نص/عبد الجبار الجبوري
هذا أبرهة الحبشي...،
يمتطي فيله الخشبي......
ويستحم في خراب الأزمنة...،
الأخيرة...
ولا خراب فوق صهوة الخيل ...،
العتاق..
ربما أموت بلا بيت أو ولد...،
لكنما بيتي العراق ...
فهنا بيت الآلهة في قلعة....،
آشور...،
والوركاء وتل حرمل وكالح...
وهنا وجه الصباح....
دجلة والفرات يجريان في روح العراق، وهنا بيت الحكمة،قوس النصر ،نصب الشهيد،قبر أبي حنيفة النعمان،وموسى الكاظم،وضريح عبد القادر الكيلاني،ونصب جواد سليم الحرية كلها لبغداد،وشارع السعدون وشارع المتنبي،ونصب خالد الرحال الجندي المجهول ..
وهناك في ضريح علي بن أبي طالب وابنه الحسين عليهما السلام،وفي خاصرة العراق قامة الفراهيدي والسياب والحسن البصري،وهنا نينوى رائحة التاريخ كله وعبقه ومنارته الباسقة الحدباء،وهنا محمود جنداري والمحروق ومعد الجبوري ونجمان ياسين وعضيد طارق وثامر معيوف وهشام عبد الكريم وكمال عبد الرحمن ونجيب يونس وراكان دبدوب ويوسف ذنون وأنا.... فأين منهم كل هؤلاء الغزاة والعملاء كلاب كسرى وما بعده..................
لاشيء في البلاد مباح..،
سوى غابة بلا آلهة..،
وسيوف بلا مقابض، ورماح بلا رؤؤس...،
وبنادق صدئت.،
من كثرة الحروب...
لا زيت في الفوانيس ...،
بسومر وأوروك وبابل ...
ألواح نينوى...
سرق رقيمها الغزاة والطغاة..،
وأبناء الحرام...
لكن ليبالي شارات زوجة اشوربانيبال اخفت رقيمها ..،
في معابد نركال........
وأسرجت خيلها للقتال...
أفيلة أبرهة الحبشي تستحم ...،
في دجلة والفرات..
وبقايا كورش واردشير ..،
وابن العلقمي..،
يسرجون خيل كسرى في شارع الرشيد...
ويعلنون الحرب على التاريخ..،
في ساحة التحرير...
هاهم أهل نينوى..
يعيدون إلى بابل ولكش وكيش واشنونا واور...
صوت سنحاريب..،
ورماح سرجون، ومجد اشوربانيبال..
أمس في لحظة انتشاء انليل..،
وانو في سماء لارسا ..
كانت فلول الزط والقرامطة..،
وخوارج بادية البصرة ..
يرفعون رايات الظلام نحو ...،
مدن تغزل عباءة المجد ..
إنها مدن من طين ..،
الطفولة ورائحة الزمان...
جراد يهرس البراءة ....
يقتلع جذور الصحو ...،
ويسفك الدماء في شوارع المدن الجريحة ...
انا شاهد على خراب البلاد..
حينما تسرق الضحكة من طفل يتيم..،
وامرأة فقدت أبناءها على يد الزنيم...
انهم آلهة الموت ...
هؤلاء من قتل اطفال وشيوخ ونساء وشباب بلادي...
هؤلاء من اغرق مدن بلادي
هؤلاء من سرق أموال بلادي
هؤلاء من هجر أهل بلادي..
هم أحفاد سأبور ذي الكتفين ...
عبدة النار....،
في عيلام وصفين ...
انا شاهد على خراب البلاد..
مضى الزمان الجميل...
وجاء جيش الظلام والقتل والتهجير والتفجير ...،
وكواتم الصوت والبراميل ...
ليحصد أرواح العراقيين ..
حقد تتوارث الأجيال..
من سجن ايفين ومعارك البسيتين ..
يقف الزمان/القادسية الثانية ..
سيارتان متعاكستان وأسير بينهما ..
تنطلقان باتجاهين مختلفين ..
