هذا الزمان.
• الشيخ الفقيه الرياضي علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الحنفي المقرئ المعروف بتعاسيف وكان إماما في علوم الرياضة قال لما أتقنت علوم الرياضة بالديار المصرية وبدمشق تاقت نفسي إلى الاجتماع بالشيخ كمال الدين بن يونس لما كنت أسمع من تفرده بهذه العلوم فسافرت إلى الموصل قصدا للاجتماع فلما حضرت في مجلسه وخدمته وجدته على حلية الحكماء المتقدمين وكنت قد طالعت أخبارهم وحلاهم فسلمت عليه وعرفته قصدي له للقراءة عليه فقال لي في أي العلوم تريد تشرع فقلت في الموسيقى (22) فقال مصلحة هو فلي زمان ما قرأه علي أحد فأنا أوثر مذاكرته وتجديد العهد به فشرعت فيه ثم في غيره حتى شققت عليه أكثر من أربعين كتابا في مقدار ستة أشهر وكنت عارفا بهذا الفن لكن كان غرضي الانتساب في القراءة إليه وكان إذا لم أعرف المسألة أوضحها لي وما كنت أجد من يقوم مقامه في ذلك وقد أطلت الشرح في نشر علومه ولعمري لقد اختصرت (10).
وقال الشيخ بن مسافر الحنفي: رأيت بخط الشيخ كمال الدين بن يونس على الجزء الأول من اقليدس إصلاح ثابت بن قرة ما نصه قرأت على الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع شرف الدين فخر العلماء تاج الحكماء أبي المظفر أدام الله أيامه بعد عوده من طوس هذا الجزء وكنت حللته عليه نفسي مع كتاب المجسطي وشيء من المخروطات واستنجزته ما كان وعدنا به من كتاب الشكوك فأحضره واستنسخته وكتبه موسى بن يونس بن محمد بن منعة في تاريخه هذا صورة خطه وتاريخ الكتاب المشار إليه تاسع عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وخمسمائة هجرية (11)
• أخوه الشيخ عماد الدين الذي بعد وفاته تولى الشيخ كمال الدين المدرسة العلائية موضع أخيه ولما فتحت المدرسة القاهرية تولاها ثم تولى المدرسة البدرية في ذي الحجة سنة عشرين وستمائة وكان مواظبا على إلقاء الدروس والإفادة وحضر في بعض الأيام دروسه جماعة من المدرسين أرباب الطيالس
• العماد أبو علي عمر بن عبد النور بن يوسف الصنهاجي النحوي البجائي الذي كان حاضرا أحد دروسه فأنشد على البديهة (10) :
كمال كمال الدين للعلم والعلى
فهيهات ساع في مساعيك يطمع
إذا اجتمع النظار في كل موطن
فغاية كل أن تقول ويسمعوا
فلا تحسبوهم من غناء تطيلسوا
ولكن حياء واعترافا تقنعوا
وللعماد المذكور فيه أيضا
تجر الموصل الأذيال فخرا
على كل المنازل والرسوم
بدجلة والكمال هما شفاء
لهيم أو لذي فهم سقيم
فذا بحر تدفق وهو عذب
وذا بحر ولكن من علوم
• الشيخ أبو العباس أبقاه الله الذي قال سمعت أيضا على شيخنا الخسروشاهي بعض كتاب نهاية السؤال وبعض كتاب الأحكام في أصول الفقه للسيف الآمدي قال شيخنا (13) والله ما جرى قط على خاطري السيف الآمدي أن كتبه تقرأ علي ولا أعتقد ذلك يعني أنه يعظمه ويكبره عن تلك المنزلة لجلالة قدره عنده وعند غيره وسمعت أيضا عن شيخنا الخسروشاهي بعض كتاب الوجيز للغزالي وكان قد قرأه بالموصل على الإمام الشيخ كمال الدين بن يونس وكتاب المعقول
• القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي الذي قال : ورد إلى الموصل كتاب الإرشاد للعميدي وهو يشتمل على قوة من خلاف علم الجدل وهو الذي يسمونه العجم جست أي الشطار فلما أحضر إلى الشيخ كمال الدين بن يونس نظر فيه وقال علم مليح ما قصر فيه مؤلفه وبقي عنده يومين حتى حرر جميع معانيه ثم إنه أقرأه الفقهاء وشرح لهم فيه أشياء ما ذكرها أحد سواه.
• نجم الدين القمراوي وشرف الدين المتاني - وقمراومتان هما قريتان من قرى صرخد. اللذين اشتغلا بالعلوم الشرعية والحكمية وتميزا واشتهر فضلهما وكانا قد سافرا إلى البلاد في طلب العلم ولما جاءا إلى الموصل قصدا الشيخ كمال الدين بن يونس وهو في المدرسة يلقي الدرس فسلما وقعدا مع الفقهاء ولما جرت مسائل فقهية تكلما في ذلك وبحثا في الأصول وبان فضلهما على أكثر الجماعة فأكرمهما الشيخ وأدناهما ولما كان آخر النهار سألاه أن يريهما كتاباً له كان قد ألفه في الحكمة وفيه لغز فامتنع وقال هذا كتاب لم أجد أحداً يقدر على حله وأنا ضنين به فقالا له نحن قوم غرباء وقد قصدناك ليحصل لنا الفوز بنظرك والوقوف على هذا الكتاب ونحن بائتون عندك في المدرسة وما نريد نطالعه سوى هذه الليلة وبالغداة يأخذه مولانا وتلطفا له حتى أنعم لهما وأخرج الكتاب فقعدا في بيت من بيوت المدرسة ولم يناما أصلاً في تلك الليلة بل كل واحد منهما يملي على الآخر وهو يكتب حتى فرغا من كتابته وقابلاه ثم كررا النظر فيه مرات ولم يتبين لهما حله إلى آخر وقت وقد طلع النهار فظهر لهما حل شيء منه من آخره واتضح أولاً فأولا حتى انحل لهما اللغز وعرفاه فحملا الكتاب إلى الشيخ وهو في الدرس فجلسا وقالا يا مولانا ما طلبنا إلا كتابك الكبير الذي فيه اللغز الذي يعسر حله وأما هذا الكتاب فنحن نعرف معانيه من زمان واللغز الذي فيه علمه عندنا قديم وإن شئت أوردناه فقال قولا حتى أسمع فتقدم النجم القمراوي وتبعه الآخر وأوردا جميع معانيه من أول الكتاب إلى آخره وذكرا حل اللغز بعبارة حسنة فصيحة فعجب منهما وقال من أين تكونان قالا من الشام قال من أي موضع منه قالا من حوران فقال لا أشك أن أحدكما النجم القمراوي والآخر الشرف المتاني قالا نعم فقام لهما الشيخ وأضافهما عنده وأكرمهما غاية الإكرام واشتغلا عليه مدة ثم سافرا (14) و (17).
