أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف
( المصدر: موقع آلوكة)
كان للمرأة العراقية إبان العصور الإسلامية، إسهامات واسعة في مجالات الخدمة العامة، امتدت لتشمل كل مناحي الحياة الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية تقريبًا، وتمثلت بإنشاء الطرق، والجسور، والقناطر، والمستشفيات، والمساجد، والمدارس، والربط، ودور القرآن والحديث، ومشاريع مياه الشرب، والإنفاق على أعداد كبيرة من العلماء والمدرسين والطلبة والفقراء والأرامل والأيتام، وغير ذلك من أوجه النفع العام[1].
ولا شك في أن لهذه المساهمات دورها في التخفيف من أعباء الحياة وبخاصة في العهود المتأخرة، التي غلبت عليها كثرة الفتن والأوبئة وتعاقب الغزاة، كما كان لها أبلغ الأثر في جعل الحياة اليومية مقبولة ومستمرة في مدن ذلك العصر. وفي إحصاء أجريناه لمساهمات المرأة في بغداد وحدها، تبين لنا أنها قامت خلال القرون المتأخرة، بإنشاء، أو الإنفاق، على نحو 30 مسجدًا، و12 مدرسة، وخمسة رُبُط (تكايا) ومستشفى واحد، وبيت للقضاة، وسبع سقايات ماء[2]، وهذا بلا ريب يغير من النظرة السلبية إلى تاريخها في تلك العهود، والتي كانت تبدو فيها حواء، وقد انعزلت عن العالم، لا تكاد تهتم إلاّ بنفسها، وزينتها، ودون أن يكون لها إسهام ما في الحياة الاجتماعية الدائرة حولها، وهو ما يدل على تفهم كثير من النساء - في أكثر الحقب ركودًا - لحاجة مجتمعاتهن الأساسية، فإنشاء المدارس العديدة كان يمثل في الواقع تقديرًا لحاجة المجتمع إلى العلم والثقافة، وتأسيس المساجد أو الوقف عليها، كان في بعض أوجهه يمثل تفهمًا عميقًا لحاجات المجتمع الروحية والأخلاقية، وإنشاء الربط والزوايا والوقف عليها كان يمثل تقديرًا لمشاكل أولئك الذين لا مأوى لهم.
ومن ناحية أخرى فان وقف الأوقاف الكثيرة على الفقراء والمحتاجين والأرامل والأيتام، يقف دليلًا على تفهم مشاكل تلك الفئات والتعاطف معها، ومن ثم فإن ذلك كله يسجل مقدارًا عاليًا من (الوعي) لدى أولئك النسوة الصالحات.
وكان للمرأة الموصلية مبادرات مهمة في مثل هذه المجالات النافعة، حيث تكشف لنا الوقفيات القديمة، المرتقية إلى العصر العثماني، والكتابات الأثرية الموجودة، أو التي وصلتنا نصوصها عن طريق المصادر التاريخية، وكتب التاريخ والرحلات، عن جوانب مهمة مما عنيت المرأة به إبان القرون المتأخرة، ويتركز معظمه في مجالات الخدمة الثقافية والاجتماعية وهي[3]:
1- إنشاء المساجد والوقف عليها.
2- إنشاء المدارس والوقف عليها.
3- وقف الأوقاف للإنفاق على الفقراء والمساكين.
وسنتناول، في هذا البحث، نماذج مما وقفنا عليه من هذه المشاريع النسوية النافعة، في الحقبة الممتدة من بدء السيطرة العثمانية وحتى نهاية القرن الماضي وذلك كما يأتي:
1- انشاء المساجد والوقف عليها:
جامع رابعة خاتون الجليلية:
أنشأته سنة 1180هـ/1766م، السيدة رابعة خاتون بنت والي الموصل إسماعيل باشا الجليلي (1139-1140هـ/1726- 1727م[4]) في محلة (شارسوق) في مدينة الموصل، والتي عرفت فيما بعد بالرابعية نسبة إلى الجامع نفسه، وعينت فيه إمامًا، وخطيبًا، وواعظًا، ومؤذنًا، واربعة مكبرين، وكناسًا، وفراشًا، وقنديلجي، وسقاء للماء[5]. كما الحقت به مدرسة، وعينت لها مدرسًا، وأوقفت على ذلك كله " ما هو بيدها وملكها وتحت تصرفها" من عقارات مختلفة، منها حصتها في رحاة (رحى) بايبوخت، على نهر الخوصر، ودكاكين عديدة في سوق التبن من أسواق الموصل، ودكاكين الحدادين، وقهوة (مقهى). وعينت متوليًا على إدارة الوقف ابن أخيها والي الموصل يومذاك محمد أمين باشا الجليلي، وذلك بموجب الوقفية المؤرخة في 27 شعبان سنة 1181هـ/1767[6]. وتوفيت الواقفة في 17 رمضان سنة 1211هـ/1796م، وقد أصاب الجامع، في السنين الأخيرة[7]، الخراب، فاهمل شأنه، وتصدَّعت جدرانه، وانقطعت الصلاة فيه.
جامع العراقدة في الموصل:
أنشأته السيدتان فتحية خاتون وعائشة خاتون من نساء الجليليين سنة 1194هـ/1780م في محلة حمام المنقوشة بالموصل[8]. وفي سنة 1204هـ/1789م وقفت السيدة فتحية خاتون عقارات عديدة تشمل دكاكين في سوق الصياغ، والسوق الكبير، و(قهوة خانة) في سوق الشيخ عبدالله المكي للإنفاق على هذا الجامع وتأثيثه ودفع راتبي الإمام والمؤذن. وسجلت ذلك كله في الوقفية المؤرخة في أواسط جمادي الآخرة سنة 1204هـ/شباط 1789م[9]. ولما يزل هذا الجامع عامرًا بالمصلين حتى اليوم.
مسجد العقبة:
أنشأته زوجة والي الموصل الغازي محمد أمين باشا الجليلي (المتوفى سنة 1189هـ/1775م[10]) كما هو مكتوب في لوحة من المرمر مثبتة على بابه، وعنيت بالإنفاق عليه، سيدة موصلية أخرى هي آسيه خاتون بنت الحاج سليمان أغا، زوجة والي الموصل سليمان باشا الجليلي (المتوفى سنة 1211هـ/1796م) فوقفت عليه، في شهر ربيع الآخر سنة (1216هـ/1791م) جميع (القهوخانة الشهيرة بقهوة خانة الأنبار الواقعة بقرب حمام العليل المشترى له على رواق طويل ورواق صغير وحوش القهوة خانة الواقعة بسوق الصغير.. وأيضًا أرض بسيطة.. في سوق الصغير) وشرطت هذه المحسنة، أن يعطى من ريع الأملاك الموقوفة للمؤذن في شهر 80 صاغة، وللإمام في كل شهر 160 صاغة، وللمتولي في كل شهر 60 صاغة، وأن يصرف ما يتبقى من الربع على عمارة المسجد وتأثيثه، وعلى "المستحقين من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل" [11].