لحظة وتشهق السماء/ لقد تقطعت أوصال الاسيرالشهيد ..
تماما كما كان يفعل جدهم سأبور...
جيل فجيل...
يتوارثون أحجية الظلام/الخراب..
انه خراب بابل على يد كورش واردشير..
وخراب الحضر على يد ساسان..
وخراب نينوى على يد نادر شاه..
وخراب بغداد على يد هولاكو وبوش وقاسم سليماني..
إنها أزمنة الخراب ...
وأنا شاهد على هذا الزمان......
فجيعة اثر أخرى..
مابين سيف الكلام وسيف الظلام..،
قطرة دم.......
تسيل من رقبة النشيد وسرة الفرات...
فلتقرع أجراس أور ودور شروكين وتل قوينجو..،
والقيروان...
فرت آلهة الغبار ..
إلى نيسابور وعيلام واذريبيجان ...
وامتلأت شوارع العراق بالدماء والجثث والصلاة...
انه يوم الحشر في باب المعظم..،
وحارات الاعظمية ..
حين أغلق الرعاع جامع النعمان..،
وغرقت بالدمع مساجد الكاظمية ..
هلكت ملوك بابل..،
نابونيد ونبوخذنصر ...
ومات كلكامش وصديقه انكيدو..
ومات اوتونابشتم من اجل الوركاء عاصمة القلوب..
ومات اشوربانيبال ملك نينوى العظيم..
ومات شلمنصر الثاني كاسر انف الفرس بعيلام..
ومات أبو جعفر المنصور...،
بعد أن دحرج رأس أبي مسلم الخراساني بالوحل...
ومات على منصة المجد.قاهر الفرس..،
المجوس ...
ومات وسيموت كل من يلقن الفرس السم الزعاف..
ولا فخر ..
ولكن لن يموت العراق .....
إنها لعبة الزمان..
أن يموت الآخرون ويبقى العراق ..
هنا وطن يتوضأ بالدم ..
ويصلي على قبلة العراق ..
ولا سوى العراق /عراق...
إن نمت عاش العراق ..
وان يموت العراق متنا ...
ينهض الليل من جوف الظلام..
تتكحل عيون المها ..،
بالخراب الأخير..
وتسكت المدافع عند باب المسقى...،
وقرة سراي...
مدافع نادر شاه ..
تلك التي كان يرمي قذائفه على قلعة باشطابيا ..
الآن يضرب المالكي الأرعن مدننا بالصواريخ الأمريكية ..،
والبراميل الإيرانية ..
هكذا يموت في وطني الإنسان...
على يد قوى الظلام الهمجية ....
ورغم هذا الخراب..
مازلت حبر الكلام في أعلى الكلام...
من عهد عاد وثمود..
ماسكا أهلة السماء والجدود...
محتفيا بالضوء والمطر..،
قوس قزح قباب نمرود..
فاض الفرات الآن..
واجتاح أقبية الظلام ..
خرجت أفاعي سيد دخيل ..،
وضباع هور رجب وكلاب أبي دشير..
نباحهم يعلو سماء البصرة ..
وطهران....
فلماذا إذن تكبر المآذن في نينوى ..
ذهبوا لوليمة أعدتها لهم عاهرة في شارع السعدون ..
أكلوا حتى شبعوا من أشلاء موتانا ..
فيا أيها السياب انهض..
وقل لهم ..
(يا حاصد النار من أشلاء قتلانا منك الضحايا وان كانوا ضحايانا .. )
بلى هنا يقف الزمان..
على حافة الدماء التي تسيل من عين العراق ..
ويقرأ شيئا من سورة النصر الأكيد..
أين كورش،وأين كسرى،وأين رستم،وأين فيلة أبرهة الحبشي،
وأين من تجرع السم الزعاف....؟
انه الزمن الوليد..
زمن البهاء ..،
حينما يعلو النشيد...
انه زمن العراق ...
سينهض زمن العراق...
***
عودة الى الصفحة الرئيسية