• رشيد الدين بن خليفة وهو في أول شبيبته قصد السفر إلى الموصل ليجتمع بالشيخ كمال الدين بن يونس ويشتغل عليه لما بلغه من علمه وفضله الذي لم يلحقه فيه أحد وتجهز للسفر فلما علمت بذلك والدته جدتي بكت وتضرعت إليه أن لا يفارقها وكان يأخذ بقلبها فلم يمكنه مخالفتها وأبطل الرواح إليه ولكمال الدين بن يونس أولاد بمدينة الموصل قد أتقنوا الفقه وسائر العلوم وهم من سادات المدرسين وأفاضل المصنفين.
• النصير الطوسي: هو محمد بن محمد بن الحسن نصير الدين الطوسي صاحب الرياضي والرصد كان رأسا في علم الأوائل لا سيما في الأرصاد والمجسطي فإنه فاق الكبار قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو وكان يطيعه فيما يشير به عليه والأموال في تصريفه وابتنى بمراغة قبة ورصدا عظيما واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد وقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة والعقلاء وجعل له أوقافا وكان حسن الصورة سمحا كريما جوادا حليما حسن العشرة غزير الفضائل واختصرالمحصل للإمام فخر الدين وهذبه وزاد فيه وشرح الاشارات ورد على الإمام فخر الدين في شرحه وقال هذا جرح وما هو بشرح وقال فيه حررته في عشرين سنة وناقض فخر الدين كثيرا ومن تصانيفه التجريد في المنطق وأوصاف الأشراف وقواعد العقائد والتلخيص في علم الكلام وشرح كتاب ثمرة بطليموس وكتاب المجسطي و شرح مسألة العلم ورسالة الامامة ورسالة إلى نجم الدين الكاتبي في إثبات الواجب وحواشي على كليات القانون وغير ذلك وقال شمس الدين ابن المؤيد العرضي أخذ النصير كمال الدين بن يونس الموصلي ومعين الدين سالم بن بدران المصري المعتزلي وغيرهما وكان منجما لائقا بعد أبيه. ولد النصير بطوس 597ه سنة سبع وتسعين وخمسمائة وتوفي في ذي الحجة سنة 673ه اثنتين وسبعين وستمائة ببغداد ودفن في مشهد الكاظم في بغداد (3).
استنبط الطوسي، المذكور في ترجمة الشيخ كمال الدين بن يونس وهو شيخه في هذا العلم واشتغل على يده، إن يضع المقصود من الكرة والاصطرلاب في خط فوضعه وسماه العصا وعمل له رسالة بديعة وكان قد اخطأ في بعض هذا الوضع فاصحله الشيخ كمال الدين وهذبه (5) والطوسي اول من اظهر هذا في الوجود فصارت الهيئة توجد في الكرة لأنها تشتمل على الطول والعرض والعمق ويوجد في السطح الذي هو مركب من الطول والعرض بغير عمق ويوجد في الخط الذي هو عبارة عن الطول فقط ولم يبق سوى النقطة ولا يتصور إن يعمل فيها شيء لأنها ليست جسما ولا سطحا ولا خطا بل هي في طرف الخط كما إن الخط طرف السطح والجسم طرف الجسم والنقطة لا تتجزي فلا يتصور إن يرتسم فيها شيء وهذا وان كان خروجا عما نحن بصدده فانه لا يخلو عن فائدة والعلم به خير من الجهل به (5)
• محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن الحارثي وكنيته أبو الفضل ولقبه مؤيد الدين، والمعروف بالمهندس لمهارته وإتقانه علم الهندسة التي اشتهر فيها،الطبيب والمهندس والفلكي والنحات والشاعر. عاش في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي. ولد الحارثي بدمشق عام 529هـ /1134 م ونشأ بها، وسافر إلى مصر وسمع الحديث بالإسكندرية من شيوخها الأجلاء ومن بينهم رشيد الدين بن أبي الثناء، والسلفي وغيرهم، ثم عاد إلى دمشق واستقر بها إلى حين وفاته عام 599هـ /1202 م، وهو في السبعين من عمره. واطلع الحارثي على الكتب الأصول في علم الهندسة، وكان أول تلك الكتب وأهمها بالنسبة له كتاب إقليدس (8).
8- الخاتمة
ولد كمال الدين بن يونس الموصلي في صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بالموصل وتفقه على والده الشيخ رضي الدين يونس ثم توجه إلى بغداد فتفقه بالمدرسة النظامية على معيدها السديد السلماسي وقرأ العربية بالموصل على الإمام يحيى بن سعدون وببغداد على الكمال عبد الرحمن الأنباري ثم عاد إلى الموصل مقيما بها وكان رجلا متبحرا في كثير من فنون العلم موصوفا بالذكاء المفرط إليه مرجع أهل الموصل وما والاها في الفتاوى وأصحابه يعظمونه كثيرا (10) وله أولاد بمدينة الموصل قد اتقنوا الفقه وسائر العلوم وهم من سادات المدرسين وأفاضل المصنفين.
يعد كمال الدين بن يونس الموصلي علامة زمانه وأوحد أوانه وقدوة العلماء وسيد الحكماء قد اتقن الحكمة وتميز في سائر العلوم وتبحر في جميع فنونها وجمع منها ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضيات والفلك وكان عظيما في العلوم الشرعية والفقه وكان مدرسا في المدرسة الكمالية بالموصل ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك وله مؤلفات و مصنفات في نهاية الجودة عاصر سقوط بغداد على يد هولاكو ملك المغول سنة (656هـ /1258م) تتلمذ على يده اعلام لا يمكن حصرهم وتأثر به عدد كبير من العلماء ولم يزل مقيما بمدينة الموصل إلى أن توفي إلى رحمة الله سنة 639ه.
9- المصادر
(1) يحيى عبد سعيد و هاشم الطيار: تاريخ الرياضيات، مطبعة جامعة الموصل، 1980م
(2) سعيد الديوجي: الموصل في العهد الأتابكي، مطبعة شفيق، بغداد 1958م.
(3) شرح قصيدة ابن القيم ج1/ص245
(4) شذرات الذهب ج5/ص371
(5) مرآة الجنان ج3/ص261
(6) تاريخ الإسلام ج51/ص66
(7) الوافي بالوفيات ج7/ص201
(8) ابن ابي اصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء ج1/ص410-411
(9) الدارس ج1/ص143
(10) طبقات الشافعية الكبرى ج2/ص202
(11) تاج العروس ج27/ص136
(12) أبجد العلوم ج3/ص94
(13) فهرسة اللبلي ج1/ص126
(14) طبقات الأطباء، تأليف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس ، الخزرجي، موفق الدين،
أبو العباس ، المعروف بابن أبي أُصَيْبِعَة، المجموعة الوطنية للتقنية NTG © 2001- 2003.