جامع المحمودين:
سعت السيدة زوجة والي الموصل محمد باشا الجليلي (حكم 1204-1221هـ/1779-1806م) وأم والي الموصل محمود باشا الجليلي (حكم 1224- 1225هـ/1809-1810م) إلى انشاء جامع يعرف باسم حامد ومحمود[12] سنة 1211هـ/1796م، اشركت ولدها محمود باشا بالأمر، فتم بناؤه في السنة التالية.
قال المؤرخ ياسين بن خير الله العمري في حوادث سنة 1212هـ: وفيها أحدثت أم الخيرات أم الأمير محمود بك، زوجة محمد باشا الجليلي، جامعًا للصلاة والخطبة في مقام حامد ومحمود، وبنت فيه مدرسة، وأوقفت عليه أوقافًا، وجعلت المتولي ولدها محمود بك، والمدرس عزيز الكردي.
وقد دفنت هذه السيدة وولدها في فناء الجامع[13]، ولما يزل هذا الجامع عامرًا بالمصلين حتى اليوم، وهو يعرف أيضًا بجامع الحامدين، وبه تعرف المحلة التي يقع فيها[14].
جامع النعمانية:
شاركت السيدة عائشة خاتون سنة 1212هـ/1797م أخاها نعمان بك (والي الموصل فيما بعد) [15] بن سليمان باشا الجليلي في إحياء مسجد السراج خانة القديم في محلة السراج خانة من محلات مدينة الموصل بعد أن " آل إلى الانهدام وقارب الانعدام" فهدماه، وأعادا بناءه مسجدًا جامعًا للجمع والأعياد والأوقات، وعيّنا فيه عددًا من الموظفين لإدارة مرافقه والعناية به، منهم إمام، وخطيب ومؤذن، وقراء، وكليدار، ومكبرون، وموكلون بالإضاءة، وبمياه الشرب وغيرهم، ورتبا لهم الرواتب.
ولقد وقف الواقفان، للإنفاق على ذلك كله، عقارات جمَّة في الموصل وأعمالها، وكانت حصة السيدة عائشة منها كبيرة، منها " القهوة التي في سوق الصياغ الشهيرة بقهوة ابن خروفة" و" سدس حمام القلعة، ودكاكين عدة في أسواق الموصل" [16] ولازال الجامع بفضل تلك الأوقاف عامرًا بالمصلين[17].
جامع الحاجة فاطمة الخيَّاط:
يقع هذا الجامع في محلة المكَّاوي، أنشأته السيدة المحسنة الحاجة فاطمة بنت يحيى أفندي الخيَّاط سنة 1212هـ/ 1797م والحقت به مدرستين الاولى كتاب لصغار الطلبة، والاخرى تختص بتدريس الفقه للكبار، وكانت للجامع أوقاف متعددة، منها قرية في (النافكر)، وسبعة دكاكين من سوق الصرافين، وثلاثة بيوت في محلة رأس الكور. وقد أصابه في منتصف القرن العشرين إهمال أدى إلى انهدام قبته سنة 1962م، فأعاد بناءه الدكتور زين الدين سنة 1409هـ/ 1989م، وهو عامر بالمصلين[18].
وقف حمرة خاتون على فقراء جامع النبي جرجيس:
وقفت السيدة حمره (حمراء) خاتون[19] بنت الحاج صادق أغا، وزوجة والي الموصل الشهير الحاج حسين باشا الجليلي[20]، ثلاثة أرباع الدكاكين الواقعات على حافة الخندق بقرب جامع الأغوات في الموصل على عمارة جامع النبي جرجيس، وان " يؤخذ كل ليلة جمعة لحم للشوربة التي تطبخ في الجامع حضرة نبي الله جرجيس (عليه السلام) وتفرق على الفقراء (الساكنين في الجامع الشريف" وذلك بموجب وقفيتها المؤرخة في 10 من شهر شعبان سنة 1213هـ/1798م[21].
وقف فردوس خاتون الجليلية على سقاية جامع النبي يونس:
عنيت السيدة فردوس خاتون بنت يحيى آغا الجليلي، زوجة حسن بك (باشا) والي الموصل، بمشكلة توفير المياه الصالحة للشرب للمصلين في جامع النبي يونس على تل التوبة، في الجانب الشرقي من الموصل. وكان ارتفاع التل الذي يقع عليه الجامع من ناحية، وبعده النسبي عن شاطئ نهر دجلة، يمثل مشكلة حقيقية لقاصدي الجامع من الزوار والمصلين فضلًا عن العاملين فيه. ويظهر أن توصيل المياه إلى سقاية الجامع كان يستلزم مالًا لم يكن من الميسور دفعه من واردات الجامع نفسه، لذا فقد وقفت هذه السيدة المحسنة " الربع من بستان الزيتون الشهيرة ببستان الزعامة في قرية باعشيقة من قرى الموصل المحروسة لسقاية الماء الذي ينقل من نهر دجلة إلى جامع حضرة نبي الله يونس عليه السلام في كل يوم للشرب ولخدمة الزوار والدراويش الساكنين في الجامع المشار اليه"، وكان تسجيلها لهذا الوقف النافع في شهر محرم سنة 1215هـ/ ايار 1800م[22].
وقفية زينب خاتون بنت عبدالله على جامع زقاق الحصن:
ووقفت السيدة زينب خاتون بنت عبدالله على جامع زقاق الحصن [23] في محلة السراج خانة بالموصل، أوقافًا جَمَّة للإنفاق عليه، وعمرته تعميرًا شاملًا وذلك سنة 1235هـ/1819م.
وكتب على باب الجامع:ـ
ـ عمارة جامع الخيرات فاقت
ـ وطبتم فادخلوها خالدين
قد تطوعت بعمارة الجامع الحاجة زينب خاتون ابتغاء لمرضاة الله تعالى 1235[24]، وفي سنة 1373هـ/ 1954م هدم أكثر الجامع وأدخل أكثر من نصف مساحته في شارع الفاروق، ثم أعيد بناؤه مجددًا، وهو عامر بالمصلين إلى يومنا هذا.
وقفية خيري خاتون على جامع عمر الاسود:
أنشأ هذا الجامع من يدعى عمر الأسود بين سنتي 1091 أو 1093هـ/ 1680-1682م، فنسب اليه وربما سمي (جامع شهر سوق)، لوقوعه في وسط المحلة المعروفة بهذا الاسم من محلات الموصل القديمة.
وفي سنة 1239هـ/1823م وجد أن الجامع أصابه الإهمال، فوقفت عليه السيدة خيرى خاتون عقارات، وعينت له متوليًا، فرمم بعض أقسام الجامع، وبنى فيه منارة مزينة بقطع الآجر المزجج[25]، ولا يزال هذا الجامع عامرًا بالمصلين.
