كيف أصبح الطفل ملحداً ؟
بقلم: سالم إيليا
كثيراً ما نطلق أحكامنا على الغير وندينهم على سلوكٍ أو فعلٍ إرتكبوه دون الرجوع الى خلفياتِ من دفعهم الى ذلك السلوك ، لذا نرى المشرّع في الدول المتقدمة يأخذ بنظر الإعتبار الدوافع والحالة النفسية للمتهم أو المدان لحظة إرتكابه للفعل الذي أدانه .
وغالباً ما يكون المجتمع بشرائحه وبأنظمته هو المسؤول الأول عن الإنحراف السلوكي للفرد الذي سيُدان فيما بعد من قبل نفس المجتمع وأفراده الذين تسببوا في إنحرافه ، فما بالكم إذا كانت تلك الشريحة في المجتمع والتي تسبَبَ أحد أفرادها بإنحراف فرد أو مجموعة أفراد عن الأعراف والتقاليد السائدة هي المسؤولة عن تقويم المجتمع وتوجيهه روحياً وأخلاقياً للإيمان بالخالق وشرائعه السماوية .
وقد حدثنا التاريخ عن تغيّر مجتمعات بأسرها من حالة الإيمان الى حالة الإلحاد كرد فعل على المؤسسات الدينية التي طغت وتجبرت على الخلق فمسخت نفسها عن هدفها النبيل الذي تأسست من أجله ، ولهذا السلوك الجماعي للمؤسسة دوافعه العديدة منها إنحدار معظم أفرادها من الطبقات المسحوقة المتعطشة الى حب التملك والسيطرة والحاملين أصلاً للعقد النفسية أثناء طفولتهم على الرغم من تبني المؤسسة عملية توجيههم وتهيأتهم لقيادة المجتمع روحياً ومحاولة غرس الصفات الإنسانية النبيلة والوصايا الآلهية التي أتت بها الكتب المقدسة ، لكن معظمهم لا يستطيعون التخلص كلياً من رواسب حالتهم الإجتماعية قبل إنخراطهم في تلك المؤسسات لتنعكس بعدها سلبياً على سلوكهم أثناء قيادتهم لمجتمعاتهم تماماً كما يحصل للسياسيين الثوريين عند إستلامهم للسلطة فكلا الطرفين يقعان في فخ السلطة وهالتها وصدمة التحول من اللاشئ الى كل شئ على الرغم من إدعاءهما بأهدافهما النبيلة التي آمنوا بها ونذروا أنفسهم لخدمتها !! .
إنّ هذه الظاهرة ليست محصورة في دينٍ أو عقيدةٍ معينة دون سواها حيثُ نجدها عند الجميع ، فالإنسان وسلوكيته تأتي نتيجة لنشأته وظروفه ولا تختلف كثيراً من مجتمع الى آخر أو من إنتماء ديني الى آخر ، لذا نجد علماء النفس يضعون النظريات والدراسات وفقاً للصفات الإنسانية العامة مع الأخذ بنظر الإعتبار البيئة التي يحيا عليها الفرد .
فقد ذكر البابا فرنسيس الأول يوم الأثنين المصادف الخامس من آيار 2014م في موعظته التي القاها أثناء القداس الآلهي في كابيلا دار القديسة مارتا بالفاتيكان أنّ "هنالك أشخاص في الكنيسة يتبعون يسوع للتبجّح أو بحثاً عن السلطة والمال ، أما نحن فلنرفع صلاتنا الى الرب ليمنحنا نعمة اتباعه محبة به فقط " ـ ـ إنتهى كلام الحبر الأعظم ، ومن يرغب في الأطلاع على كامل الموعظة فليذهب الى الموقع الرسمي لحاضرة الفاتيكان .