(15) http://rowad.al-islam.com/rowad
(16) أطباء الأسلام الذين جمعوا بين الطب والموسيقة www.yabeyrouth.com
(17) نداء الايمان www.al-eman.com
(18) مجلة الفاتح ، العدد 26: www.al-fateh.net
(19) www.alwaraq.com
(20) مجلة التراث العربي، اتحاد الكتاب العرب–دمشق، العدد 95، أيلول 2004 - رجب 1425
(21) بناة الفكر العلمي في الحضارة الأسلامية http://www.isesco.org.ma
(22) دار الحديث www.daralhadith.com
(23) ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج 5 صفحة 314 و316
(24) السبكي، طبقات الشافعية، ج 8 صفحة 379
(25) عمر فروخ، تاريخ العلوم
(26) http://saifalmanssor.jeeran.com
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
الأستاذ الدكتور سمير بشير حديد
ملاحظة: سبق وان نشر هذا البحث في مجلة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، العدد (12) لسنة 2007
يعد كمال الدين بن يونس الموصلي من اشهر علماء عصره لتميزه بالجمع بين العلوم التجريدية كالرياضيات و العلوم التطبيقية كالفلك والكيمياء والطب، استخدم الأستنباط الرياضي في بحوثه وأخترع آلة سماها البركار التام لرسم أنواع المخروطات الهندسة التي كان يعتمد عليها في علم الفلك. استكمل دراسة العلوم الشرعية والفقهية، واتقن الأدب والشعر وله مؤلفات عديدة. شرح كتاب المجسطي لبطليموس شرحاً وافياً، وألف كتابه الأسرار السلطانية في النجوم. أسس المدرسة الكمالية وتتلمذ على يديه اساتذة وعلماء، أشتهر صيته وعلا شأنه وأصبح علامة زمانه فذاع صيته في المعمورة وصار طلاب العلم يأتون من كل فج للتلمذ على يده، حيث كان حجة في هذه الميادين. في هذا البحث سنسلط الضوء على هذا العلامة الذي أغفله التاريخ ولم يعطه حقه حيث لم يكتب عنه الا القليل.
1- نسبه
أبو عمران كمال الدين بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العقيلي الشهير بكمال الدين بن يونس الموصلي ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة هجري (1)، عالم رياضي وفلكي اشتهر في القرنين الخامس والسادس الهجريين/ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. ولد في مدينة الموصل (الحدباء- أم الربيعين) التي تقع في محافظة نينوى شمال العراق على بعد 396كم تقريباً عن بغداد عاصمة العراق ويعرف أهلها بالجدية في العمل ويشتهرون بالمحافظة على عاداتهم الأسلامية والعربية العريقة وغالبية سكانها من العرب المسلمين، وسميت بالحدباء اكراماً واجلالاً لمأذنة الحدباء في الجامع الكبير الذي بناه نور الدين زنكي امير الدولة الاتابكية في الموصل عام (566هـ-1170م) بطول (65م) وعرض (17م) وبتكلفة قدرها (60 الف دينار) وتميل بثمانية اقدام عن البعد العامودي، ومن هنا اكتسبت اسمها العربي الحدباء، ويتوسط الجامع الكبير المدينة القديمة تقريباً حيث سميت المنطقة التي انشئ فيها باسم محلة الجامع الكبير، وهو يحمل خصوصية في البناء ويضم اعمدة رخامية صنعت باسلوب خاص ميز عمارة الموصل في العهد الاتابكي (2). وسميت الموصل أيضاً بأم الربيعين لاعتدال مناخها وتشابه فصلي الربيع والخريف.
ارتوى من ماء نهر دجلة الذي يتوسط مدينة الموصل وينطلق من الأراضي التركية شمالاً الى شط العرب جنوباً. ترعرع في بيت علم، في وسط مدينة الموصل القديمة قريباً من محلة الجامع الكبير، من عائلة موصلية تعرف لحد الان باسم "عائلة العقيلي" ، درس العلوم الشرعية والفقهية على يد والده حتى اتقنها وصار علامة فيها.
2- ثقافته
ثقف كمال الدين بن يونس على يد والده الذي علمه العلوم الشرعية والفقهية واتقنه اياها ثم زار بغداد وبقي فيها مدة من الزمن، لتلقي العلوم على يد كبار علماء العلوم التجريبية. وعندما تفنن في علم الفلك والرياضيات عاد الى مسقط رأسه. وفي الموصل أنشأ "المدرسة الكمالية" تسمى في الوقت الحاضر جامع شيخ الشط وهي تتألف من غرفة كبيرة مثمنة الشكل فوقها قبة تستند إلى مقرنصات وهي على ما يظهر كانت مزينة بزخارف جبسية من الداخل وزخارف وكتابات آجرية من الخارج. ولم يزل بعض هذه الزخارف باقيا إلى اليوم. وقبة المدرسة مبنية من الآجر وهي بحالة يمكن صيانتها والمحافظة عليها. وفي عام 1219هـ / 1804 م رمم القبة وجدد بابها وبنى أروقة أمامها أحمد باشا بن بكر أفندي الموصلي، وأقام منبرا داخل المدرسة واتخذها جامعا كان يعرف بجامع الشهوان لأنه يقع في المحلة التي تسكنها قبيلة الشهوان. وفناء المدرسة واسع، كما أن عددا من الدور التي تحيط بالمدرسة مبنية على أرض فناء المدرسة نفسها فهي عرصات وقفية (26).
قصد المدرسة الكمالية الكثير من العلماء والفقهاء وهي ليست مدرسة تقليدية بل تعتبر مسجد وجامعة وبيت علم وحكمة اضافة الى كونها مضيف ومبيت للعلماء والتلاميذ الذين يقصدونها من أماكن بعيدة. وصار يدرس فيها العلوم الشرعية واللغوية والعلوم التجريبية، حتى رحل الى جوار ربه. وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات (7) وقال إنه درس بعد وفاة والده في موضعه بالمسجد المعروف بالأمير زين الدين صاحب إربل قال وهذا المسجد يعرف الآن بالمدرسة الكمالية لأنه نسب إلى كمال الدين بن يونس المذكور لطول إقامته به.
كان كمال الدين يدرس طلابه كلا من علم الحساب والهندسة وعلم الجبر والمقابلة فى المدرسة الكمالية بالموصل حيث كان يرى العلوم الرياضية ضرورية لدراسة العلوم التجريبية والفلسفة, بل كان يعتقد ان العلوم الرياضية هي العمود الفقرى لجميع العلوم. وقد اشتهر كمال الدين ابن يونس بأخلاقه وعلمه, فكان متفرغا للتدريس والبحث العلمى والاجابة على الاسئلة التى ترد من الجامع الكبير ومن بغداد وجميع بلاد العالم, اذ كان يرى أن العلم يزكو بالانفاق.