جامع الخاتون:
أنشأته السيدتان مريم خاتون بنت والي الموصل محمد باشا الجليلي (حكم 1204-1221هـ/1789-1806م) وأمها هيبة الله خاتون بنت عبدالله، في محلة حوش الخان في الموصل، سنة 1241هـ/1825م، وشاركهما في عملهما هذا محمد أمين بك محمد باشا الجليلي[26]. وكانت أرضه قبل بناءه خالية من العمارة، ويقول المرحوم سعيد الديوه جي: " ولا ندري هل أن الجامع أنشئ على آثار مسجد قديم أم أنشئ على غير هذا".
وعلى الرغم من إدخال أقسام من أرض الجامع وبنائه في شارع نينوى على أكثر من مرحلة من مراحل شقه وتوسيعه، فإن الجامع بعمارته الرئيسية ظل عامرًا بالمصلين حتى يومنا هذا.
وقفية مريم خاتون الجليلية على مسجد الصوفية:
عنيت السيدة مريم خاتون بنت أحمد باشا الجليلي والي الموصل (1227- 1237هـ/ 1812- 1821م) بهذا المسجد الذي كان يعرف أيضًا بمسجد عبدالمُقيم، وذلك في وقفيتها المؤرخة في أواسط شهر ذي الحجة من سنة 1251هـ/1835م، فقد عينت راتبًا للمدرس يقدره المتولي على اوقافها، وأن يدفع من ريع تلك الأوقاف، وتشمل دكاكين في قيصرية العباجية المطلة على سوق البارودجية من جهة، وعلى سوق الجبوقية من جهة أخرى، بينما يوزع سائر الريع على ذريتهما فإذا ما انقرضوا، يفرق " على المستحقين من الفقراء والمساكين" [27].
وقف رُقية خاتون على مسجد الخُضري:
وفي سنة 1278هـ/1861م وقفت السيدة رقية خاتون بنت محمد أفندي الشهير بابن المصرف، الساكن في محلة (عبدو خوب) من محلات مدينة الموصل، الدكان الذي تملكه في سوق الصفارين، على مصالح مسجد الحاج محمود أفندي بن عبدالجليل الخضري، بموجب وقفيتها المؤرخة 3 من شهر شعبان من السنة المذكورة[28].
تجديد فاطمة بنت محمد لمسجد الصوفية:
مسجد قديم كانت فيه جهة تدريس- كما يفهم من وقفية السيدة مريم خاتون الجليلية (انظر هذه المادة)، وقد تطوعت لتجديده سنة 1326هـ/1908م السيدة فاطمة بنت محمد، فكتبت على باب مصلاه النص الآتي[29]:
(تطوعت بعمارته تقربًا إلى الله تعالى وابتغاء جنته ورجاء رضوانه ومغفرته فاطمة بنت المرحوم محمد في غرة شوال سنة 1326).
وقف مريم خاتون على جامع العراقدة:
خصصت السيدة مريم خاتون بنت إبراهيم بك بن نجيب بك، من سكنة محلة الرابعية في الموصل، قسمًا من ريع ما أوقفته " لكل من يكون مدرسًا في المدرسة الكائنة في مسجد العراقدة الواقع في محلة المنقوشة من محلات المدينة المذكورة" بموجب وقفيتها المؤرخة 20 من شهر جمادي الآخر سنة 1329هـ/1911م، فأظهرت بذلك رغبتها في رفع شأن العلم والعلماء[30].
جامع يحيى الإمام:
يقع هذا الجامع في حي المنصور، من ضواحي مدينة الموصل، تطوعت بعمارته السيدة ألصالحة الحاجة وهبية بنت خليل سنة 1388هـ/1968م.
جامع المصطفى:
يقع هذا الجامع في حي الشهداء، من ضواحي مدينة الموصل، وقد تطوعت ببنائه السيدة الصالحة الحاجة والية الصفو سنة 1405هـ/1984م.
تعمير صديقة بنت أحمد بكر لمسجد حمام السراي:
مسجد في محلة زقاق الحصن، كان قديمًا يقع داخل الحصن الذي أسسه المغول قريبًا من السراي، ومنه اكتسب اسمه، كما عرف أيضًا بمسجد (شيخ الأصناف السبعة) نسبة لمن عمره، وكانت عليه كتابة أثرية تشير إلى أن الشيخ يونس عَمَّرَهُ سنة 1057هـ/1647م، وأنه رمم سنة 1345هـ/1926م[31]، ثم ما لبث أن أهمل، كما أهمل رباط قديم مجاور له، ينسب إلى السيدة نفيسة (رضي الله عنها)، فكان أن تطوعت السيدة صديقة بنت أحمد بكر حمُّو الحاج خليل رحمها الله لتجديده سنة 1405هـ/1985م، تجديدًا شاملًا فأعادت بناء المسجد وأثثته تأثيثًا حسنًا، وشملت عنايتها مزار السيدة نفيسة أيضًا. وثبتت على كل من المنشأتين كتابة تؤرخ قيامها بهذا العمل النافع.
2- إنشاء المدارس والوقف عليها:
المدرسة الرابعية:
أنشأتها السيدة رابعة خاتون بنت والي الموصل إسماعيل الجليلي المتوفاة سنة (1217هـ/1802م)، في جامعها الكبير الذي شيدته سنة 1180هـ/1766م في محلة شارسوق من محلات الموصل القديمة[32] وكانت تشرف بنفسها على سير التدريسات في المدرسة، فتعين من تراه أهلًا للتدريس، وتعزل من لا تراه كذلك[33]. وأول من درس بها شيخ القراء الشيخ سعد الدين بن أحمد بن مصطفى البصير المتوفى سنة 1188هـ/1774م، والشيخ مصطفى الصباغ المتوفى سنة 1200هـ/1785م، ومن المتأخرين الشيخ محمد آل دباغ، والشيخ صالح الجوادي بن إسماعيل شيخ القراء بالموصل[34].
مدرسة جامع المحمودين:
أنشأتها السيدة زوجة الوزير محمد باشا الجليلي سنة 1212هـ/1797م في جامع المحمودين الذي عمرته[35]، والكائن في المحلة المنسوبة إليه من محلات مدينة الموصل. وضمت اليها خزانة كتب حفظ الزمان 35 مخطوطًا منها[36]، يرقى أقدمها إلى القرن التاسع للهجرة، وهي تتوزع على موضوعات القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه والطب والأدب[37].
مدرسة الحِجِّيات:
تقع هذه المدرسة في محلة القنطرة، قرب سور الموصل القديم، وهي من المدارس المستقلة عن المساجد في الموصل، أنشأتها الحاجة عادلة خاتون وأختها الحاجة فتحية خاتون ابنتي والي الموصل عبدالفتاح باشا الجليلي (1183- 1185هـ /1769-1771م) سنة 1241هـ.