سألت مرّة أحد الأشخاص وكان ملحداً بإمتياز : لماذا يا فلان أصبحت ملحداً الى هذا الحد ؟ فذكر لي حادثة حصلت له وهو صغير ولاتزال عالقة في ذهنه حيثُ كان بيتهم مجاوراً للكنيسة وحالتهم المادية صعبة جداً وعائلته مكوّنة من تسعة أفراد، وكانت والدتهم تعمل ليل نهار لتوفير رغيف الخبز ، يتذوقوا اللحم ربما مرة أو مرتين في السنة من صدقات الأقرباء ، وبالمختصر كانوا في حالة صيام دائمي على مدار السنة ، وعندما يأتي صوم الخمسين كانت والدتهم تسألهم بشد الحزام على البطون أكثر بحجة الصوم لتوفير بعض المال لِما بعد الصوم ، وفي إحد أيام صوم الخمسين ذهب الصبي الى فناء البيعة أو الكنيسة ليلعب الكرة فتسللت الى أنفه رائحة غريبة زكية لم يألفها من قبل فتبعها لا إرادياً لينتهي الى بهو المطعم لرجال الدين فوجدهم ملتفين حول مائدة تتوسطها سمكة مسكوف كبيرة وحولها ما لذّ وطاب من المقبلات فظلّ الصبي باهتاً على باب البهو طالبا ًإشباع معدتهِ من الرائحة فقط !! حينها شعر بوجوده أحد الكهنة فصرخ به محتجاً على إقتحامه لخلوتهم وطرده مهدداً له بالعقاب إذ ما رآه في الكنيسة في غير اوقات القداس !! ، عاد الصبي باكياً وشاكياً والدته لماذا تطلب منهم الصوم ورجال الدين في الكنيسة لم يصوموا !! حيث شاهد أمامهم السمكة فعلقت والدته بتبريرها على إن السمك مسموح بتناوله أيام الصيام !! فسألها لماذا إذاً لا نأكله نحن ؟ فأجابته : لأننا لا نملك ثمنه ، فأجابها معقباً لماذا لا توفري ثمنه من الصدقات التي تعطيها للكنيسة أيام الآحاد لتشتري لنا السمك ؟ فقالت له علينا واجب دعم الكنيسة كمؤمنين !! ، لم ترضي هذه الإجابة الصبي الخاوي المعدة وهو يرى رجال الدين يملئون بطونهم من صدقات والدته التي تقطعها من أفواههم الجائعة لترضي الخالق الذي لم ينظر الى حالتهم البائسة !!!.
ظلّت هذه الحادثة عالقة في ذهن الصبي حتى بعد بلوغه سن الشباب وإكماله لدراسته وتبؤءه لوظيفة محترمة في بلده ، نظرتُ اليه شارداً ومفكراً من أنّ حادثة واحدة غيرت سلوك الشخص الواقف أمامي بإتجاه معاكس لِما قد يكون عليه فيما لو تصرف رجل الدين بطريقة مخالفة كإن يقتطع ذيل السمكة أو حتى رأسها الذي سيرمى في سلّة القمامة ويعطيه للطفل الجائع وهو موقف من صلب واجبهُ الديني !! . حنيتُ رأسي الى الأسفل خجلاً من فعل رجل الدين وأعتذرت للشخص من سؤالي له عن الحاده !!! .
*
للعودة إلى الصفحة الرئيسة
بقلم: سالم إيليا
كثيراً ما نطلق أحكامنا على الغير وندينهم على سلوكٍ أو فعلٍ إرتكبوه دون الرجوع الى خلفياتِ من دفعهم الى ذلك السلوك ، لذا نرى المشرّع في الدول المتقدمة يأخذ بنظر الإعتبار الدوافع والحالة النفسية للمتهم أو المدان لحظة إرتكابه للفعل الذي أدانه .
وغالباً ما يكون المجتمع بشرائحه وبأنظمته هو المسؤول الأول عن الإنحراف السلوكي للفرد الذي سيُدان فيما بعد من قبل نفس المجتمع وأفراده الذين تسببوا في إنحرافه ، فما بالكم إذا كانت تلك الشريحة في المجتمع والتي تسبَبَ أحد أفرادها بإنحراف فرد أو مجموعة أفراد عن الأعراف والتقاليد السائدة هي المسؤولة عن تقويم المجتمع وتوجيهه روحياً وأخلاقياً للإيمان بالخالق وشرائعه السماوية .
وقد حدثنا التاريخ عن تغيّر مجتمعات بأسرها من حالة الإيمان الى حالة الإلحاد كرد فعل على المؤسسات الدينية التي طغت وتجبرت على الخلق فمسخت نفسها عن هدفها النبيل الذي تأسست من أجله ، ولهذا السلوك الجماعي للمؤسسة دوافعه العديدة منها إنحدار معظم أفرادها من الطبقات المسحوقة المتعطشة الى حب التملك والسيطرة والحاملين أصلاً للعقد النفسية أثناء طفولتهم على الرغم من تبني المؤسسة عملية توجيههم وتهيأتهم لقيادة المجتمع روحياً ومحاولة غرس الصفات الإنسانية النبيلة والوصايا الآلهية التي أتت بها الكتب المقدسة ، لكن معظمهم لا يستطيعون التخلص كلياً من رواسب حالتهم الإجتماعية قبل إنخراطهم في تلك المؤسسات لتنعكس بعدها سلبياً على سلوكهم أثناء قيادتهم لمجتمعاتهم تماماً كما يحصل للسياسيين الثوريين عند إستلامهم للسلطة فكلا الطرفين يقعان في فخ السلطة وهالتها وصدمة التحول من اللاشئ الى كل شئ على الرغم من إدعاءهما بأهدافهما النبيلة التي آمنوا بها ونذروا أنفسهم لخدمتها !! .