3- منهجه
وجد كامل الدين بن يونس فى البحث والاستقصاء لذة، فذهب يبحث عنها فى شتى المعارف والعلوم فاهتم بهندسة اقليدس، لصلتها الوثيقة بالعلوم التجريبية وخاصة علم الفلك. وحل المسألة التى تتعلق ب " انشاء مربع يكافى قطعة من دائرة" التي سنحاول تفسيرها باستخدام المنطق الرمزي والرياضيات المعاصرة كما يأتي:
ليكن لدينا مربع طول ضلعه = س
عندئذٍ تكون مساحة المربع = مربع س
ليكن لدينا قطاع من دائرة نصف قطرها = ر
ليكن زاوية القطاع المقابلة للقوس والمحصورة بين نصفي القطر = و مقاسة بالتقدير الدائري
عندئذٍ مساحة قطعة الدائرة = نصف مربع ر ضرب و
فأن العبارة " انشاء مربع يكافى قطعة من دائرة " تعني:
نصف مربع ر ضرب و = مربع س
وعليه فقد تم ايجاد علاقة بين طول ضلع مربع وطول نصف قطر الدائرة التي قطعتها تكافيء ذلك المربع. اي يمكن ايجاد مساحة قطاع من دائرة بدلالة ايجاد مساحة مربع يكافئها باستخدام العلاقة السابقة. أن الطريقة التي استخدمها كمال الدين بن يونس للوصول الى العلاقة السابقة تعتمد على الأستنباط والتجربة حيث ان المنطق الرمزي لم يكن معروفاً آنذاك لحداثته.
ودرس كمال الدين بن يونس الكيمياء عن قرب، لارتباطها بالطب، أنظر طبقات الأطباء (14). وقيل انه كان يعرف علم السيمياء (14) وعرَّفه التهانوي في كتابه (كشّاف اصطلاحات الفنون) بأن السيمياء (هو علم تسخير الجن، كذا في بحر الجواهر) (20).
وفي علم الفلك قطع شوطاً بعيدا، فشرح كتاب المجسطي لبطليموس شرحاً وافياً، وألف كتابه الأسرار السلطانية في النجوم، فذاع صيته في المعمورة وصار طلاب العلم يأتون من كل فج للتلمذ على يده، حيث كان حجة في هذا الميدان (14).
4- مؤلفاته
ألف كتابا فى الهندسة يحتوى على المخروطات والمتوسطات. والف كتابا يجمع فيه بين الكيمياء والطب سماه كتاب لغز في الحكمة نال به استحسان معاصريه. وألف كتابه الأسرار السلطانية في النجوم (15)، فذاع صيته في المعمورة.
قدم كمال الدين بن يونس عدداً كبيراً من المؤلفات في شتى فروع المعرفة من أشهرها بالاضافة لما ذكر:
كتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسير القران
كتاب شرح كتاب التنبيه في الفقه (مجلدان)ـ
كتاب مفردات الفاظ القانون
كتاب عيون المنطق
رسالة في المخروطات
رسالة في المربعات السحرية
كتاب في الأصول
5- مواهبه واختراعاته
أهتم كمال الدين بن يونس بالفلك ورصد الكواكب والاجرام السماوية في الموصل مما دعا الى تأليف كتاب عن الأسطرلاب، لكي يستخدمه في أرصاده هناك. أخترع آلة رصد سماها البركار التام لرسم أنواع المخروطات الهندسية التي كان يعتمد عليها في علم الفلك، وقد استفاد علماء العرب والمسلمين من هذه الآلة فائدة عظيمة عبر التاريخ في عملية الرصد، ومنهم الأبهري (14) أو (16).
تعددت مواهب كمال الدين بن يونس فكان له صولة وجولة في الأدب والشعر. ومن شعره:
ما كنت ممن يطيع عذالي
ولا جرى هجره على بالي
وقال أيضاً
حتى ومتى لي وعدكم لي
زور مطل واف ونائل منزور
في قلبي حب حبكم مبذور
زوروا فعسى يثمر وصلاً زوروا
وكان من المغرمين بقراءة القصص والوقائع التاريخية، فكان ينقلها لطلابه، كي يرفه عنهم خلال المحاضرة، لذا كانت دائماً دروسه مزدحمة بالطلاب.
يعد كمال الدين بن يونس علامة زمانه وأوحد أوانه وقدوة العلماء وسيد الحكماء قد أتقن الحكمة وتميز في سائر العلوم وكان عظيماً في العلوم الشرعية والفقه ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك وله مصنفات في نهاية الجودة ولم يزل مقيماً بمدينة الموصل إلى أن توفي إلى رحمة اللّه.
6- تلاميذه واتباعه
تتلمذ على يد كمال الدين بن يونس مجموعة من الأعلام تاثروا به واستفادوا من مؤلفاته واختراعاته وعلمه منهم:
• قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي الأربلي الشافعي ولد بأربل سنة 608ه وسمع البخاري من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وتفقه بالموصل على كمال الدين بن يونس وبالشام على الشيخِ أبي المَحاسِن يُوسُفَ بنِ شَدّادٍ (11) ولقي كبار العلماء وبرع في الفضائل والآداب وسكن مصر مدة وناب في القضاء ثم ولي قضاء الشام عشر سنين وعزل بابن الصايغ سنة تسع وستين فأقام سبع سنين معزولا بمصر ثم رد إلى قضاء الشام ثم عزل ثانيا في أول سنة ثمانين واستمر معزولا وبيده الأمينية والنجيبية قال الشيخ تاج الدين الفزاري في تاريخه كان قد جمع حسن الصورة وفصاحة المنطق وغزارة الفضل وثبات الجأش ونزاهة النفس وقال الذهبي كان إماما فاضلا متقنا عارفا بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيرا بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس كثير الاطلاع حلو المذاكرة وافر الحرمة من سروات الناس كريما جوادا ممدحا وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان (4).
يعد أبن خلكان من أشهر تلاميذ كمال الدين بن يونس وذكره في الوفيات (7) وقال إنه درس بعد وفاة والده في المدرسة الكمالية على يد الشيخ كمال الدين بن يونس، ولما اشتهر فضله، أي كمال الدين بن يونس، انثال عليه الفقهاء وتبحر في جميع فنون العلم وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضيات وقال لقد رأيته بالموصل في شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وترددت إليه دفيعات عديدة لما كان بينه وبين الوالد رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام وكان الفقهاء يقولون إن كمال الدين بن يونس يدري أربعة وعشرين فناً دراية متقنة فمن ذلك المذهب وكان فيه أوحد الزمان وكان جماعة من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم ويحل مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما يجيء عليه من الإشكال المشهور وكان يتقن فن الخلاف والتجاري وأصول الفقه وأصول الدين ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي للموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد منهم اصطلاحه فيها سواه وكذلك الإرشاد للعميدي لما وقف عليها حلها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوا وكان يدري فن الحكمة والمنطق والطبيعى والإلهي وكذلك الطب ويعرف فنون الرياضيات من اقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي وهي لفظة يونانية معناها بالعربية الترتيب ذكر ذلك أبو بكر في كتابه وأنواع الحساب المفتوح منه والجبر والمقابلة والأرثماطيقي وطريق الخطأين والموسيقى والمساحة (10) معرفة لا يشاركه فيها غيره إلا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها وبالجملة فلقد كان كما قال الشاعر:
وكان من العلوم بحيث يقضى
له في كل علم بالجميع
واستخرج كمال الدين بن يونس في علم الأوفاق طرقا لم يهتد إليها أحد وكان يبحث في العربية والتصريف بحثا تاما مستوفى حتى إنه كان يقرئ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي والمفصل للزمخشري وكان له في التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق به يد جيدة وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئا كثيرا. وكان أهل الذمة يقرأون على كمال الدين بن يونس التوراة والإنجيل ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله. وبذلك يعد أول مسلم درس اليهود والنصارى التوراة والإنجيل، انظر ترجمته في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة على الوراق، وانظر في (الدرر الكامنة) في الوراق ترجمة محمد بن أحمد بن أبي بكر الرقوطي المرسي. كان يعلم اليهود والنصارى ما شاؤوا بألسنتهم (19). وكان في كل فن من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه وبالجملة فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم نسمع عن أحد ممن تقدمه أنه كان قد جمعه.