وقد عنيت الواقفتان بتوفير أجواء الدرس الملائمة في مدرستهما، فأضافتا اليها قسمًا داخليًّا يتألف من عدة حجرات لإقامة الطلبة، وخصصتا لكل حجرة نفقة مالية شهرية، وتخصيصات عينية من الشمع في أيام الشتاء[38] كما ضمتا اليها خزانة كتب غنية بالكتب الخطية النادرة في التفسير، والحديث، والحكمة، والفقه، واللغة، والنحو، والادب، والطب، والفلك، وغير ذلك. وعينا لهذه الخزانة موظفًا خاصًا بعنوان (كتب خانجي) موكل بأمر العناية بها، ويتقاضى راتبًا شهريًّا[39].
وجعلت الواقفتان للمدرسة ناظرًا يرعى شؤونها المختلفة، مستقلاًّ بها عن المتولي الذي يدير ما عليها من وقف، ومن ثم فإنهما فصلا بين الإدارتين المالية والإدارية لهذه المؤسسة، ويلاحظ أيضًا إنهما حددا راتب المدرس بثلاثين غرشًا، وهو ما يزيد عن راتبي المتولي والناظر مجتمعين، مما دل على رجحان كفة الماليين على الإداريين خلافًا للعديد من الوقفيات الأخرى.
وقد رصدت الواقفتان المحسنتان، للإنفاق على مدرستيهما ريع ما يملكان وقفًا صحيحًا شرعيًا ثابتًا، وهو بيت سكنهما، والحمام الشهير بحمام باب البيض، وبلغ من حبهما للعلم وتقديرهما لأهله. انهما أوصيتا بدفنهما عند وفاتهما في رحاب هذه المدرسة، وبالفعل فإنهما دفنتا جنبًا إلى جنب، داخل الحجرة التي يدخل منها إلى خزانة الكتب، ولقد أصاب الخراب هذه المدرسة وهجرت، وسكنت بعض الأسر في أقسام اقتطعت منها.
المدرسة النعمانية:
شاركت في إنشائها سنة 1212هـ/1797م السيدة عائشة خاتون بنت والي الموصل سليمان باشا الجليلي[40]، وتقع في الجامع الذي شيدته، وأخوها نعمان بك (باشا فيما بعد) في محلة السراج خانة من محلات الموصل، وعينا فيها مدرسًا، وجعلا الإنفاق عليها مما وقفاه على الجامع من عقارات عديدة، وكانت للسيدة عائشة حصة كبيرة في تلك الأوقاف[41].
وضم الواقفان إلى مدرستهما خزانة كتب احتوت على جملة وافرة من الكتب في العقائد والحديث والفقه واللغة والمنطق والأدب والتاريخ والفلك وغير ذلك[42]، بقي منها اليوم (55) كتابًا مخطوطًا، آلت جميعًا إلى مكتبة الأوقاف العامة في الموصل[43].
المدرستان الحسنيتان:
من مبرات السيدة فردوس خاتون بنت يحيى أغا الجليلي أنها شاركت زوجها حسن بك (الذي كان واليا على الموصل فيما بعد) بن الحاج حسين باشا الجليلي في إنشاء إحدى أهم المدارس في الموصل ابان القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي). وهي المعروفة بالمدرسة الحسنية نسبة إلى زوجها المذكور.
وتعد وقفية هذه[44] المدرسة من اكثر الوقفيات التي وصلتنا تفصيلًا ودقة، فقد سعى الواقفان إلى توفير أفضل الخدمات للعاملين في مؤسستهما الثقافية وللطلبة "الطالبين للاستكمال"، وكانت المدرسة تتألف بحسب رغبتهما من قسمين منفصلين، عدتهما الوقفية مدرستين قائمتين بذاتها، الأولى "لأجل تدريس علوم النقلية والعقلية" والأخرى "لأجل تدريس القراءة والتجويد"، فتكون الأخيرة، أشبه -من حيث طبيعتها- بدور القرآن المتخصصة بعلوم القرآن الكريم، التي ظهرت في العصور الإسلامية الوسيطة.
ومن حسناتهما انهما ألحقا بمدرستهما خزانة كتب كبيرة، احتوت على جملة وافرة من الكتب، في التفسير والقراءة والحديث، والفقه، وأصوله، والتصوف، والمواعظ، والعقائد، واللغة والأدب ودواوين الشعر، والطب، فضلًا عما يعرف بكتب الجادة، أي الكتب المدرسية البحتة، وتشمل النحو والمنطق والهندسة وما إليها [45] وجعلا لكل طالب علم حجره خاصة.
ورتبا لجميع العاملين في هذه المدرسة، وللطلبة، الرواتب الكافية، وذلك على النحو التالي:
مدرس العلوم العقلية والنقلية ....120 صاغة يوميًّا
مدرس علم القراءة .... 80 صاغة يوميًّا
كليدار الكتب خانة (أمين المكتبة) ... 28 صاغة يوميًّا
كليدار المدفن (السادن) ....4 صاغات يوميًّا
تالي جزء من القرآن لروح الواقفين... 8 صاغات يوميًّا
خادم السبيل (السقاية) .... 20 صاغة يوميًّا
من الطلبة، لكل طالب ... 8 صاغات يوميًّا
قابجي (بواب) المدرسة ..... 24 صاغة يوميًّا
ماء سبيل خانة (ماء الشرب) .... 360 صاغة يوميًّا
وحدد الواقفان لكل موظف واجباته بكل دقة ووضوح، فالمدرس يقرأ درسه كل يوم، على أن يكون أول دروسه في علم الأخلاق، ثم بعده باقي العلوم، و(الكتاب جي) يمسح الكتب كل ثلاثة أيام مرة من الغبار، ويكنس الكتاب خانة (المكتبة). والسبيل خانه جي (الموكل بمياه الشرب) يغسل مزملة السبيل خانة كل شهرين. ولا شك أن إدامة مدرسة كهذه تتطلب أموالًا جَمَّة، وعناية فائقة، لذا فقد وقف المنشآن، حسن بك وزوجته السيدة فردوس، عقارات مهمة لهذا الغرض. وكان حصة السيدة فردوس أن وقفت وما آل إليها بالإرث الشرعي من والدها يحيى أغا الجليلي " وهو المدرس من قيصرية الشهيرة بقيصرية علي أفندي بجميع ما اشتمل عليها من البناء في السوق الكبير[47] من أسواق الموصل المحروسة، (والـ) نصيب المنتقل اليها من رحاة بايبوخت المذكورة، وهو من كل أربع وثلاثين سهمًا سهم واحد" [48].
وقد سجلت الوقفية في غرة شعبان سنة 1232هـ/1816م.
أما المدرسة نفسها فقد لبثت منهلا لطلبة العلم في الموصل أجيالًا متعاقبة، وشغلت بناها مؤسسات تعليمية مختلفة، هي على التوالي: المدرسة الإسلامية، المدرسة الفيصلية، المدرسة الفيصلية الوقفية، المتوسطة الفيصلية الدينية، متوسطة الإرشاد الدينية، مدرسة الإرشاد الإعدادية الدينية، المدرسة الدينية، ابتدائية الأوقاف الإسلامية، وذلك من خلال المدة الواقعة بين سنتي 1924-1973م.
