شاعر الزاب
طلال عبدالرحمن
28-04-2012
آخر الأحلام .. أخر القصائد
خبزٌ ورعدٌ وخريرْ
ونصف’ غيمٍ،
نصف’ صحوٍ ومطرْ
لي حلمٌ يا سادتي،
لي حلمٌ أثيرْ.
كحلمِ عصفورٍ صغيرٍ قابعٍ في عشّهِ
ما بين سقفِ بيتنا الطينيِّ،
والمزريبِ في يومٍ مطيرْ
ينتظرُ المزنةَ أن تعبرَ كي يطيرْ.
لي حلمُ يا سادتي،
لي حلمٌ فقيرْ
أحلم أن أعودَ من مدرستي
مبللاً، شعريَ والملابسْ
تفوح من ملابسي
رائحة الصوفِ التي هيّجها المطرْ
رائحةُ الأرضِ وفوحُ الطينِ
والأسفلتِ والشجرْ
أبحثُ عن أمّيَ في الدارِ فلا أراها
أسمع صفقتينِ أو ثلاثْ
أهرَع كالأرنبِ
عبر الدّرجِ الجبسيِّ للسطوحْ
تدهَمني رائحةُ الخبزِ
ودفءُ النارِ في التنورْ
عيني على الخبز الذي يُسكر دونَ خمرةٍ
ويشحن الأرواحَ بالحياه!
أقضُم لقمتينْ
فيكتوي لساني
الللللللله!
اللللللللله!
تلكم هي الحياه!
ومنظرْ القوسِ قزحْ
يمتدّ من أعماقِ أعماقِ السماءْ
إلى تخوم حيّنِا الفقيرْ
ذاك هو الحلُمْ!
وما عدا ذلك تُرّهاتْ!
تلكمْ هي الحياة!
خبزٌ ورعدٌ وخريرْ
ونصفُ غيمٍ
نصفُ صحوٍ ومطرْ
لي حلُمٌ يا سادتي!
لي حلمٌ صغيرْ!
أحلمُ أن أنامَ في غرفتِنا القديمهْ
على صدى الخارورِ في صينيةِ الفافونْ
من سقفنا الطينيّ ِفي أواخر الليلِ وفي عزّ المنامْ
ألوذ باللحافِ من رذاذهِ يدغدغ العيونْ
ربّاهُ ما أعذبَ أن أنامْ
على صدى الخارورِ في صينيةِ الفافونْ
والرعدِ والبرقِ ومذياع ِأبي
آه ٍأبي!
وأهِ مذياعُ أبي!
ينساه مفتوحاً على الدوامْ
حين ينامْ
مخرخشاً يسحب كل الرعدِ في الأثيرْ
والبرق ُمن شباكنا الصغيرْ
يضئ كلّ ذرةٍ في الغرفةِ العتيقهْ
حيث ننام كلّنا
سبعتُنا، بلا سريرْ.
لله كيف استُبدل الخارورُ في صينيةِ الفافونْ
فصار ناقوطاً يصبُّ في الوريدْ
يقطر من زجاجةٍ مقيتةٍ فوقي،
وحولي أجهزةْ
ترنُّ أو تطنُّ أو تشخَر طول الليلِ والنهارْ
وأين مذياعُ أبي؟
أين أبي العظيمْ!
وصوتُ أمي غائرّ في السقفِ
يدعوني " تعال!"
أمي التي كانت إذا ما فرخ ُعصفورٍ هوى من عشّهِ
تبكي عليهْ
لبيكِ يا أماهُ إني قادمٌ !
قد طالت الجراحُ يا أمي
وقد طال الألمْ
وصارت الدنيا كخرمِ إبرةٍ
وملّت الروح ُمن الجسدْ
لا شئَ غيرُ حضنِك الدافئِ
يشفيني من الجراحْ
وقضمةٍ من خبزكِ الأثيرْ
سئمتُ من هذي الإبرْ
تنغزُ في ألوريدِ يا أماهُ من سنينْ
وهذه الأجهزةِ المقيتةْ.
غداً سآتيكِ إلى دارتِنا العتيقةْ
أهرَع كالأرنبِ
عبرَ الدّرج ِالأبيضِ للسطوحْ
تدهَمني رائحةُ الخبزِ
وفوحُ النارِ في التنورْ
أقضمُ من خبزِكِ لقمتينْ
فيكتوي لساني
وينتهي الألمْ
ومنظرُ القوسِ قزحْ
يمتدُّ من أعماقِ أعماقِ السماءْ
إلى تخومِّ حيّنِا الفقيرْ
تلكمْ هي الحياة!
والحلمُ الأثيرْ
خبزٌ ورعدٌ وخريرْ
ونصفُ غيمٍ
نصفُ صحوٍ ومطرْ
*******
اقرأ المزيد: صفحة الشاعر على موقع سالم الحسـو