وقال أبن خلكان (10): لقد جاءنا الشيخ أثير الدين المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري صاحب التعليقة في الخلاف والزيج والتصانيف المشهورة من الموصل إلى إربل في سنة ست وعشرين وستمائة وقبلها في سنة خمس وعشرين ونزل بدار الحديث وكنت أشتغل عليه بشيء من الخلاف فبينما أنا يوما عنده إذ دخل عليه بعض فقهاء بغداد وكان فاضلا فتجاريا في الحديث زمانا وجرى ذكر الشيخ كمال الدين بن يونس في أثناء الحديث فقال له الأثير لما حج الشيخ كمال الدين ودخل بغداد كنت هناك فقال نعم فقال كيف كان إقبال الديون العزيز عليه فقال ذاك الفقيه ما أنصفوه على قدر استحقاقه فقال الأثير ما هذا إلا عجب والله ما دخل بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام وقلت يا سيدنا كيف تقول كذا فقال يا ولدي ما دخل بغداد مثل أبي حامد الغزالي والله ما بينه وبين الشيخ كمال الدين بن يونس نسبة وكان الأثير على جلالة قدره في العلوم يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه يقرأ عليه والناس يوم ذلك يشتغلون في تصانيف الأثير ولقد شهدت هذا بعيني وهو يقرأ عليه كتاب المجسطي ولقد حكى بعض الفقهاء أنه سأل الشيخ كمال الدين عن الأثير ومنزلته في العلوم فقال ما أعلم فقال وكيف هذا يا مولانا وهو في خدمتك منذ سنين عديدة يشتغل عليك فقال لأنني مهما قلت له تلقاه بالقبول وقال نعم يا مولانا فما جادلني في مبحث قط حتى أعلم حقيقة فضلة (10) ولا شك أنه كان يعتمد هذا القدر مع الشيخ تأدبا وكان معيدا عنده في المدرسة البدرية وكان يقول ما تركت بلادي وقصدت الموصل إلا للاشتغال على الشيخ كمال الدين بن يونس.
• محمود بن ابي بكر بن أحمد الأرموي الشيخ سراج الدين أبو السنا (12) صاحب كتاب مطالع الانوار وبيان الحق كان شافعيا قرأ بالموصل على كمال الدين بن يونس مولده سنة 594 أربع وتسعين وخمسمائة ووفاته سنة 682 بمدينة قونية.
• القاضي جلال الدين البغدادي (14) الذي كان مقيماً عند ابن يونس في المدرسة - قال كان قد ورد إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من عند الأنبرور ملك الفرنج - وكان متفنناً في العلوم - رسول الموصل إلى كمال الدين بن يونس يعرفه بذلك ويقول له أن يتجمل في لبسه وزيه وجعل له مجلساً بأبهة لأجل الرسول وذلك لما يعرفه من ابن يونس أنه كان يلبس ثياباً رثة بلا تكلف وما عنده خبر من أحوال الدنيا (8) فقال نعم حكى جلال الدين قال فكنت عنده وقد قيل له هذا رسول الفرنج قد أتى وقرب من المدرسة فبعث من الفقهاء من تلقاه فلما حضر عند الشيخ نظرنا فوجدنا الموضع فيه بسط من أحسن ما يكون من البسط الرومية الفاخرة وجماعة مماليك وقوف بين يديه وخدام وشارة حسنة ودخل الرسول وتلقاه الشيخ وكتب له الأجوبة عن تلك المسائل بأسرها ولما راح الرسول غاب عنا جميع ما كنا نراه فقلت للشيخ يا مولانا ما أعجب ما رأينا من ساعة من تلك الأبهة والحشمة فتبسم وقال يا بغدادي هو علم.
وقال جلال الدين وكان للشيخ كمال الدين عند بدر الدين لؤلؤ حاجة فركب عند الصبح ليلقاه فيها وكانت عادة بدر الدين أن يركب الخيل والبغال السريعة المشي فلما قدموا في السحر فرساً وركبه لم ينبعث في المشي فنزل عنه وركب غيره فلم يقدر على المشي خطوة فبقي متحيراً في أمره وإذا بالشيخ قد وصل إليه وقال له عن حاجته فقضاها له ثم قال ما كان الفرس امتنعت من المشي إلاحتى تقدم فقال يا مولانا هذا من همة المشايخ وعاد وسار بدر الدين لؤلؤ وتبعه العسكر (14).
• الشيخ شرف الدين ابن الشيخ كمال الدين بن يونس شارح التنبيه ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وتفقه على والده وبرع في المذهب واختصر كتاب الإحياء للغزالي مرتين وكان يلقي الإحياء دروسا من حفظه وكان كثير المحفوظ غزير المادة متفننا في العلوم وتخرج به خلق كثير توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة. ووقع في شرح التنبيه لابن يونس حكاية وجه أنه إذا خلط الطعام الموصى به بأجود منه لا يكون رجوعا وقد قال الرافعي لم يذكروا خلافا في أنه رجوع وفيه وجه أنه إذا وجب عليه في زكاة الفطر نوع فلا يجوز له العدول إلى أعلى منه وهكذا حكاه الماوردي في الحاوي والشاشي في الحلية وهو يرد على دعوى الرافعي الاتفاق على الجواز وفيه وجه أنه يشترط قبول الموصى له بعد الموت على الفور والذي جزم به الرافعي خلافه قال وإنما يشترط ذلك في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط القبول بالإيجاب وفي وجه عن الشاشي فيما إذا مات الموصى له بعد موت الموصي أنه لا يقوم وارثه مقامه في القبول والرد بل تبطل الوصية قال وليس هو بشيء وهذا أيضا ليس في الرافعي.