وقد آلت مخطوطاتها الكثيرة إلى مكتبة الأوقاف العامة في الموصل، وبقي منها 84 كتابًا[49].
مدرسة فتحية خاتون:
أنشأت السيدة فتحية خاتون بنت سليمان أغا مدرسة في مدينة الموصل عرفت باسمها، ووقفت لإدارتها حصتها من خان الشط [50] وتوابعه، والدكان الواقعة في قيصرية البابوخية العتيقة، وشرطت للمتولي عُشر الرُّبع من غلة الوقف، بينما خصصت الباقي للإنفاق على لوازم المدرسة، وذلك في وقفيتها المؤرخة اوائل رمضان سنة 1271هـ/ايار 1855م[51].
مدرسة الخاتون:
أنشأتها السيدتان مريم خاتون بنت والي الموصل محمد باشا الجليلي، وأمها هيبة الله خاتون بنت عبدالله، في الجامع الذي شيدتاه في الموصل، وعرف بجامع الخاتون سنة 1241هـ/1825م. وشاركهما في ذلك محمد أمين بك بن محمد باشا الجليلي[52]. فعرفت المدرسة بالأمينية نسبة إليه. وضما إليها خزانة للكتب حوت كتبا في التفسير والحديث والعقائد والفقه وأصوله والأدب، وكتب مدرسية مختلفة[53]. بقي منها الآن (64) كتابًا مخطوطًا، وقد آلت هذه الكتب إلى مكتبة الأوقاف العامة في الموصل[54].
وقفية أسماء خاتون غصيبة على مدرسة الصائغ:
تنسب هذه المدرسة إلى مؤسسها التاجر عبدالرحمن جلبي بن محمد الصائغ سنة 1250هـ/1834م، وهي تقع في محلة الإمام إبراهيم من محلات مدينة الموصل القديمة، وقد الحق بها خزانة كبيرة تحوي المئات من نوادر المخطوطات[55].
وفي سنة 1300هـ/1882م وقفت السيدة أسماء خاتون بنت عبدالرحمن غصيبة حصصها في خان الجفت الكبير قرب سوق باب الجسر " على مصالح المدرسة المشهورة بمدرسة عبدالرحمن جلبي بن محمد الصائغ المعلومة مشتملاتها وحدودها، الواقعة في محلة إمام إبراهيم من تعميرها وسائر لوازمها الضرورية، فإذا فضل شيء بعد مصاريف المدرسة المذكورة، يقسم على وجوه البر".
3- وقف الأوقاف للإنفاق على الفقراء والمساكين وبعض أوجه الخدمة الاجتماعية العامة:
وقفية فتحية خاتون الجليلية على الفقراء:
سعت السيدة فتحية خاتون بنت عبيد آغا الجليلي إلى العناية بشؤون الفقراء والمساكين في مدينتها الموصل، فوقفت لهذا الغرض بعض حصصها في "الخان الواقع على نهر دجلة" وفي "الخان الشهير بخان عبيد أغا" والرحى الواقعة قرب ترجيلة وحمام عبيد أغا، وقهوة الإمام، وقهوة خانه باب الجديد، وبساتين لها في مدينة الموصل. ولم تكتف بذلك، وإنما أوصت ببيع ثلث ما تملكه من عقاراتها السكنية مع ثلث ما تتركه من الأموال ليشتري بالثمن مسقفات، يصرف ريعها في كل سنة على المستحقين من الفقراء والمساكين، ذلك بموجب وقفيتها المؤرخة في أواسط جمادي الآخرة سنة 1204هـ/شباط 1789م[56].
وقف زينب خاتون بنت يونس أغا على الفقراء:
وسعت السيدة زينب خاتون بنت الحاج يونس أغا إلى تخصيص مبالغ كبيرة من أوقاف رصدتها في مدينة الموصل للتخفيف عن كاهل الفقراء المنقطعين، وفي وقفية تعد من أكثر الوقفيات سخاء لهذا الغرض النبيل، ففي 6 من شهر ذي الحجة سنة 1229هـ/1813م وقفت السيدة المحسنة ما تحت يدها من حصص في العديد من مرافق المدينة الاقتصادية وتشمل: حمام، وخانات تجارية، ورحى قرب قرية بايبوخت على نهر الخوصر، ومقاهي، وقيصريات، ودكاكين كثيرة في اسواق مختلفة، وبستان خارج المدينة، ومنشآت اقتصادية أخرى، وشرطت أن تنفق واردات هذه المرافق، وهي كثيرة، على من يسكن الموصل من الفقراء المنقطعين[57].
وقف السيدة خديجة خاتون على الفقراء والمساكين:
وقفت السيدة خديجة بنت الحاج صادق أغا ما تملكه من أسهم في عدد من المنشآت الاقتصادية في مدينة الموصل على بعض وجوه الخير سنة 1232هـ/1816م، وتشمل هذه الوجوه، شراء الاضاحي في عيد الأضحى، وإيقاد الشموع في ليالي رمضان للتراويح، وتوفير مياه الشرب، وانفاق الباقي "على المستحقين من الفقراء والمساكين" [58].
وقف عادلة خاتون بنت عبدالرحمن على وجوه الخير:
وفي جمادي الآخرة 1233هـ/1817م وقفت السيدة عادلة خاتون بنت عبدالرحمن أغا ما تملكه من أسهم في المقهى الواقع في سوق الميدان بالموصل مع دكانين مخرجتين منها لتنفق على بعض أوجه الخير التي حددتها في وقفيتها، وهي التضحية في أعياد الأضحى، وتوفير مياه الشرب في كل ليلة جمعة، وقراءة القرآن الكريم، وتفريق ما يتبقى على الفقراء والمساكين والمستحقين[59].
وقفية الحاجة حمرة خاتون وكريمتها اسمه خاتون وعدله خاتون على الفقراء في الموصل:
وقفت الحاجة حمرة خاتون بنت الحاج صادق أغا، وكريمتيها أسمه (اسماء) خاتون وعدله (عادله) خاتون بنتي سعد الله باشا الجليلي[60] والي الموصل السابق، جملة كبيرة من الأوقاف الدارّة على أنفسهن، واذا ما توفيت واحدة، يرجع نصيبها إلى الباقيات، وبعد انقراضهن جميعًا " ترجع الوقوف إلى المستحقين من الفقراء والمساكين وطلبة العلم".