إنّ هذه الظاهرة ليست محصورة في دينٍ أو عقيدةٍ معينة دون سواها حيثُ نجدها عند الجميع ، فالإنسان وسلوكيته تأتي نتيجة لنشأته وظروفه ولا تختلف كثيراً من مجتمع الى آخر أو من إنتماء ديني الى آخر ، لذا نجد علماء النفس يضعون النظريات والدراسات وفقاً للصفات الإنسانية العامة مع الأخذ بنظر الإعتبار البيئة التي يحيا عليها الفرد .
فقد ذكر البابا فرنسيس الأول يوم الأثنين المصادف الخامس من آيار 2014م في موعظته التي القاها أثناء القداس الآلهي في كابيلا دار القديسة مارتا بالفاتيكان أنّ "هنالك أشخاص في الكنيسة يتبعون يسوع للتبجّح أو بحثاً عن السلطة والمال ، أما نحن فلنرفع صلاتنا الى الرب ليمنحنا نعمة اتباعه محبة به فقط " ـ ـ إنتهى كلام الحبر الأعظم ، ومن يرغب في الأطلاع على كامل الموعظة فليذهب الى الموقع الرسمي لحاضرة الفاتيكان .
سألت مرّة أحد الأشخاص وكان ملحداً بإمتياز : لماذا يا فلان أصبحت ملحداً الى هذا الحد ؟ فذكر لي حادثة حصلت له وهو صغير ولاتزال عالقة في ذهنه حيثُ كان بيتهم مجاوراً للكنيسة وحالتهم المادية صعبة جداً وعائلته مكوّنة من تسعة أفراد، وكانت والدتهم تعمل ليل نهار لتوفير رغيف الخبز ، يتذوقوا اللحم ربما مرة أو مرتين في السنة من صدقات الأقرباء ، وبالمختصر كانوا في حالة صيام دائمي على مدار السنة ، وعندما يأتي صوم الخمسين كانت والدتهم تسألهم بشد الحزام على البطون أكثر بحجة الصوم لتوفير بعض المال لِما بعد الصوم ، وفي إحد أيام صوم الخمسين ذهب الصبي الى فناء البيعة أو الكنيسة ليلعب الكرة فتسللت الى أنفه رائحة غريبة زكية لم يألفها من قبل فتبعها لا إرادياً لينتهي الى بهو المطعم لرجال الدين فوجدهم ملتفين حول مائدة تتوسطها سمكة مسكوف كبيرة وحولها ما لذّ وطاب من المقبلات فظلّ الصبي باهتاً على باب البهو طالبا ًإشباع معدتهِ من الرائحة فقط !! حينها شعر بوجوده أحد الكهنة فصرخ به محتجاً على إقتحامه لخلوتهم وطرده مهدداً له بالعقاب إذ ما رآه في الكنيسة في غير اوقات القداس !! ، عاد الصبي باكياً وشاكياً والدته لماذا تطلب منهم الصوم ورجال الدين في الكنيسة لم يصوموا !! حيث شاهد أمامهم السمكة فعلقت والدته بتبريرها على إن السمك مسموح بتناوله أيام الصيام !! فسألها لماذا إذاً لا نأكله نحن ؟ فأجابته : لأننا لا نملك ثمنه ، فأجابها معقباً لماذا لا توفري ثمنه من الصدقات التي تعطيها للكنيسة أيام الآحاد لتشتري لنا السمك ؟ فقالت له علينا واجب دعم الكنيسة كمؤمنين !! ، لم ترضي هذه الإجابة الصبي الخاوي المعدة وهو يرى رجال الدين يملئون بطونهم من صدقات والدته التي تقطعها من أفواههم الجائعة لترضي الخالق الذي لم ينظر الى حالتهم البائسة !!!.
ظلّت هذه الحادثة عالقة في ذهن الصبي حتى بعد بلوغه سن الشباب وإكماله لدراسته وتبؤءه لوظيفة محترمة في بلده ، نظرتُ اليه شارداً ومفكراً من أنّ حادثة واحدة غيرت سلوك الشخص الواقف أمامي بإتجاه معاكس لِما قد يكون عليه فيما لو تصرف رجل الدين بطريقة مخالفة كإن يقتطع ذيل السمكة أو حتى رأسها الذي سيرمى في سلّة القمامة ويعطيه للطفل الجائع وهو موقف من صلب واجبهُ الديني !! . حنيتُ رأسي الى الأسفل خجلاً من فعل رجل الدين وأعتذرت للشخص من سؤالي له عن الحاده !!! .
*
للعودة إلى الصفحة الرئيسة