• المفضل بن عمر الأبهري السمرقندي وكنيته أثير الدين عالم فلك، ورياضي، ومنطقي، وحكيم، وفيلسوف عاش بالقرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي وتأثر كثيراً بعلم كمال الدين بن يونس. الأبهري نسبة إلى أبهر وهي مدينة فارسية قديمة بين قزوين وزنجان. كان عالما فاضلا عليما بأمور المنطق والفلسفة بما لا يقل عن علمه بالفلك والرياضة. وفي علم الفلك اشتهر الأبهري باهتمامه بالأزياج الفلكية. واهتم بحساب الحركات الفلكية رابطا بينها وبين الرياضيات، وذلك في كتابه: القول في حساب الحركات الفلكية ، وكتاب: غاية الإدراك في دراية الأفلاك . ولعل أكثر اهتماماته كانت آلات الرصد الفلكية وبخاصة الأسطرلاب فقد كتب رسالة عن الأسطرلاب وأنواعه وهدفه وطريقة عمله بعنوان: رسالة في علم الأسطرلاب ، وقد ذكر العالم نللينو الباحث في تاريخ الفلك العربي أن الأبهري في كتابه: هداية الحكمة يبحث في حركة الكواكب والنجوم وطبيعة الأفلاك وأنه من الكتب الهامة في تاريخ الفلك العربي التي لا نستطيع دراسة تاريخ علم الفلك بدون ذكرها. وللأبهري مؤلفات في الرياضيات من أهمها: الاحتساب في علم الحساب ، و رسالة في بركار المقطوع تأثر فيها برسالة كمال الدين بن يونس في هذا الأمر، و إصلاح كتاب الاسقطسات في الهندسة لإقليدس.
لم يصدق فردريد الثاني أن العرب أصحاب حضارة وعلوم، بل كان يعتقد أن هذه العلوم التي وجدها شائعة ومعروفة في جزيرة صقلية هي من بقايا حضارة الإغريق والرومان، ولم يكن دور العرب غير دور الناقل والمترجم. قرر فردريد الثاني أن يثبت لحاشيته من القادة والمسؤولين صدق ما يدّعي أن العرب ليس اصحاب حضارة ويمتحن العلماء العرب ببعض المسائل في الطب والفلسفة والهندسة فأرسل أسئلته تلك طالباً إعادتها إليه مشفوعة بالأجوبة.
وبالفعل وصلت أسئلة الملك فردريك، فأحيلت حسب فروعها إلى أصحاب الاختصاص من علماء الشام فأنجزوا حلّ أسئلة الطب والفلسفة ولم يستطيعوا حل أسئلة الهندسة فأرسلوها إلى المفضّل بن عمر الأبهري من علماء الموصل فلم يستطع هو الآخر حلها فأرسلها إلى أستاذه الشيخ كمال الدين بن يونس فعكف عليها حتى وجد الحل، وحين أعيدت الأسئلة بأجوبتها إلى الملك فريدريك الثاني كان في البلاط يحيط به عدد من حاشيته، فقام بفتح لفافة الورق الواردة من الشرق وقد تهيأ لإطلاق قهقهة ساخرة من هؤلاء الذين ما زالوا يعتقدون أن للعرب علوماً وحضارة تفوق ما وصل إليه الغرب من تقدم.
ظل الملك فردريك واجماً وهو ينظر إلى الأوراق التي انكشفت أمامه، إجابات وحلول قاطعة مختصرة لا يرقى إليها الشك، مكتوبة باللغة العربية واللاتينية (18).
7- معاصريه واقرانه
عاصر كمال الدين بن يونس عدداً من العلماء والفقهاء من اشهرهم:
• الشيخ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح الكردي الشهرزوري المحدث ومفتي الإسلام المولود سنة 588 هـ والمتوفي بدمشق في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 643 هـ، والمدفون بمقابر الصوفية قرب تربة العلامة ابن تيمية عماد الدين الحرستاني (577-663) المعروف بابن الصلاح (22) الذي كان يذكر كمال الدين بن يونس كثيراً ويبالغ في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه وتوحده في العلوم فذكره يوما وشرع في وصفه على عادته فقال له بعض الحاضرين يا سيدنا على من اشتغل ومن كان شيخه فقال هذا الرجل أي كمال الدين بن يونس خلقه الله إماما عالما في فنونه لايقال على من اشتغل ولا من كان شيخه فإنه أكبر من هذا. وحكى بعض الفقهاء بالموصل أن ابن الصلاح المذكور سأله أن يقرأ عليه شيئا من المنطق سرا فأجابه إلى ذلك وتردد إليه مدة فلم يفتح عليه بشيء فقال له يا فقيه المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن فقال له ولم ذلك يا مولانا فقال لأن الناس يعتقدون فيك الخير وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد فكأنك تفسد عقائدهم فيك ولا يحصل لك من هذا الفن شيء فقبل إشارته وترك قراءته.
• أبو البركات ابن المستوفي فقال: كمال الدين بن يونس عالم مقدم ضرب في كل علم وهو في علم الأوائل كالهندسة والمنطق وغيرهما ممن يشار إليه حل اقليدس والمجسطي على الشيخ شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي يعني صاحب الاسطرلاب الخطي المعروف بالعصا. وقال ابن المستوفي وردت عليه مسائل من بغداد في مشكلات هذا العلم فحلها واستصغرها ونبه على براهينها بعد أن احتقرها وهو في الفقه والعلوم الإسلامية نسيج وحده ودرس في عدة مدارس بالموصل وتخرج عليه خلق كثير في كل فن ثم قال أنشدنا لنفسه وأنفذها إلى صاحب الموصل يشفع عنده
لئن شرفت أرض بمالك رقها
فمملكة الدنيا بكم تتشرف
ومكنت من حفظ البسيطة مثل ما
تمكن في أمصار فرعون يوسف
بقيت بقاء الدهر أمرك نافذ
وسعيك مشهور وحكمك منصف
وقال ابن المستوفي لقد أنشدني هذه الأبيات عنه أحد أصحابه بمدينة حلب وكنت بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وبها رجل فاضل في علوم الرياضة فأشكل عليه مواضع من مسائل الحساب والجبر والمقابلة والمساحة واقليدس فكتب جميعها في درج (10) وسيرها إلى الموصل ثم بعد أشهر عاد جوابه وقد كشف عن خفيها وأوضح غامضها وذكر ما يعجز الإنسان عن وصفه ثم كتب في آخر الجواب فليمهد العذر في التقصير في الأجوبة فإن القريحة جامدة والفطنة خامدة قد استولى عليها كثيرة النسيان وشغلها حوادث الزمان وكثير مما استخرجناه وعرفناه نسيناه بحيث صرنا كأنا ما عرفناه. وقال لي صاحب المسائل المذكورة ما سمعت مثل هذا الكلام إلا للأوائل المتقنين لهذه العلوم ما هذا من كلام أبناء هذا الزمان.