وتتألف هذه الوقفيات من دكان قيصرية... [61] وقهوة خانة في محلة (عبدو خوب) مع سردابين تحتها، وبستان في قرية نينوى تعرف ببستان البنات، مع بئر، وأشجارها هناك، وأخرى في القرية نفسها، مع بئرها، وأشجارها، واكثر من نصف البستان المعروفة ببستان سعد الله باشا الكائنة في طرف القبلة من البلدة، مع بئر، وأشجار، وقصر البستانجي، ودكاكين ومعصرة وبيت فوق المعصرة في محلة اليهود، وأكثر من النصف في ثلثي قيصرية السراجين مع ثلاثة دكاكين خارجها، ونصف قيصرية المطريانة الواقعة في ميدان القلعة، وقسم من بستان [62] على نهر الخوصر، وأكثر من نصف الملك الواقع في محلة الشيخ محمد عليه الرحمة، وحصص مختلفة في بستان علي أفندي، والفسيل الملاصق له، ومن خان عبيد أغا، ومن خان شيخ [الأصناف] السبعة، والمعصرة الواقعة خارجه، وذلك بموجب وقفيتهن المؤرخة في أواسط ذي القعدة 1244هـ/حزيران 1828م[63].
وقف خديجة خاتون بنت نعمان أغا على وجوه الخير:
شاركت السيدة خديجة خاتون بنت الحاج نعمان أغا، سنة 1244هـ/1828م زوجها الحاج حسين آغا بن الحاج صادق أغا، في وقف حصتهما في خان الشط والكمرك وتوابعها، وخان عبيد أغا وتوابعه، في مدينة الموصل، على أوجه الخير والبر، وتشمل شراء الأضاحي في عيد الاضحى، والإنفاق على "المستحقين من الفقراء والمساكين والأرامل والايتام". ثم عادت هذه السيدة فوقفت منفردة سنة 1255هـ/1839م، حصتها من الخانين المذكورين، مع دكانين لها في ميدان باب الجسر، بلصق الكمرك، وفي السوق الكبير في الموصل، على أوجه الخير المشابهة، وتشمل - فضلا عن تقديم الأضاحي - إيقاد الشمع في ليالي رمضان لأجل صلاة التراويح وإطعام الفقراء والمساكين في ليالي القدر والأشراف (يقصد الأيام المشرفة)، وتوفير مياه الشرب في هذه الليالي، وإنفاق الباقي "على المستحقين من الفقراء والمساكين" [64].
وقف عدلة خاتون على الفقراء:
ووقفت السيدة عدله (عادلة) خاتون بنت أحمد أفندي بن السيد عبيد أفندي، من سكنة محلة المكاوي في الموصل، ثلث مالها، بعد وفاتها، للفقراء والمساكين، وأوصت أيضًا ان تصرف غلة الدكان الذي تملكه في محلة السراج خانة على الفقراء والمساكين، بموجب وقفيتها المؤرخة في 16 ذي القعدة 1300هـ/19 أيلول 1882م[65].
وقفية مريم خاتون بنت أحمد بك على الفقراء:
ووقفت السيدة مريم خاتون بنت أحمد بك الآي بكي بن عبدالله، من سكنة محلة جامع جمشيد في الموصل، دارها " التي هي عبارة عن حوشين داخل وخارج.." على بعض سكان محلتها، وبعد انقراضهم " يرجع الوقف المذكور للفقراء والمساكين" بموجب وقفيتها المؤرخة في 27 جمادى الآخرة سنة 1304هـ/24 آذار 1886م [66].
وقفية دولة بنت فتحي على أعمال البر والفقراء:
ووقفت السيدة دولة بنت الحاج فتحي بن ياسين الصباغ، من سكنة محلة باب النبي في الموصل، دارا لها في محلة سوق الصغير، والنصف الشائع الذي تملكه من دار أخرى في محلة باب السراي من محلات مدينة الموصل، على أعمال البر والخير، إذ شرطت أن يُنفق من غلة الوقف - بعد تعميره - على من يعِظ الناس، وعلى قارئ القرآن في جامع الأغوات خلال شهر رمضان من كل عام. وأن تشتري في الشهر نفسه شمعتان توقدان في "المحل المحتاج من الجوامع والمساجد"، وأضحيتان في عيد الأضحى، على أن يقسم المتبقي من الغلة "على الفقراء والمساكين" بموجب وقفيتها المؤرخة في 28 شعبان 1310هـ/16 آذار 1893م[67].
وقفية خَدّوجة بنت علي المفتي على الفقراء:
ووقفت السيدة خدّوجة (خديجة) بنت علي المفتي بن أحمد أفندي، الساكنة في محلة جامع جمشيد في الموصل، حصتها الشائعة في الدكان الكائن في سوق الصرافين "على الفقراء والمساكين في المواسم والأيام الاشراف" بموجب وقفيتها المؤرخة في 25 صفر 1315هـ/20 أيلول 1892م[68].
ثم أنها عادت، فوقفت حصتها الشائعة في دكانين آخرين، أولهما في محلة السراج خانة، وثانيهما في سوق العتمة، وشرطت أن تعطي غلة الأول إلى إحدى نساء محلتها وذريتها، وبعد انقراضهم تعطى " إلى الفقراء والمساكين"، أما الثاني فتعطى نصف غلته إلى" الفقراء والمساكين" والنصف الآخر إلى المتولين على الوقف نفسه، وذلك بموجب الوقفية المؤرخة في 17 صفر 1317هـ/28 حزيران 1898م[69].
وقفية فاطمة بنت وحيد على الفقراء:
ووقفت السيدة فاطمة بنت وحيد آغا الدار الكائنة في محلة أمام عون الدين في الموصل حسبة الله، وشرطت في وقفيتها المؤرخة في 30 جمادي الاولى سنة 1350هـ/12 تشرين الاول 1931م على المتولي ان يبتاع في كل عيد أضحى " كبشين من الضأن ويوزع لحومها على الفقراء والمساكين. وان يبتاع المتولي (تنكة) كاز واحدة في شهر رمضان لإدارة أي مسجد شاء أثناء صلاة العشاء والتراويح" كما خصصت هذه الواقفة سلفًا من المال على الفقراء " وفي بدء الشتاء من كل سنة يبتاع المتولي خمسة وعشرون ذراعًا خامًا وخمسة وعشرون ذراعًا كتان يعدله قيصا (قمصان) يوزعها على المحتاجين للكسوة. ويبتاع حسب الموسم عنبًا وحلاوة مع خبز، بقدر ما يبقى عنده من ريع الدار، ويوزع ذلك على الفقراء[70].
وقفية مثيلة الصراف على الفقراء:
وقفت السيدة مثيلة بنت عبداللطيف الصراف دارها الكائنة في محلة سوق الصغير بالموصل على وجوه من الخير، فجعلت ربع ريع الوقف ونصف الربع إلى خدمتها، والربع إلى أخيها، على أن يشتري بالربع ونصف الربع الباقي في كل سنة بقرتان، وأربعة أكباش، وتضحى في أول يوم عيد الأضحى من كل سنة، ويشتري في فصل الشتاء، كل سنة عشرة قمصان وعشرة عباءات ويعطي ذلك للفقراء والمساكين، وصينية بقلاوة توزع على الصائمين في رمضان من كل سنة، وذلك بموجب وقفيتها المؤرخة 24 شوال 1366هـ/9 أيلول 1947م[71].
الخلاصة:
بلغ عدد المؤسسات الثقافية والدينية التي قامت المرأة بإنشائها في مدينة الموصل، إبان العصر العثماني وحده، نحو اثنين وعشرين مؤسسة، بين مسجد ومدرسة ودار قرآن، ويمثل هذا العدد أكثر من نصف منشآت المدينة المشابهة، خلال العصر نفسه، ويكشف هذا الإحصاء عن الإسهامات الواسعة للمرأة في مجالات الحياة العامة لمدينتها آنذاك.
ولنا أن نلاحظ مما تقدم في هذا البحث وفرة الموقوفات التي خصصها للإنفاق على تلك المنشآت الخدمية النافعة، وتنوعها، بين قرى زراعية كاملة، وأرحاء، وآبار، وأسواق، ودكاكين، وخانات تجارية، وحمامات، ودور سكنية، وهو ما يشكل ثروة حقيقية تنفق، وفق شروط الواقفات، لضمان ديمومة المؤسسات وترميمها وصرف رواتب العاملين فيها.
وفي الواقع، فإن دور المرأة لم يقتصر على التأسيس أو الإنفاق فحسب، وإنما امتد ليشمل اختيار العاملين، وتحديد رواتبهم واختصاصاتهم، وانتقاء أفضل المدرسين للعمل في المدارس التي أنشأتها، وعزلهم عند التأكد من نقص كفاءتهم، كما يلاحظ اهتمامها، بوجه عام، بوقف الكتب، فقد الحقت -كما تدل الوقفيات- خزائن حفلت بالعديد من الكتب والرسائل، وبينها ما هو نادر ونفيس في بابه، تيسيرًا على المدرسين والطلبة للحصول على ما يحتاجونه من مصادر البحث والدرس. بل بلغ من حب بعض الواقفات للعلم، أنهن أوصين بأن يدفَنَّ في مدارسهن التي أنشأنها أو في الحجرات التي تضم خزائن كتبها الخاصة.
وسعت أكثر الواقفات إلى توفير مستوى معقول لمعيشة العلماء والطلبة على حد سواء، فكان انه خصصن مبالغ محددة للإنفاق المستمر على شراء الشمع اللازم للإضاءة، وتيسير ماء الشرب والغسل، وتوفير الطعام، بل والتدخل أحيانًا بتحديد أصنافه.
وفي مجال الخدمة الاجتماعية، سعت المرأة إلى وقف الأوقاف الكثيرة للإنفاق على أوجه الخير، منها شراء الأضاحي في الأعياد، وإيقاد الشمع لإضاءة المساجد، وتوفير مياه الشرب فيها، وإطعام المساكين والأرامل والأيتام وكسوتهم بحسب فصول السنة، وغير ذلك من أوجه الخير.
إن رصد أعمال كهذه، لهو أمر جدير بإعادة النظر في التقويم السائد لدور المرأة في تقديم الخدمات العامة لمجتمعها، إبان العصور الماضية، وهو يقدم محفزًا للباحثين في استجلاء هذا الدور المشرف في كل مكان.
[1] كتب هذا البحث في سنة 1989م، ونشر في مجلة المورد التراثية في بغداد سنة 1992م ونعيد نشره هنا بعد تنقيحات وإضافات.
[2] بحثنا: من تاريخ الخدمات النسوية العامة في بغداد، بحث ألقي في ندوة (بغداد في التاريخ) كلية التربية الأولى بجامعة بغداد، ونشر في أعمال الندوة، بغداد 1991.
[3] ساعدت المرأة الموصلية الرجل في سعيه الدائب لتوفير أسباب المعيشة لأسرتهما، فكانت المرأة في الريف تعمل في مجالات شتى مثل تهبيش القمح، واستخلاص الزبد من الحليب، وجمع العلف للحيوانات، والعمل في طواحين الحبوب، وكان الغزل من أهم مهام ربة البيت، سواء أكان ذلك في الريف أم في المدينة، وعد المجتمع الموصلي عدم معرفة المرأة بالغزل عيبًا لا يغتفر في تربيتها المنزلية، ووصفت المرأة الكاملة بطول ما تغزله من خيط، فكانت المرأة بذلك ركنًا أساسًا في الاقتصاد الموصلي الذي يعتمد على تصدير المنسوجات اعتمادًا كبيرًا، لذلك كان الرجل - عند اختيار شريكة حياته - يفضل المرأة العاملة على المرأة الغنية. ومن الجدير بالذكر أنه كان للمرأة دور مهم في الأحداث الكبرى التي عاشتها الموصل، فقد شاركت النساء بحماس عظيم في الدفاع عن المدينة في أثناء حصار نادرشاه لها سنة 1156هـ/1744م. انظر كتابنا: الموصل في العهد العثماني، فترة الحكم المحلي، النجف 1975، ص356-360.
[4] هو أول ولاة الجليليين في الموصل، شارك في الحملة العسكرية التي جهزها والي بغداد أحمد باشا لفتح همذان، وكان قبل توليه الحكم ملتزما بضمان الضرائب على أصناف الحرف في الموصل، وكان أحد ثلاثة انفقوا على إنشاء قناطر لجسر الموصل سنة 1133هـ/1720م. انظر عنه: محمد أمين العمري: منهل الأولياء ج1 (الموصل 1968) 146، وياسين العمري: الدر المكنون ص580 (مخطوطة المتحف البريطاني). وكتابنا: الموصل في العهد العثماني ص53-54.
[5] محمد الجليلي: مجموعة وقفيات الموصل جمعها بخطه وهي لدى الدكتور محمود الجليلي رحمه الله (مخطوطة)، وقد سمح لي بتصوير نسخة منها لمكتبتي الخاصة
[6] نقولا سيوفي: مجموع الكتابات المحررة في أبنية مدينة الموصل، تحقيق سعيد الديوه جي، الموصل 1956، ص36- 38 وفيه مجموع ما حرر على جدران الجامع من كتابات أثرية.
[7] كان هذا في سنة1989.
[8] من محلات الموصل التي لما تزل تعرف بهذا الاسم، وتنسب الى نقوش كانت تزين حمامها، سيوفي: مجموع الكتابات ص 166.
[9] - مجموعة وقفيات الموصل
[10] - تولى الموصل مرات عدة في السنوات 1166- 1169هـ/ 1752- 1755م، و1169-1170هـ/ 1755- 1756م، و1172هـ/1758م، و1173- 1174هـ/1759- 1760م، و1175- 1182هـ/ 1761-1768م، و1189هـ/ 1775م، أنظر عنه أمين العمري: منهل الأولياء ج1 ص166-175 وياسين العمري: منية الأدباء، تحقيق سعيد الديوه جي (الموصل 1955) 84 وكتابنا الموصل في العهد العثماني 64- 78.
[11] مجموعة وقفيات الموصل.