• الشيخ الفقيه الرياضي علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الحنفي المقرئ المعروف بتعاسيف وكان إماما في علوم الرياضة قال لما أتقنت علوم الرياضة بالديار المصرية وبدمشق تاقت نفسي إلى الاجتماع بالشيخ كمال الدين بن يونس لما كنت أسمع من تفرده بهذه العلوم فسافرت إلى الموصل قصدا للاجتماع فلما حضرت في مجلسه وخدمته وجدته على حلية الحكماء المتقدمين وكنت قد طالعت أخبارهم وحلاهم فسلمت عليه وعرفته قصدي له للقراءة عليه فقال لي في أي العلوم تريد تشرع فقلت في الموسيقى (22) فقال مصلحة هو فلي زمان ما قرأه علي أحد فأنا أوثر مذاكرته وتجديد العهد به فشرعت فيه ثم في غيره حتى شققت عليه أكثر من أربعين كتابا في مقدار ستة أشهر وكنت عارفا بهذا الفن لكن كان غرضي الانتساب في القراءة إليه وكان إذا لم أعرف المسألة أوضحها لي وما كنت أجد من يقوم مقامه في ذلك وقد أطلت الشرح في نشر علومه ولعمري لقد اختصرت (10).
وقال الشيخ بن مسافر الحنفي: رأيت بخط الشيخ كمال الدين بن يونس على الجزء الأول من اقليدس إصلاح ثابت بن قرة ما نصه قرأت على الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع شرف الدين فخر العلماء تاج الحكماء أبي المظفر أدام الله أيامه بعد عوده من طوس هذا الجزء وكنت حللته عليه نفسي مع كتاب المجسطي وشيء من المخروطات واستنجزته ما كان وعدنا به من كتاب الشكوك فأحضره واستنسخته وكتبه موسى بن يونس بن محمد بن منعة في تاريخه هذا صورة خطه وتاريخ الكتاب المشار إليه تاسع عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وخمسمائة هجرية (11)
• أخوه الشيخ عماد الدين الذي بعد وفاته تولى الشيخ كمال الدين المدرسة العلائية موضع أخيه ولما فتحت المدرسة القاهرية تولاها ثم تولى المدرسة البدرية في ذي الحجة سنة عشرين وستمائة وكان مواظبا على إلقاء الدروس والإفادة وحضر في بعض الأيام دروسه جماعة من المدرسين أرباب الطيالس
• العماد أبو علي عمر بن عبد النور بن يوسف الصنهاجي النحوي البجائي الذي كان حاضرا أحد دروسه فأنشد على البديهة (10) :
كمال كمال الدين للعلم والعلى
فهيهات ساع في مساعيك يطمع
إذا اجتمع النظار في كل موطن
فغاية كل أن تقول ويسمعوا
فلا تحسبوهم من غناء تطيلسوا
ولكن حياء واعترافا تقنعوا
وللعماد المذكور فيه أيضا
تجر الموصل الأذيال فخرا
على كل المنازل والرسوم
بدجلة والكمال هما شفاء
لهيم أو لذي فهم سقيم
فذا بحر تدفق وهو عذب
وذا بحر ولكن من علوم
• الشيخ أبو العباس أبقاه الله الذي قال سمعت أيضا على شيخنا الخسروشاهي بعض كتاب نهاية السؤال وبعض كتاب الأحكام في أصول الفقه للسيف الآمدي قال شيخنا (13) والله ما جرى قط على خاطري السيف الآمدي أن كتبه تقرأ علي ولا أعتقد ذلك يعني أنه يعظمه ويكبره عن تلك المنزلة لجلالة قدره عنده وعند غيره وسمعت أيضا عن شيخنا الخسروشاهي بعض كتاب الوجيز للغزالي وكان قد قرأه بالموصل على الإمام الشيخ كمال الدين بن يونس وكتاب المعقول
• القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي الذي قال : ورد إلى الموصل كتاب الإرشاد للعميدي وهو يشتمل على قوة من خلاف علم الجدل وهو الذي يسمونه العجم جست أي الشطار فلما أحضر إلى الشيخ كمال الدين بن يونس نظر فيه وقال علم مليح ما قصر فيه مؤلفه وبقي عنده يومين حتى حرر جميع معانيه ثم إنه أقرأه الفقهاء وشرح لهم فيه أشياء ما ذكرها أحد سواه.
• نجم الدين القمراوي وشرف الدين المتاني - وقمراومتان هما قريتان من قرى صرخد. اللذين اشتغلا بالعلوم الشرعية والحكمية وتميزا واشتهر فضلهما وكانا قد سافرا إلى البلاد في طلب العلم ولما جاءا إلى الموصل قصدا الشيخ كمال الدين بن يونس وهو في المدرسة يلقي الدرس فسلما وقعدا مع الفقهاء ولما جرت مسائل فقهية تكلما في ذلك وبحثا في الأصول وبان فضلهما على أكثر الجماعة فأكرمهما الشيخ وأدناهما ولما كان آخر النهار سألاه أن يريهما كتاباً له كان قد ألفه في الحكمة وفيه لغز فامتنع وقال هذا كتاب لم أجد أحداً يقدر على حله وأنا ضنين به فقالا له نحن قوم غرباء وقد قصدناك ليحصل لنا الفوز بنظرك والوقوف على هذا الكتاب ونحن بائتون عندك في المدرسة وما نريد نطالعه سوى هذه الليلة وبالغداة يأخذه مولانا وتلطفا له حتى أنعم لهما وأخرج الكتاب فقعدا في بيت من بيوت المدرسة ولم يناما أصلاً في تلك الليلة بل كل واحد منهما يملي على الآخر وهو يكتب حتى فرغا من كتابته وقابلاه ثم كررا النظر فيه مرات ولم يتبين لهما حله إلى آخر وقت وقد طلع النهار فظهر لهما حل شيء منه من آخره واتضح أولاً فأولا حتى انحل لهما اللغز وعرفاه فحملا الكتاب إلى الشيخ وهو في الدرس فجلسا وقالا يا مولانا ما طلبنا إلا كتابك الكبير الذي فيه اللغز الذي يعسر حله وأما هذا الكتاب فنحن نعرف معانيه من زمان واللغز الذي فيه علمه عندنا قديم وإن شئت أوردناه فقال قولا حتى أسمع فتقدم النجم القمراوي وتبعه الآخر وأوردا جميع معانيه من أول الكتاب إلى آخره وذكرا حل اللغز بعبارة حسنة فصيحة فعجب منهما وقال من أين تكونان قالا من الشام قال من أي موضع منه قالا من حوران فقال لا أشك أن أحدكما النجم القمراوي والآخر الشرف المتاني قالا نعم فقام لهما الشيخ وأضافهما عنده وأكرمهما غاية الإكرام واشتغلا عليه مدة ثم سافرا (14) و (17).
• رشيد الدين بن خليفة وهو في أول شبيبته قصد السفر إلى الموصل ليجتمع بالشيخ كمال الدين بن يونس ويشتغل عليه لما بلغه من علمه وفضله الذي لم يلحقه فيه أحد وتجهز للسفر فلما علمت بذلك والدته جدتي بكت وتضرعت إليه أن لا يفارقها وكان يأخذ بقلبها فلم يمكنه مخالفتها وأبطل الرواح إليه ولكمال الدين بن يونس أولاد بمدينة الموصل قد أتقنوا الفقه وسائر العلوم وهم من سادات المدرسين وأفاضل المصنفين.