[12] وكان هذا الجامع قد عمرته سيدة ذكرت - في كتابه تذكارية في اعلا بابه - أنها والدة الحاج احمد بن الحاجي صالح الدرويش سنة 1135هـ/ 1722م، سيوفي: مجموع الكتابات ص 89.
[13] سعيد الديوه جي: جوامع الموصل في مختلف العصور (الموصل 1963) ص 223.
[14] ياسين العمري: منية الأدباء ص 105.
15] تولاها من 1221 إلى 1223هـ/1806- 1808م. كتابنا: الموصل في العهد العثماني ص 91.
[16] انظر عنه: سيوفي: مجموع الكتابات المحررة ص23 والديوه جي جوامع الموصل ص 226- 228.
[17] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة)
[18] اعتمدنا في هذه المعلومة على الكتابة التذكارية المثبتة في أعلى بابه، وعلى إفادة المرحوم الحاج محمد السراج، أحد أقدم الساكنين في جواره، وهو الذي كان يحتفظ بالوثائق الخاصة بانتفاضة الموصل سنة 1255هـ/ 1839م. وهي الوثائق التي اعتمدناها في بحثنا (أضواء على انتفاضة الموصل المنسية في سنة 1839م)، ونشرناه على موقع الألوكة في 17/3/1434هـ/ 28/1/ 2013م.
[19] سيدة محسنة عرفت بصلاحها ولها موقف إنساني محمود، نوه به ياسين العمري في حوادث سنة 1154هـ/1741م (زبدة الآثار الجلية في الحوادث الأرضية، بتحقيقنا، النجف 1974، ص98) وتوفيت سنة 1213هـ/1798م.
[20] تولاها ثماني مرات، أولاهما سنة 1143هـ/ 1730م وآخرها سنة 1171- 1172هـ/ 1757-1758م، وكما تولى ولايات عديدة أخرى، عرف بحسن تدبيره وسياسته الرشيدة وعدله، واشتهر بدفاعه المجيد عن مدينته إزاء حصار نادر شاه لها سنة 1156هـ/1743م. انظر عنه: منهل الأولياء 1/144 ومنية الأدباء 81-185، 207-209 وياسين العمري: الدر المكنون في المآثر الخالية من القرون ص 586 (مخطوطة المتحف البريطاني) والموصل في العهد العثماني 62-64 و102-115.
[21] مجموعة وقفبات الموصل.
[22] مجموعة وقفيات الموصل.
[23] نسبة الى حصن قديم هناك، كان المغول قد أنشأوه بعد احتلالهم الموصل سنة 660هـ، واتخذ مقرًا لحكومة الموصل حينًا من الدهر، وأقيم في أرضه - فيما بعد سراي الموصل ومسجد وحمام. والزقاق الذي يمتد أمام الحصن من السراج خانة الى الجامع النوري هو زقاق الحصن. انظر سعيد الديوه جي: جوامع الموصل ص160
[24] سيوفي: مجموع الكتابات 25.
[25] الديوه جي: جوامع الموصل 164.
[26] سيوفي: مجموع الكتابات 36 والديوه جي: جوامع الموصل، ص239- 241.
[27] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة).
[28] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة)
[29] نقولا سيوفي: مجموع الكتابات ص209.
[30] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة)
[31] أنظر سيوفي: مجموع الكتابات المحررة في أبنية مدينة الموصل ص26 و170.
[32] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة).
[33] من ذلك أنها عزلت الشيخ مصطفى الصباغ وكان يدرس النحو والفقه والفرائض والحساب، وكان سبب عزلها إياه ما بلغها عنه من "قلة المعلوم، وعدم الضبط، وسوء الحفظ". محمد أمين العمري: منهل الاولياء 1/267.
[34] سعيد الديوه جي: مدارس الموصل في العهد العثماني، مجلة سومر، بغداد 1962، ص84.
[35] تقدم الكلام على هذا الجامع.
[36] أحصى منها داود الجلبي 28 مخطوطًا. مخطوطات الموصل ص91-92.
[37] سالم عبدالرزاق أحمد: فهرس مخطوطات مكتبة الاوقاف العامة في الموصل، 8 (الموصل 1983) 331-344.
[38] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة).
[39] داود الجلبي: مخطوطات الموصل 98-120.
[40] تولاها اربع مرات (1185-1189هـ/1771-1775م) و(1189-1190هـ/ 1775-1776م) و(1191-1197هـ/1777-1783م) و(1200-1204هـ/1786-1789م).
[41] تقدم الكلام على هذا الجامع.
[42] داود الجلبي: مخطوطات الموصل 224-227.
[43] فهرس مخطوطات مكتبة الاوقاف في الموصل 7/273-283.
[44] نشرنا نص هذه الوقفية في كتابنا الموصل في العهد العثماني، الملحق العاشر ص540-544.
[45] عد الدكتور داود الجلبي منها كتابه مخطوطات الموصل (ص120-139) 317 كتابًا مخطوطًا.
[46] الصاغة: عملة عثمانية صغيرة كانت تساوي 4 فلوس من النحاس في تلك الأيام. كتابنا الموصل في العهد العثماني ص561- 563.
[47] السوق الكبير، ويعرف اليوم بسوق السراجين.
[48] وكان زوجها حسن بك (باشا) قد وقف حصته من الرحى المذكورة، وتقع على نهر الخوصر في شرق الموصل.
[49] انظر فهرس مخطوطات مكتبة الاوقاف العامة في الموصل الجزء الأول، خزائن حسن باشا الجليلي (الموصل، طبعة 1، 1982).
[50] يرقى هذا الخان الى سنة 1122هـ/1710م كما تبين ذلك كتابة أثرية فوق بابه (نيقولا سيوفي: مجموع الكتابات المحررة على ابنية الموصل 125).
[51] الاوقاف 8/165.
[52] تقدم الكلام على هذا الجامع.
[53] داود الجلبي: مخطوطات الموصل 79-82.
[54] سالم عبدالرزاق: فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل 7 (الموصل 1983) 335-356.
[55] داود الجلبي: مخطوطات الموصل 1500- 151.
[56] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة).
[57] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة).
[58] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة).
[59] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة).
[60] تولى الموصل من 1225 الى 1227هـ/1810-1812م.
[61] فراغ في اصل الوقفية.
[62] فراغ في أصل الوقفية، وأثبتنا ما رجحناه.
[63] وزارة الأوقاف (ديوان الوقف السني اليوم)، السجل 9ص56.
[64] مجموعة وقفيات الموصل (مخطوطة).
[65] وزارة الأوقاف، السجل 9ص39.
[66] وزارة الاوقاف، السجل 14 ص141.
[67] وزارة الاوقاف، السجل 10 ض44.
[68] وزارة الاوقاف، السجل 14 ض55.
[69] وزارة الاوقاف، السجل 14 ص61.
[70] وزارة الاوقاف، السجل 10 ص84.
[71] وزارة الاوقاف 9/37.
للعودة إلى الصفحة الرئيسة