• النصير الطوسي: هو محمد بن محمد بن الحسن نصير الدين الطوسي صاحب الرياضي والرصد كان رأسا في علم الأوائل لا سيما في الأرصاد والمجسطي فإنه فاق الكبار قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو وكان يطيعه فيما يشير به عليه والأموال في تصريفه وابتنى بمراغة قبة ورصدا عظيما واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد وقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة والعقلاء وجعل له أوقافا وكان حسن الصورة سمحا كريما جوادا حليما حسن العشرة غزير الفضائل واختصرالمحصل للإمام فخر الدين وهذبه وزاد فيه وشرح الاشارات ورد على الإمام فخر الدين في شرحه وقال هذا جرح وما هو بشرح وقال فيه حررته في عشرين سنة وناقض فخر الدين كثيرا ومن تصانيفه التجريد في المنطق وأوصاف الأشراف وقواعد العقائد والتلخيص في علم الكلام وشرح كتاب ثمرة بطليموس وكتاب المجسطي و شرح مسألة العلم ورسالة الامامة ورسالة إلى نجم الدين الكاتبي في إثبات الواجب وحواشي على كليات القانون وغير ذلك وقال شمس الدين ابن المؤيد العرضي أخذ النصير كمال الدين بن يونس الموصلي ومعين الدين سالم بن بدران المصري المعتزلي وغيرهما وكان منجما لائقا بعد أبيه. ولد النصير بطوس 597ه سنة سبع وتسعين وخمسمائة وتوفي في ذي الحجة سنة 673ه اثنتين وسبعين وستمائة ببغداد ودفن في مشهد الكاظم في بغداد (3).
استنبط الطوسي، المذكور في ترجمة الشيخ كمال الدين بن يونس وهو شيخه في هذا العلم واشتغل على يده، إن يضع المقصود من الكرة والاصطرلاب في خط فوضعه وسماه العصا وعمل له رسالة بديعة وكان قد اخطأ في بعض هذا الوضع فاصحله الشيخ كمال الدين وهذبه (5) والطوسي اول من اظهر هذا في الوجود فصارت الهيئة توجد في الكرة لأنها تشتمل على الطول والعرض والعمق ويوجد في السطح الذي هو مركب من الطول والعرض بغير عمق ويوجد في الخط الذي هو عبارة عن الطول فقط ولم يبق سوى النقطة ولا يتصور إن يعمل فيها شيء لأنها ليست جسما ولا سطحا ولا خطا بل هي في طرف الخط كما إن الخط طرف السطح والجسم طرف الجسم والنقطة لا تتجزي فلا يتصور إن يرتسم فيها شيء وهذا وان كان خروجا عما نحن بصدده فانه لا يخلو عن فائدة والعلم به خير من الجهل به (5)
• محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن الحارثي وكنيته أبو الفضل ولقبه مؤيد الدين، والمعروف بالمهندس لمهارته وإتقانه علم الهندسة التي اشتهر فيها،الطبيب والمهندس والفلكي والنحات والشاعر. عاش في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي. ولد الحارثي بدمشق عام 529هـ /1134 م ونشأ بها، وسافر إلى مصر وسمع الحديث بالإسكندرية من شيوخها الأجلاء ومن بينهم رشيد الدين بن أبي الثناء، والسلفي وغيرهم، ثم عاد إلى دمشق واستقر بها إلى حين وفاته عام 599هـ /1202 م، وهو في السبعين من عمره. واطلع الحارثي على الكتب الأصول في علم الهندسة، وكان أول تلك الكتب وأهمها بالنسبة له كتاب إقليدس (8).
8- الخاتمة
ولد كمال الدين بن يونس الموصلي في صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بالموصل وتفقه على والده الشيخ رضي الدين يونس ثم توجه إلى بغداد فتفقه بالمدرسة النظامية على معيدها السديد السلماسي وقرأ العربية بالموصل على الإمام يحيى بن سعدون وببغداد على الكمال عبد الرحمن الأنباري ثم عاد إلى الموصل مقيما بها وكان رجلا متبحرا في كثير من فنون العلم موصوفا بالذكاء المفرط إليه مرجع أهل الموصل وما والاها في الفتاوى وأصحابه يعظمونه كثيرا (10) وله أولاد بمدينة الموصل قد اتقنوا الفقه وسائر العلوم وهم من سادات المدرسين وأفاضل المصنفين.
يعد كمال الدين بن يونس الموصلي علامة زمانه وأوحد أوانه وقدوة العلماء وسيد الحكماء قد اتقن الحكمة وتميز في سائر العلوم وتبحر في جميع فنونها وجمع منها ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضيات والفلك وكان عظيما في العلوم الشرعية والفقه وكان مدرسا في المدرسة الكمالية بالموصل ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك وله مؤلفات و مصنفات في نهاية الجودة عاصر سقوط بغداد على يد هولاكو ملك المغول سنة (656هـ /1258م) تتلمذ على يده اعلام لا يمكن حصرهم وتأثر به عدد كبير من العلماء ولم يزل مقيما بمدينة الموصل إلى أن توفي إلى رحمة الله سنة 639ه.
9- المصادر
(1) يحيى عبد سعيد و هاشم الطيار: تاريخ الرياضيات، مطبعة جامعة الموصل، 1980م
(2) سعيد الديوجي: الموصل في العهد الأتابكي، مطبعة شفيق، بغداد 1958م.
(3) شرح قصيدة ابن القيم ج1/ص245
(4) شذرات الذهب ج5/ص371
(5) مرآة الجنان ج3/ص261
(6) تاريخ الإسلام ج51/ص66
(7) الوافي بالوفيات ج7/ص201
(8) ابن ابي اصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء ج1/ص410-411
(9) الدارس ج1/ص143
(10) طبقات الشافعية الكبرى ج2/ص202
(11) تاج العروس ج27/ص136
(12) أبجد العلوم ج3/ص94
(13) فهرسة اللبلي ج1/ص126
(14) طبقات الأطباء، تأليف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس ، الخزرجي، موفق الدين،
أبو العباس ، المعروف بابن أبي أُصَيْبِعَة، المجموعة الوطنية للتقنية NTG © 2001- 2003.
(15) http://rowad.al-islam.com/rowad
(16) أطباء الأسلام الذين جمعوا بين الطب والموسيقة www.yabeyrouth.com
(17) نداء الايمان www.al-eman.com
(18) مجلة الفاتح ، العدد 26: www.al-fateh.net
(19) www.alwaraq.com
(20) مجلة التراث العربي، اتحاد الكتاب العرب–دمشق، العدد 95، أيلول 2004 - رجب 1425
(21) بناة الفكر العلمي في الحضارة الأسلامية http://www.isesco.org.ma
(22) دار الحديث www.daralhadith.com
(23) ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج 5 صفحة 314 و316
(24) السبكي، طبقات الشافعية، ج 8 صفحة 379
(25) عمر فروخ، تاريخ العلوم
(26) http://saifalmanssor.jeeran.com
للعودة إلى الصفحة الرئيسة